مدار نيوز- رشا بركة صفا : استشعر الطالب أحمد شبير قرب منيته؛ فعاش أيامًا نازع فيها دقات قلبه المتسارعة نحوها، وجاهد المرض راجيًا أن يعيش ولو لـ6 أشهر فقط، ليخوض امتحانات التوجيهي، بعدما أيقن أن سفره للعلاج أصبح مستحيلاً، برفضه ابتزازات جهاز المخابرات الإسرائيلي “الشاباك” بالتعاون معه مقابل السماح له بالعلاج خارج قطاع غزة.
أحمد شبير..فضل الموت ..رفض ابتزاز المخابرات الإسرائيلية بالعلاج مقابل “التخابر”

“عد إلى غزة وليعالجك أهلها وأطباؤها”.. كان الرد الأخير الذي تلقاه الفتى أحمد حسن جميل شبير (17 عامًا) من ضابط المخابرات الاسرائيلية، بعد مماطلة طويلة في ملف تحويله للعلاج بإحدى المستشفيات الإسرائيلية، انتهى بمقابلة ضابط الشاباك ورفض أحمد عرض “التعاون”.
ويكشف المواطن الأربعيني حسن شبير تفاصيل الجريمة التي ارتكبتها سلطات الاحتلال بحق ابنه، والتي انتهت باستشهاده في 14 يناير 2017، والتحاقه بقافلة ضحايا حصار غزة.
ويقول شبير لإن ابنه ولد وهو يعاني من مشاكل في القلب، وأجرى عدة عمليات قسطرة وقلب مفتوح داخل المستشفيات الإسرائيلية وفي القدس المحتلة، على مدار 17 سنة.
مسيرة علاج أحمد كانت على ما يرام حتى 2015، لكن بعد ذلك بدأت معاناة العائلة جراء مماطلات الاحتلال في قبول مواعيد العمليات التي كانت تحددها المستشفيات، بالرغم من خطورة حالته الصحية.
وكان آخر موعد تم تحديده لإجراء أكبر عملية، من المفترض أن يخضع لها أحمد في مشفى “تل هشومير”، بتاريخ 10 سبتمبر 2016 المنصرم، وهنا تفاجأت العائلة أن سلطات الاحتلال منعته من السفر، بذريعة الفحص الأمني.
راجعت العائلة هيئة الشئون المدنية التابعة للسلطة الفلسطينية، فأُبلغت بعدم توفر معلومات لدى الهيئة عن سبب الرفض، فتوجهت إلى مركز حقوق الإنسان الفلسطيني، الذي قال للعائلة إن المخابرات الاسرائيلية حددت موعدًا لمقابلة أحمد في10 أكتوبر 2016.
صدمته ومراوغة المخابرات
وافق والد الفتى على المقابلة “لأنه على يقين أن ابنه صغير، ولم يرتكب شيئًا من شأنه أن يجعله ممنوعًا أمنيًا”، وبالفعل أوصل الوالد ابنه إلى حاجز بيت حانون/ ايرز، ودخل الفتى وحده لمقابلة ضابط المخابرات.
وأثناء المقابلة -يقول والده-: “جردوه من كل ملابسه ورموا أدويته وطعامه، وانتظر ضابط المخابرات ساعات طويلة، وخلال المقابلة تفاجأ أحمد بالضابط يعرض عليه التعاون مع المخابرات الإسرائيلية وإعطاء معلومات عن عدد من جيرانه وأصدقائه ومعارفه”.
ويضيف “صُدم أحمد، وقال لي إن ضابط المخابرات تحدث عن صحتي، وقال لي نحن نعلم أن وضعك الصحي صعب جدًا، ومستعدون لعلاجك، وسنجلب لك أمهر الأطباء، مقابل أن تتعاون معنا في بعض المعلومات عن معارفك وجيرانك”.
وخلال المقابلة، رفض أحمد ابتزاز الضابط، وقال له إنه مريض ولا يستطيع أن يفعل ما يطلبه منه، فحاول ضابط المخابرات إغراء الفتى بالإشادة به وبذكائه، وأنه سيكون في أفضل حال.
وكان رد أحمد النهائي: “إذا بدكم (أردتم) تساوموني على العلاج، فعلاجي ليس على نفقتكم ومعي تغطية مالية من السلطة الفلسطينية، وأنا أفضل الموت على أن أوافق على طلبكم”، فرد عليه ضابط المخابرات: “ارجع إلى غزة وخلي أطباؤها يعالجوك”.
وتمارس مخابرات الاحتلال الابتزاز لمرضى وسكان القطاع الذين يرغبون بالسفر عبر حاجز بيت حانون الإسرائيلي، وتقصد مئات الحالات بعد رفضها الابتزاز، مراكز حقوق الإنسان ومنظمة الصحة العالمية من أجل التدخل لدى الاحتلال للسماح بسفرهم.
وحتى نهاية 2016، رصدت مراكز حقوق الإنسان وفاة حالتين من المرضى بسبب منع سلطات الاحتلال لهم من الخروج للعلاج، كما تم توثيق انتهاك حقوق 133 مريضًا خلال ذلك العام، حسبما أورد مركز “الميزان” لحقوق الإنسان.
ابتزاز الأم
بعد رفض سفر أحمد عقب المقابلة، راجعت العائلة الشئون المدنية مرة أخرى، لإخراج ابنها للعلاج، لأن موعد عمليته في 8 ديسمبر، وكانت حالته تزداد سوءًا، فدقات قلبه تسارعت، والسوائل تجمعت حول قلبه ورئته وكبده، حتى وصلت لقدميه.
وبعدما فات موعد العملية دون السماح له بالسفر، حدد مستشفى “تل هشمومير” موعدًا جديدًا للعملية في 20 ديسمبر، وكان من المفترض أن ترافقه والدته في الخروج كالعادة، وهنا تفاجأت العائلة أن المخابرات الإسرائيلية تطلب مقابلة الأم.
وتقول الأم أمل لوكالة “صفا”: “وافقت على المقابلة آملة أن يخرج ابني قبل فوات الأوان، لكنني تفاجأت أنهم يعرضون عليّ التعاون معهم، فرفضت”.
وخلال المقابلة تعرضت والدة أحمد (40 عامًا)، لعملية تفتيش دقيقة، وتم تجريدها من ملابسها ووضعها في غرفة محاطة بالشِباك، وبعد انتهاء المقابلة، أعطى الضابط الأم بطاقة الهوية وقال لها: “لا خروج لكم.. عودي لغزة”.
عادت الأم وابنها لغزة وبدأت صحة أحمد بالتدهور حتى وصلت إلى مرحلة الخطر، حتى اضطر أطباء غزة لإعطائه حقنًا لتخفيف السوائل التي تكونت حول أعضاء جسده الداخلية.
وحاولت جهات دولية، منها منظمة الصحة العالمية، التدخل لدى سلطات الاحتلال لإخراج أحمد، إلا أنها لم تكلل بالنجاح، وفق العائلة.
مات أحمد
في 14 يناير الجاري مات أحمد على فراشه، نتيجة تدهور صحته، دون أن يحصل على شهادة الثانوية العامة التي كان يحلم بها، كما كتب في آخر أيامه على صفحته عبر “فيسبوك”.
غادر المعزون بأحمد، واختلت الأم في غرفة ابنها وهي تردد باكية: “نال أحمد شهادة أعلى من التوجيهي، الله يرحمك يا حبيبي”.
وتقول، وقد احترقت عينيها من الدموع: “نام بحضني قبل يومين من رحيله، وكان يشعر بقرب الأجل، لكنه كان يقول لي: “ادعيلي يا أمي أعيش 6 أشهر حتى أنجح بتوجيهي”.
ورغم مرضه، إلا أن أحمد كان مميزًا في دراسته، ونال شهادات تقدير لتفوقه في الفصل الدراسي الأول في التوجيهي، بالإضافة لنيله عدة شهادات تقدير في حفظ أجزاء من القرآن.
وكان حلم أحمد أن يكون طبيبًا لمرضه، وتقول أمه باكية: “كان الموت حوله، لكنه كان يحلم بدراسة طب القلب، ودائمًا كان يقول لي: أتمنى يا أمي أن أرى قلبي من الداخل، وأنزع المياه التي تتعبني، وأعالج كل مريض قلب”.
لكن الموت كان أسرع لأحمد من حلمه وعلاجه، لأن الاحتلال أصرّ على قتله ومعاقبته لـ “رفضه أن يكون عميلًا يبيع وطنه”.
وتعد حالة أحمد واحدة من قصص كثيرة مماثلة، حاول فيها الشاباك ابتزاز المرضى وذويهم بالسماح لهم بالسفر من غزة المحاصرة مقابل التخابر معه.