أساس انعقاد جلسات المحاكم …تبليغات لا تصل

مدار نيوز :آيات عبد الله : يدخل إلى مكتب مدير قسم التبليغات في محكمة بداية وصلح “نابلس” أحد المحامين، يحاول أن يجد حلاً لتبليغ شاهدة في قضية موكلة إليه، فمنذ سنة تقريباً يطلب استدعاءها، ولم ينجح في ذلك، في كل مرة تخبر والدتها مُحضر المحكمة أن إبنتها انتقلت للسكن في قرية أخرى، ولم يجد أحد أي عنوان جديد لها.
كان من الواضح أن والدة الشاهدة تعلم بالاجراءات الرسمية للتبليغات، فعلى المتبلغ الذي يستلم البلاغ عوضاً عن الشخص المطلوب، أن يشاركه في السكن، وحتى لو كان يسكن في نفس البناية في طابق آخر لا يحسب التبليغ صحيحاً.
حاولنا الحصول على معلومات حول ما يجري في هذه القضية وفي موضوع التبليغات بشكل عام، إلا أن المدير رفض التعامل معنا إلا بكتاب رسمي من مجلس القضاء الأعلى.
يشكل تبليغ الشهود والمشتكى عليهم أساس انعقاد جلسة المحكمة، ليدلي كلا منهم ببينته، فإذا لم يصل التبيلغ بالشكل القانوني تؤجل جلسة المحكمة إلى ما يزيد عن شهر.
يقول المحامي، محمد سقف الحيط، إن عدم تسليم التبليغات إلى المعنيين بها تعد مشكلة داخل المحاكم الفلسطينية، وهي أحد الأسباب الرئيسة التي تزيد من عمر الدعوى.
وأشار سقف الحيط إلى أن أحد العوامل الذي يعيق وصول التبليغات هو ضعف الكوادر البشرية في دائرة التبليغات، وأن التحصيل العلمي للمُحضرين – في الغالب – دون الثانوية العامة، ولا يدركون الأثر القانوني المترتب على ما يكتبون من وصف لظروف تسليم التبليغ، فإذا لم يستوفِ مستلم التبليغ الشروط القانونية يصبح التبليغ باطلاً وتتأجل على إثره الدعوى، أو إذا لم يسجل وقت التبليغ بشكل دقيق يصبح أيضاً باطلاً.
سقف الحيط لم يلق اللوم على المُحضر وحده، ففي منشور على صفحته في موقع “فيسبوك” كتب قبل شهر تقريباً: “معاً .. من أجل سحب سيّارات الوزراء ومنحها لمبلّغي المحاكم”، تعبيراً لما يعانيه المُحضرين من صعوبة التنقل، والإجراءات الإدارية المملة في صرف المواصلات، إضافة إلى كم التبليغات الكبير الموكلة إلى كل مُحضر.
أحد المُحضرين رفض الكشف عن إسمه يقول: “منذ سنوات كان مطلوب مني إيصال 350-400 تبليغ شهرياً، الآن أنا أعمل على تسليم 700-800 تبليغ، وما زال عدد المُحضرين في الدائرة كما هو”.
وأضاف: “أظن أن سبب زيادة التبليغات هو الشيكات المصرفية الراجعة، فمثلاً حين يملك شخص محتال دفتر شيكات بدون رصيد، أضطر إلى تبليغه مع كل شيك راجع على جلسة الدعوى، ثم على جلسة الاقتدار ومن ثم جلسة الموافقة على تقسيط المبلغ”.
يحاسب المُحضرون على تكلفة المواصلات كما كانت في عام 2006، ولم يتم تعديلها رغم أنها اختلفت في بعض القرى، إضافة إلى أن تكلفة المواصلات داخل البلدات الكبيرة غير محسوبة، فإذا طلب من المحضر تسليم تبليغ في أول البلدة فعليه السير حتى نهايتها لتسليم تبليغ آخر.
أصبح المُحضرون معروفون لدى سكان المنطقة التي يعملون بها، فيتهرب السكان منهم قدر الإمكان، بعدم فتح الباب لهم مثلاً، ورغم أنهم يسجلون ملاحظاتهم حول ظروف تسليم التبليغ، إلا أنه لا يوجد مادة في القانون تعالج ذلك.
ويضيف المُحضر الذي يعمل في إحدى المحاكم عن تسليمه للتبليغات: “صرنا نقول للشخص لديك بريد، ولا نقول لديك تبليغ من المحكمة”.
وتابع: “هناك شخص سلمته التبليغ 11 مره وبيده شخصياً، وفي كل مرة يقول لي بأنه لن يحضر الجلسة، وأدون كلامه لكن دون فائدة، ويعاد تبليغه من جديد، وأنا كمحضر أصاب باليأس”.
المادة القانونية تفيد بمنع تسليم التبليغ إلا إلى قريب من الدرجة الأولى ويسكن مع الشخص المعني في نفس البيت، فهل من المعقول أن أخوة يسكنون بناية واحدة ولا أحد منهم يرى الآخر!
ويؤكد: “إذا كان الشخص مدرك لهذا القانون لا أستطيع مجادلته، لكن إذا لم يكن كذلك فأنا أسلمه التبليغ، وأنا اضطر لذلك حتى أنجز عملي، إذا بدي أشتغل على القانون، بدخل عالبلد معي 50 تبليغ، ما بسلم منهم غير 5”.
يرى المحامي، ضياء حمو، أن عدم التزام الشهود بالحضور له رادع في القانون وهو فرض غرامة مالية عليهم، ومن ثم إرسال مذكرة احضار له من خلال الشرطة، لكن في حال صدور هذه المذكرة يمكن أن لا تنفذ، أو أن يتم التغاضي عنها لأمر معين، فهذا يتعلق بقصور في الضابطة العدلية، وأفرادها وأجهزتها.
أما اجراءات التبليغ فليس فيها رادع بالشكل الصحيح، وهي عبارة عن لفت نظر للمُحضر بضرورة إجراء التبليغ مرة أخرى، وإذا بلغ الأمر حده يتم مخاطبة رئيس المحكمة.
ويشير حمو: “ولو افترضنا أن الناس ترفض استلام التبليغات فالمُحضر عنده صلاحيات في ذلك باعتباره متبلغ بالذات، ورفض الاستلام ليس عذراً للمبلغ أن يقول أن الناس لا تتعاون، فالقانون عالج هذا الموضوع، وكثيراً ما نواجه تبليغات، رغم تأكدي بأنه يوجد أحد بالداخل، ورغم الإصرار على فتح الباب لكن لم يكن هناك جواب”، وهذا لم يعالج بالقانون، ما عولج بالقانون هو رفض التوقيع على التبليغ بواسطة أحد الأقارب”.
لا يمكن إلقاء اللوم في مشكلة التبلغات على طرف دون آخر، فعلى المُحضر مسؤولية وعلى القانون ومتابعته مسؤولية أخرى، وعلى الناس والمحاميين مسؤولية أيضاً قد لا تكون واضحة وصريحة، إلا أنها مسؤولية أخلاقية تلزمهم بالصدق وعدم التحايل للوصول إلى غاياتهم.
رابط قصير:
https://madar.news/?p=28922