أكثر من مئة طفل من نابلس يعملون في المستوطنات لتأمين قوتهم
في آخر الزقاق، يقفُ الفتى منتصر (16 عاما) بجوار عربة خشبية، يرتدي ملابساً رثّه، يعرض بضاعته على المارة ويحثهم على شرائها ليؤمن قوت يومه، وعلى مسافة امتار منه، تشاهد الفتى أسيد (15 عاما) يمسحُ بأكمام قميصه الاسود العرق المتصبب على جبينه من شدة التعب.
منتصر، يبلغُ من العمرِ ستة عشر عاماً، يقطنُ في مدينةِ نابلس، يبيعُ السكاكر والحلويات على عربته، وقد خرجَ من المدرسةِ قبل عامين؛ ليؤمن لقمة عيش أسرته.
أما أًسيد الذي حاول التهرب من الحديث، فيقول: “أنا من مدينة نابلس، عمري ستة عشر عاما. وبعد انتهاء الدوام في المدرسة، أضع حقيبتي وأبدل ملابسي فورا؛ لكي لا أتأخر على صاحب العمل”.
ويتابع اسيد: “بدأت العمل منذ حوالي أسبوعين، أقوم ببيع الأحذية للمارة؛ لتحصيل مصروفي اليومي، وبعد انتهاء دوامي أعود إلى البيت؛ لأحضر دروسي”.
ومن الحالات الاخرى للاطفال والفتية الذين يعملون في شوارع مدينة نابلس، الفتى مصطفى، الذي يقول: “تركت المدرسة وأنا في الصف الثامن، لأبيع الفواكه على عربتي الخاصة؛ لاساعد عائلتي، فبعد إصابة والدي بمرض السكري، وتدهور صحته، أصبح غير قادر على العمل”.
أما الطفل (أ) الذي رفض وبشدة ذكر أسمه في التقرير، فيقول: “أنا من مخيم عسكر، تركت المدرسة وأنا في الصف العاشر، مللت من المدرسة والتعليم، فكنت أختلق المشاكل في المدرسة، ثم قررت أن أتركها؛ وتوجهت الى مدينة نابلس كي ابيع الملابس للمارة، لأحصل على مصروفي، وتحقيق امنيتي بشراء سيارة”.
تجدر الاشارة الى ان العالم يحتفل في العشرين من تشرين ثاني كل عام بيوم الطفل العالمي، وذلك بتوصية من الامم المتحدة، وتنص مبادؤه على ضرورة عدم التمييز بأي شكل كان، والتعاون وتضافر جميع الجهود من أجل إيجاد المصلحة الفضلى للأطفال حول العالم، اضافة الى ضمان حق الطفل في الحياة كجميع أقرانه حول العالم، وضمان حقه في البقاء والحياة والنماء، وحقه في احترام الرأي.
لكن هؤلاء الاطفال الذين يبحثون عن لقمة العيش هنا في اسواق نابلس، لا يعرفون شيئا عن هذا اليوم ولا عن حقوقهم، وكل ما يسعون له هو تأمين لقمة عيش لاسرهم.
يقول رئيس قسم علم النفس في جامعة النجاح الوطنية، الدكتور فاخر الخليلي: إن “الأطفال والمراهقين هم شريحة مهمة في المجتمع، ومن الخصائص التي يجب ان يتميز بها الاطفال هو ممارسة حقهم في اللعب، وهو حق مقدس. وبسبب عدم الوعي والجهل؛ يقوم الأهالي والمربون بدفع أبنائهم إلى سوق العمل على حساب الدراسة والتعلم واللعب”.
“اللعب بحد ذاته ليس فقط تسلية؛ بل يعني النمو المعرفي والنفسي والاجتماعي، فعمالة الأطفال جاءت تحت شعارات عدة، لطبيعة المستوى المادي للأسرة، والمستوى الاقتصادي العام” اضاف الدكتور الخليلي.
وتابع قائلا: “عند زج الأطفال الذين تقل أعمارهم عن ستة عشر عاما، حينها يكتسبون سلوكيات غير مناسبة لاعمارهم، فالمراهقة سن حرج، ومن حق الطفل أن يكتشف ذاته وهويته الشخصية، فلا بد أن يجرب ويزج في مكان العمل، لكن ليس على حساب إعدام خياراته وحقوقه”.
ويختم الخليلي حديثه: “للأسف بعض الثقافات السيئة الدارجة في مجتمعنا، هي أن يقوم الأهل بتشجيع الطفل على ترك المدرسة بذريعة أن التعليم والدراسة لا قيمة لها في المجتمع، يشجعونه على الذهاب إلى المستوطنات؛ لتأمين حاجاته وتكاليف الزواج في عمر مبكر، فالقيمة الإنسانية والكرامة فقدت” .
بدوره، قال مسؤول العلاقات العامة في محافظة نابلس، زياد عثمان، إنه “ومن اجل الحد من عمالة الأطفال لجأت المحافظة قبل سنوات إلى إنشاء مبادرة هي الأولى من نوعها، أطلق عليها أسم (اللجنة الوطنية للحد من عمالة الأطفال) التي تضم كل من المؤسسات الأهلية والرسمية والحكومية، والشرطة، أيضا بما فيها وزارت الشؤون الاجتماعية، والتربية والتعليم، والاعلام، والمؤسسات النسوية التي تعنى بالمرأة والطفل”.
واضاف: “قمنا بإجراءات عدة، كجولات ميدانية تفقدية، وندوات إرشادية توعية للأهل والطفل، أيضا قمنا بفتح ملف عمل الأطفال في مستوطنات جنوب نابلس، وكذلك ملف عمل الأطفال في الحسبة، كحسبة بيتا”.
وأردف عثمان: “يوجد أكثر من مائة طفل أعمارهم تقل عن الخمسة عشر عاما يعملون في مستوطنات جنوب نابلس، حيث قمنا بتكثيف نشاطاتنا ومبادراتنا للحد من هذا الملف، وتمكنا بنجاح من إعادة عدد من الأطفال إلى مدارسهم.
“القدس” دوت كوم- أسماء قلالوة
رابط قصير:
https://madar.news/?p=17468