الانتخابات المحلية بين الفصائل والعشائر ونشطاء المجتمع

جبريل محمد
مخطيء من يعتقد ان الانتخابات المحلية في فلسطين هي محض خدمية تنتفي فيها السياسة، تماما كما العمل النقابي، ومخطيء ايضا من يعتقد انها ميدان لصراع الفصائل السياسية وحساب المكتسبات في الشارع، كما يخطيء من لا زال يرى في مثل هذه الانتخابات ساحة لتنافس العائلات والعشائر، وفوق كل هذا مخطيء اكبر الخطأ من يركب الموجة العشائرية ليحقق هدفا سياسيا او العكس في هذه الانتخابات.
تحت الاحتلال شكلت الانتخابات البلدية ميدانا للصراع مع الاحتلال واثبتت تجربة الانتخابات التي جرت عام 1976 كم تجاوز شعبنا العائلية والحسابات الشخصية ومحض الكتل الوطنية المشكلة آنذاك ثقته، لتكون نتائج الانتخابات في المدن الرئيسية ضربة لما خطط له الاحتلال من تحويل البلديات الى جسر لتمرير الحكم الذاتي الذي طرحه في ذلك الوقت الثعلب شمعون بيرس، حتى اذا ما فشل في ذلك وبعدها في انتخابات الكنيست جاء بيغن ووزير حربه شارون ليخلقوا روابط القرى والتي افشلها شعبنا ودفع في معركة اسقاط مشروع روابط القرى شهداء وجرحى واسرى حتى قضت الانتفاضة كليا على هذا المشروع العميل.
وها نحن اليوم على ابواب دورة ثالثة من الانتخابات المحلية الفلسطينية وبعد اكثر من عقدين على عمر السلطة الوطنية، نخوض انتخابات في ظل هذه السلطة ووفق قانون ينظمها، لكن هذا القانون ورغم كل التعديلات عليه لم يرق الى تحويل الانتخابات المحلية الى مرحلة من مراحل خلق القيادات السياسية المحلية التي يمكن ان تتطور الى قيادات وطنية في المستقبل، بل ان هناك ثقافة قديمة تم احياؤها، جعلت من الانتخابات المحلية واحيانا التشريعية، ميدانا لتنافسات العائلات والقرى والمدن ايضا، اي انها بدلا من ان تطور مجتمعا مدنيا قادرا على نقل المجتمع والسياسة الفلسطينية من حالة المحسوبية والانتماءات الارثية الى الحالة التي تقيم فيها الاحزاب خارج التعصب الفصائلي، ويقيم فيها الافراد خارج ما يحملونه من مكانات ارثية بل على انجازاتهم، عادت بالمجتمع الى الوراء حيث انتعشت كل الافكار والمؤسسات التقليدية على حساب الالتفاف حول المشروع الوطني في كل جزئية من حياتنا، وهذا عائد اساسا الى غياب المشروع التغييري الملهم الذي تقوده سلطة او احزاب سياسية لا تؤثر الكسب الذاتي بل تحاول ان تجعل من الحالة الشعبية حالة مشدودة الى هدف عام مجمع عليه.
لذا ونحن على ابواب الانتخابات القادمة، هل يعاقب المجتمع طرفي الانقسام على ما ورثوه من احباط بين اوساط الناس، ام تعاد صياغة حالة الانقسام من جديد من خلال استعادة الاصطفاف ثنائي القطبية في المجتمع السياسي؟ هل يمكن للفصائل السياسية التي لم تتلوث في كارثة الانقسام ان تمتلك الجرأة لتخلق تيارا شعبيا ديموقراطيا وازنا يؤكد معاقبة طرفي الانقسام؟
نعم انها انتخابات محلية ولكن في هذا الظرف بالذات فان كل صوت هنا هو صوت سياسي سيما وان الفصائل كلها بدأت باعداد ماكنتها الانتخابية، كما ان هناك تحركات مجتمعية مستقلة تحاول ان تجد لنفسها مكانا في هذا السباق، وبالتالي فان الانتخابات المحلية ان حصلت هذه المرة وبمشاركة حماس ستكون سياسية بامتياز، وعلينا هنا ان نمنع هذه الانتخابات من استعادة التقاطب الثنائي.
اما انتعاش العشائرية والحمائلية في هذه الانتخابات فليس خطره فقط في العودة الى المجتمع التقليدي الذي من المفترض ان نكون قد غادرناه بفعل انتشار التعليم وتغلغل الحركة الوطنية، بل ان الخطر الاكبر هو في السلوك المتخلف لسياسيين يمتطون صهوة القبلية لضمان نجاحهم بعيدا عن اي مبدأية وببراغماتية مبتذلة، تحول الحزب الى قبيلة.
هنا لا بد من التنويه الى تلك العناصر الواعية والمتنورة وغير الحزبية، والتي يقع عليها ان تنتقل من حالة الفرجة الى حالة الفعل وان تثبت انها مكون فاعل في المجتمع لا كتلة سلبية، هذه العناصر يمكن لها ان تقوم السياسي والعشائري، وان تحاصر كل تلك الشعبوية التي ستنتشر في اوساط الناس، ان دورها يكمن في طرح نفسها لا كبديل سياسي بل كنموذج حضاري ينبذ كل اشكال شعر وخطابات النقائض السياسية والعشائرية.
ان مجتمعنا الان امام امتحان التفافه حول مباديء الاجماع الوطني، وحول ضرورة التقدم للأمام، وبالتالي على العشائر ان تخلي الميدان، وعلى الساسة ان يتكلموا بلغة حضارية فيما على النشطاء المتنورين ان يقدموا نموذجهم ولو لمرة واحدة.