“الحسيدية” اليهودية و “اجتهاداتها الفقهية” ما هي ؟
بقلم الباحث في الشأن الإسرائيلي/ صالح النعامي
لقد وفدت الأغلبية الساحقة من اليهود المتدينين الذين هاجروا إلى أرض فلسطين قبل الإعلان عن “إسرائيل” من أوروبا، وذلك هرباً مما تعرض له اليهود على أيدي النازية عشية وأثناء الحرب العالمية الثانية؛ وكان قسم مهم يمثل المجموعات اليهودية الأرثوذكسية التي رفضت الحركة الصهيونية وناصبتها العداء، على اعتبار أنها “تحدت” الإرادة الإلهية وعملت على تحقيق الخلاص لليهود بالوسائل البشرية. ونظراً لأن هذه الجماعات تتميز بالتشدد في تطبيق التعاليم الدينية وتعمل على الإلتزام الحرفي بالنصوص الدينية، فقد أطلق عليها اليهودية الحريدية، وكلمة “حريد” عبرية تعني “التقي” أو “الخائف من الله”؛ ونظراً لأن جميع المنتمين لهذه المجموعات قد هاجروا من الغرب، فقد أطلق عليها “الحريدية الغربية”.
وتنقسم الحريدية الغربية في إسرائيل إلى قسمين أساسيين، وهما: الحسيدية، والليتائية، وهما تياران يختلفان في بعض الاجتهادات الفقهية، التي يعود تاريخها إلى القرن الثامن عشر، التي تفجرت وسط التجمعات اليهودية في أوروبا الشرقية. وقد أوجدت هذه الخلافات حالة من الصراع بين الفريقين خلال فترة من الزمن امتدت حتى مطلع القرن التاسع عشر، لكنهما سرعان ما وحدا جهودهما في وجه الحركات الإصلاحية والحركة الصهيونية. ولقد طفت الخلافات بين الفريقين مجدداً بعد تأسيس إسرائيل بسبب التضارب في الاجتهادات الفقهية بين مرجعيات الفريقين الدينية، بشكل أثر سلباً على وحدة الحريدية الغربية.
الحسيدية
الحسيدية، أو “حسيدوت” بالعبرية، مصطلح مشتق من كلمة “حسيد” أي “تقي” ؛ وهناك ما يفسرها على أنها تعني “المريد”؛ و”الحسيدوت” هي مذهب صوفي تأثر بـ “الكابلاه”، الفسلفة الصوفية اليهودية التي سيطرت على الحياة اليهودية في أوروبا في القرن السادس عشر. وتحث الحسيدية أتباعها عل البحث عن كل وسيلة للالتحام والالتصاق بالخالق، بل والتوحد معه، أو ما يطلق عليه بالعبرية “دفيكوت”، حتى يصل “المؤمن إلى القوة الروحية الكامنة، وذلك عبر حب الإله والثقة به وهجر الحزن والخوف . ونشأت “الحسيدية” بالأساس رداً على التشدد الذي أبدته المرجعيات الدينية لليهود في أوروبا الشرقية، التي تطرفت في إجبار أتباعها على تخصيص أوقات كثيرة لدراسة العلوم الدينية بالإضافة إلى الحث على تهذيب النفس بالصوم والعبادات، وهو ما دفع الحاخام إسرائيل اليعازر، الذي كان يطلق عليه “إسرائيل بعل شمطوف” إلى رفض هذه الدعوات، حيث أخذ يحث على عدم الزهد والصيام، باعتبار أنها مجلبة للحزن؛ في حين أنه رأى في الخلاص خلاصاً فردياً وأن الخلاص الجماعي لا يمكن أن يتحقق إلا في آخر الزمان .
وترى الحسيدية أن التبحر في علوم الدين يجب أن يقتصر على الحاخامات دون عامة اليهود، كما إنها كانت تقلل من أهمية التعليم الديني. وتُعد “الحسيدية” إطاراً فضفاضاً يضم داخله العديد من الجماعات الحسيدية التي تربط أتباعها بشكل تنظيمي متين، ويقف على رأس كل جماعة حاخام كبير يطلق عليه “أدمور”، وهذا المصطلح يمثل اختصاراً لثلاث كلمات باللغة العبرية: أدونينو (سيدنا)، مورينو (معلمنا)، رابينو (حاخامنا) ويطلق على هذا الحاخام أيضاً “تسديك”، وهي بالعبرية تعني “الصديق”.
وأشهر الجماعات الحسيدية في إسرائيل هي حسيدوت “غور”، التي هاجر أعضاؤها من بولندا، حيث جرت العادة أن يقف ممثل هذه الجماعة على رأس القوى التي تمثل الحسيدية في إسرائيل وثاني أهم هذه الجماعات هي حسيدوت “حباد”، وتعتبر أكثر الجماعات الحسيدية والحريدية تطرفاً في مواقفها من الصراع مع العرب، وهي أحرص الجماعات الحريدية على التعاون مع الحركة الصهيونية. وقد تبنى مؤسس الجماعة الحاخام ميلوفافيتش المواقف الأكثر تطرفاً من الصراع العربي الإسرائيلي، فقد أفتى أثناء حرب العام 1973 بضرورة أن يواصل الجيش الإسرائيلي التقدم حتى يصل للقاهرة، كما أنه اشتهر بفتاويه التي تحث على عدم التنازل ولو عن سنتمتر واحد من الأراضي العربية التي احتلت عام 1967 .
وتلعب حسيدوت ” حباد ” دوراً مهماً في عمليات تهجير اليهود إلى أرض فلسطين والاهتمام بمشاكل اليهود في الشتات، علاوة على قيامها بدور كبير في جمع التبرعات لدفع المشروع الاستيطاني اليهودي في الأراضي العربية التي احتلت عام 1967 .
رابط قصير:
https://madar.news/?p=1440