الطحينة النابلسية.. صناعة تاريخية بدأت قبل نحو 100 عام

في مبنى عتيق داخل بلدة نابلس القديمة كان الاتراك قد استولوا عليه إبان حكمهم وحولوه الى ثكنة عسكرية لضباطهم وجنودهم، ثمة مصنع دأب على انتاج “الطحينة النابلسية” الشهيرة منذ قرابة مائة عام.
انه مصنع طحينة العالول الذي تعود نشأته الى حوالي عام 1918 بعد نهاية الحرب العالمية الأولى، حيث سجلت رسميا في السجلات التجارية كشركة تضامنية، بين الأخوة الأثنين في ذلك الوقت عمر ورشدي العالول، وهي من الشركات الرائدة في مجال صناعة الطحينية والحلاوة والقزحة، والصابون النابلسي الشهير قديماً.
يقول المدير العام للشركة راغب حلمي عالول: “نحن توارثنا هذه المهنة عن أجدادنا وأبائنا. في البداية كانت الشركة تقسم لقسمين، الأول يتركز عمله في صناعة الصابون النابلسي، والثاني يصنع الطحينية، ومع منتصف التسعينات توقفنا عن صناعة الصابون، بالرغم من تميز الصابون النابلسي، حيث كنا ننتج نوعين منه، هما الصابون الأبيض والصابون الأخضر الذي يدخل في صناعته زيت الجفت المستخرج من عجمة حبة الزيتون، وبقينا منذ ذلك نعمل فقط في صناعة الطحينة والحلاوة والقزحة”.
الطحينية قديماً
يتحدث العالول عن البدايات ويستحضر مشاهد العراقة والصناعة اليدوية: “كانت عملية صناعة الطحينية قديماً تتم بالطريقة اليدوية، حيث كنا ننقع السمسم الذي يعد المادة الرئيسة والوحيدة لإنتاج الطحينية، وبعد النقع لمدة ساعتين يتم ضرب السمسم بواسطة قطعة خشبية، لفصل الحبة عن القشرة، وبعد ذلك يخرج سمسم رطب، ومن ثم يُنقل الى ماكينة التقشير”.
يُكمل العالول وصف آلية انتاج الطحينية قديماً، موضحاً أن ماكينة التقشير هي عبارة عن وعاء كبير يوجد في داخله قضيب من “الستانلس ستيل” يدور بسرعة كبيرة، بعد وضع السمسم داخله يعمل على فركه ببعضه وكأن شخص يفركه بيده، وهذه العملية تفصل القشرة عن الحبة تماماً، لكن مع وجودهما معاً.
ومن ماكينة التقشير إلى فصل حب السمسم عن قشره، حيث يقول العالول: “تتم عملية الفصل بينهما بطريقة فيزيائية، حيث يتم وضع السمسم وقشره في الماء المالح، لأن القشرة تمتص الماء المالح، وبعدها تغرق في قاع الوعاء المائي، والحبة تطفو على سطح الماء، ثم نشرع بواسطة غرابيل يدوية في فرز السمسم من الماء، ليوضع في حوض اخر لغسل آثار الملوحة منه، وبعد غسيل السمسم الصافي يتم وضعه في وعاء كبير لتجفيفه، وامتصاص الماء منه، فيخرج بعد ذلك سمسم جاف بلا قشر، ولكن فيه شيئ من الرطوبة”.
“في المحمص القديم المكّون من وعاء كبير يسخن السمسم بواسطة البخار، حيث يتمدد البخار بين طبقتين من الحديد، وبعد ذلك بواسطة سيف المحمص يتم تحريك السمسم، وبعد جفافه، يُنقل الى محمص آخر بنفس العملية، ولكن بغرض التحميص ثم يتم اخراجه من المحمص، وفرشه على فروش كبيرة لغرض التبريد، تمهيداً للعملية الأخيرة وهي الطحن”، وفق العالول.
ويشير العالول إلى أن طحن السمسم عند سخونته يؤدي لانتاج طحينية خشنة، وفي الماضي كان طحن السمسم يتم بحجارة كبيرة دائرية تجرها الدواب، أما اليوم فتم تركيب محرك كهربائي ويد آلية لنفس الحجر، ويُنتج نحو ثماني تنكات طحينة يومياً.
محطة فارقة
في الثمانينات وصل مصنع العالول إلى محطةٍ فارقة وجديدة، تتمثل باستيراد ماكينة المانية خاصة لطحن السمسم على مرحلتين، الاولى: يُطحن السمسم فيصبح كالعجينة، والثانية تسحبه مضخة على منطقة يوجد فيها حجارة صغيرة وتدور بشكل سريع جدا، وعندما تُخلط العجينة مع الحجارة تطحن الأخيرة العجينة وتعصرها لتنتج الطحينية التي تكون صالحة للإستعمال المنزلي.
ينتقل الحاج العالول للحديث عن فوائد واستخدامات الطحينة مشيرا الى إن كل الوجبات الصباحية لا تكاد تخلو من الطحينية، وأبرزها الحمص الذي أصبح وجبة عالمية، ثم السلطات والتوابل، وتستخدم أيضا مع السمك والكفتة بالطحينة وغيرها من الاستخدامات المنزلية”.
ويوضح العالول أن الاستخدام الرئيسي للطحينية في “الحلاوة بالطحينية”، حيث هي بالأصل طحينية مخلوطة مع عرق الحلاوة، والعرق عبارة عن جذور يتم طحنه، ومن ثم سلقه وبعد ذلك تخرج منه الشوربة ليتم خلطها بالقطر، لانتاج الحلاوة بالطحينة، وفي النهاية توضع في علب حسب التسويق والطلب.
يتحدث العالول عن المكسرات التي يتم ادخالها لقوالب الحلاوة الجاهزة:” في القدم كانوا يضعون عليها الجوز، ولكن يختلف طعم الحلاوة والمكسرات بفعل الرطوبة، أما اليوم يضعون عليها المكسرات بأنواعها كافة، لكن نحن في مصنع العالول لا نضع عليها اي شيء إلا بناء على طلب الزبون، فأحيانا يجلب الزبائن لنا الزبيب والمكسرات لنضعها على الحلاوة”.
ويرى العالول أن الحركة التجارية للحلاوة والطحينية تزداد فاعلية في شهر رمضان لكثرة استخدامها، وايضا في فترة موسم الصيف، مضيفاً: “نحن نعتمد على الأسواق المحلية بشكل أساسي، ثم الأسواق الخارجية بشكل ثانوي، ونُصدّر كميات من الطحينية والحلاوة والقزحة بين فترة وأخرى للسعودية والامارات، وعدد من الدول الأوروبية مثل فرنسا، حيث نتعامل مع شركة ترسل لنا الملصق الخاص بهم، ونحن مهمتنا تعبئتها من القزحة أو الحلاوة أو الطحينية حسب الطلب”.
شارك العلول بصناعته الرائدة مع إتحاد الصناعات الغذائية في سلسلةٍ من المهرجانات، ويوم الغذاء الفلسطيني، وشارك أيضا في مهرجان التسوق الوطني الذي أقيم في جامعة النجاح الوطنية بنابلس، أما على الصعيد الخارجي فقد وضع العالول بصمته في مهرجان رمضان والعيد في أبو ظبي.
أبرز التحديات والمُعيقات التي اعترضت عمل مصنع العالول يتمثل بالتدمير الجزئي بفعل الاحتلال أثناء الاجتياح الاسرائيلي لمدينة نابلس إبان الانتفاضة الثانية، حيث تعرض مبنى المصنع للقصف، والجرافات أتلفت كميات من الطحينية والحلاوة والقزحة.
“القدس” دوت كوم- عمر بكر
رابط قصير:
https://madar.news/?p=14039