الشريط الأخباري

القدس … الأدب والنبوءة .. الكاتب عادل الاسطة

مدار نيوز، نشر بـ 2017/07/28 الساعة 1:13 مساءً

مدار نيوز – تنوير : لا أدري إن كان قراء سميح القاسم يتذكرون قصيدته “ضوء جديد للقصر العتيق”، وآمل ألاّ تخونني ذاكرة العناوين، ولو لم يتخل الشاعر عنها، لعدت إلى أعماله الكاملة لأتأكد من عنوانها، ولكن ماذا أفعل وقد أهديت ديوان الحماسة بأجزائه الثلاثة إلى مكتبة جامعة النجاح الوطنية من ناحية، وغدوت كسولاً من ناحية ثانية؟

حرّض سميح القاسم، يوم كان شيوعياً، الفقراء، وطالبهم بأن يثوروا على واقعهم البائس، وكان مؤمناً أن الدولاب الأكبر، دولاب الإمبريالية على ما أعتقد، سينفتل.

كانت أشعار الشاعر، كما يقول عنوان قصيدته، تلقي الضوء الجديد على القصر العتيق. وكان ماركسياً، والماركسية على رأي مظفر النواب، أم العرافة، كما كتب في قصيدته التي أهداها إلى الضابط الشهيد ابن مصر العربية “لقد قبضوا كلهم/ وأحطهم من يدافع عن قبضة المال/ مدعياً أنها الماركسية أم العرافة”.

قصيدة سميح القاسم تلك هي التي جعلتني، في بداياتي النقدية، أكتب مقالة عنوانها “مرحلة النبوءة في الحماسة”، وقد أدرجها الشاعر في أعماله الكاملة (مجلد 7/ في دائرة النقد)، وفي مقالتي، في حينه، كنت متأثراً بما كان شائعاً في حينه في الساحة النقدية العربية، وبالنقد اليساري وغير اليساري، وربما ترك كتاب صلاح عبد الصبور الشاعر المصري “حياتي في الشعر” أثره فيّ، وذلك حين ربط بين الفيلسوف والنبي والشاعر، وذهب إلى أن مهمة الثلاثة هي إصلاح العالم.

محمود درويش الذي كتب في مراحله المبكرة: “نحن أدرى بالشياطين التي تجعل من طفل نبياً” عاد في جداريته (2000) ليكتب: “لست النبي لأدعي وحيا/ وأعلن أن هاويتي صعود” متخلياً عن فكرة الربط بين الشاعر والنبي. لقد أدرك أنه لا يملك بمفاتيح هذا الكون، كأنه سارد عليم إله، أو شاعر عليم إله، إذا استعرنا من الرواية ونقدها مصطلح السارد الإله. ولقد أعلن أنه ليس نبياً ليعلن أن هاويته صعود. هل تذكرون مقطعه الشهير بعد هزيمة حزيران 1967؟

خسرت حلماً جميلاً/ خسرت لسع الزنابق 

وكان ليلي طويلاً/ على سياج الحدائق

وما خسرت السبيلا

يومها لم ير في هاوية حزيران هاوية، فلم يخسر السبيل رغم خسارة الحلم. هل اختلف عنه توفيق زياد الذي كتب: “خطوة هذه/ وكم يحدث أن يكبو الهمام/ إنها للخلف خطوة/ من أجل عشر للأمام كان الشعراء الماركسيون في حينه “وعّاظاً ودعائيين وأنبياء المستقبل” والأوصاف السابقة هي لـ (رينيه ويليك) و(أوستن وارين) صاحبي كتاب “نظرية الأدب”.

إنهم يملكون منظوراً مستقبلياً للعالم. هل الشعراء أصحاب النبوءة هؤلاء أصحاب نبوءة حقاً أم أن الواقع قال عكس ما يقولون؟

حذف سميح القاسم قصيدته من أعماله الكاملة، واختلفت أشعاره في آخر سنواته عن أشعاره التي كتبها وهو ماركسي، وقال درويش إنه ليس النبي ليدعي وحياً، فهل كان مظفر النواب مثلهما؟

“هذي الأمة لا بد لها أن تأخذ درساً في التخريب” هكذا قال مظفر في إحدى قصائده، فهل ما يحدث، الآن، في العالم العربي إلاّ تحقيق لهذا السطر. ها هي الأمة العربية تأخذ، حقاً، درساً في التخريب، وها هو الخراب يحل بالأمة “سيكون خراباً، سيكون خراباً، هذي الأمة لا بد لها أن تأخذ درساً في التخريب” وما زال صوت مظفر يرن، بحزنه، في أذني، وغالباً ما أتساءل، وأنا أتابع نشرات الأخبار، إن كان مظفر صاحب نبوءة.

ربما الآن، نتذكر أشعار مظفر عن القدس وفيها، وربما يكرر بعضنا: القدس عروس عروبتكم. بل ولطالما كررنا السطر، وهو سطر قال بعض الشعراء أبياتاً تشبهه في فترة احتلال القدس أيام الحروب الصليبية “تسعون عاماً والقدس تصرخ” ولكن كان الحكام صمّاً وعمياناً.

في العام 1979 أصدر القاص أكرم هنية مجموعته القصصية “السفينة الأخيرة.. الميناء الأخير” وكان من ضمنها قصة “بعد الحصار.. قبل الشمس بقليل”، فهل كان القاص يتنبأ بما يجري الآن؟

كان هنية يوم كتب قصته رئيساً لتحرير جريدة الشعب، وكان يذهب إلى القدس يومياً، وستكون هذه محور بعض قصصه في مجموعاته اللاحقة، وقد كان ينظر، فيما حوله، ويرى القدس تحاط بالمستوطنات، بل ويراها تحفل بالإسرائيليين، حتى أن المرء ليشعر وهو يتجول فيها بأنه سيكون، ذات يوم، غريباً فيها، لا قريباً منها كأنها مدينته. وهو عموماً ما أوحى إليّ في العام 1986 لكتابة قصة قصيرة عنوانها “تلك القدس.. ذلك السبت”، حيث زرتها يوم سبت وشعرت أنها ليست المدينة التي أعرف. وسيكتب تميم البرغوثي في العقد الأول من القرن الحالي قصيدته الشهيرة عن القدس، القصيدة التي يصغي المرء إليها في هذه الأيام في الحافلات العمومية.

في قصته “بعد الحصار… قبل الشمس بقليل” يتنبأ هنية بما يؤول إليه الأقصى الآن. هل كانت نبوءته إلاّ اعتماداً على ما يشاهده؟ صحيح أن فكرة القصة تشبه فكرة قصة ليوسف إدريس، فالأخير، كما سمعت، كتب قصة ملخصها أن أهل القاهرة أفاقوا من نومهم، ذات صباح، ولم يجدوا الأهرامات. الأهرامات اختفت. وأهل القدس يصحون ذات صباح فيلاحظون أن الصخرة انسرقت. وكانت المستوطنات في تلك الفترة بدأت تحيط بالمدينة، ولم يكن شراء المنازل في البلدة القديمة قد بدأ يستشري. وهذا ما حدث لاحقاً، وأتى عليه بعض كتابنا مثل أحمد رفيق عوض في روايته “مقامات العشاق والتجار” (1996).

يصحو أهل القدس ويذهبون إلى أعمالهم ويمارسون طقوسهم وشعائرهم، ويلاحظون أن مسجد الصخرة قد اختفى من مكانه. آمنة وأبو فؤاد وأبو مازن وسليمان الخباز أصيبوا بالصدمة، ومثلهم أهل المدينة الذين تعالت أصواتهم:

” ـ ربما يريدون إقامة مستوطنة جديدة مكانه. ـ أو بناء حي جديد. ـ ربما وجدوا مخربين فيه فأخذوه بمن فيه ـ ربما اختطفته طائرات عربية ونقلته إلى إحدى العواصم لتخليص العرب من الشعور بالحاجة لتحرير القدس والمقدسات … … … هل سيغيرون اسم القدس؟ أين سيحتفلون بالإسراء والمعراج؟”.

والناس بعضهم، الآن، يتساءلون أيضاً: ماذا سيفعل العرب؟ (والعرب في حال لا تسر أحداً، وهم في حروبهم الداخلية ماضون).

هل الأدب الفلسطيني وحده من تنبّأ بهذا؟ وهل خلا الأدب الصهيوني من نبوءة أيضاً؟

في العام 1902 أصدر (ثيودور هرتسل) روايته “أرض قديمة ـ جديدة”، وفيها يتخيل فلسطين بعد عشرين عاماً من سيطرة الحركة الصهيونية عليها. وسيكون للقدس نصيب من المخيلة، وسيكون أيضاً للهيكل نصيب آخر. ما تخيله (هرتسل) تنفذه إسرائيل الآن، ومن قبل، ولكن خياله كان ناقصاً وعاجزاً في نواحٍ أخرى. لقد تنبّأ بأن يرحب العرب من سكان البلاد بالحركة الصهيونية ومشروعها، ولم يكتب عن النزاعات والحروب التي سببها مشروعه الحضاري الذي دمر شعباً كاملاً. هل خلت رواية (هرتسل) من الإتيان على بناء الهيكل؟

في قصيدته “لاعب النرد” يكتب درويش “والوحي حظ المهارة إذ تجتهد”، ولكن كما كتب كنفاني في روايته “إن خطأ + خطأ لا يساويان صحاً”.

رابط قصير:
https://madar.news/?p=49618

تعليقات

آخر الأخبار