المقامات والمزارات في نابلس موروث تاريخي يصارع البقاء
في حارة الحبلة، احدى حارات بلدة نابلس القديمة، ثمة غرفة عتيقة، تتوسط عددا من البيوت السكنية، وهي كل ما تبقى من “مقام الشيخ مسلَّم” الذي يحوي ضريح الشيخ مسلَّم الصمادي، وهو الجد الأكبر لعائلة الصمادي العريقة التي وجدت في المدينة منذ اكثر من 600 سنة.
وقد تعرض مقام الشيخ مسلم للاهمال، وبدا واضحا أن محيطه يستخدم كمخزن او مستودع للخردة، وقد اصبح شبه مهجور، وهو مغلق ولا يفتح إلا في المناسبات الدينية السنوية، كذكرى المولد النبوي والهجرة النبوية، نظرا لاندثار ظاهرة التبرك بالأضرحة والمقامات.
وفي نفس الحارة (الحبلة) وتحديدا قرب جامع الانبياء، تقع (زاوية بشر الحافي) وهي عبارة عن غرفة واسعة، فيها ضريح ينسب إلى بشر بن الحارث بن عبد الرحمن بن عطاء أبو نصر، المعروف ببشر الحافي، المولود في قرية مرو سنة 150هـ/767م وهو احد الأولياء الصالحين.
عشرات المقامات والزوايا الاخرى تزخر بها نابلس التي عاش فيها انبياء واولياء وقادة واصحاب علم، فهناك ايضا الزاوية الدرويشية في حي القريون، بينما تقع في الجبل الشمالي مقامات مجير الدين، وعماد الدين، ونور الدين، وهي مقامات كان الاهالي يوفون النذور فيها، ويحيون فيها ايضا المناسبات الدينية.
وكان شأن هذه المقامات في السابق، شأن المساجد والجوامع مفتوحة للجميع وتقدم خدمات جليلة في حفظ اللغة العربية والثقافة الإسلامية في فلسطين، فضلًا عن أنها كانت مركز للحياة الاجتماعية والسياسية، ومدارس دينية وتربوية؛ وفيها يحكم الأمير ويحفظ بيت المال ويستقبل رؤساء القبائل.
وانتشرت هذه المقامات بشكل خاص في عهد المماليك مع انتعاش الحركة الصوفية، وبلغ هذا الانتعاش قمته في القرن الثامن الهجري، وهو القرن الذي أسست فيه أكثر من نصف الزوايا والخوانق والربط في فلسطين؛ وذلك لقيام حكومة المماليك بتشجيع إنشائها، وبدأت الحركة الصوفية بالرواج والظهور خاصة في القدس ونابلس والخليل.
ويتضح من التاريخ أن الصوفيين كانوا يتلقون الرواتب لاشتراكهم في حلقات الذكر.
ويقول الحاج الثمانيني خليل أبو الهدى، الذي يعمل في محل للملابس الجاهزة بجانب مقام بشر الحافي في حارة الحبلة، بأن “هذه المقامات كانت قبل عشرين سنة تفتتح وتقام فيها حلقات الذكر والتسبيح في المناسبات الدينية، التي كان الناس يستقبلونها بكل فرح ويوزعون الحلوى ابتهاجا بهاعلى عكس أيامنا هذه”.
واشار ابو الهدى كذلك الى وجود “الزاوية البسطامية” التي تقع في وسط حارة الحبلة وتعود في بنائها إلى سنة 770هـ/1368م وهي عبارة عن غرفة صغيرة يصعد إليها بدرج إلا أنها حولت إلى دار للسكن مؤخرا وتستعمل الغرفة الآن كديوان لاحدى العائلات.
ومن المقامات الاخرى في نابلس، مقام يوسف، شرق المدينة، والذي يدعى الاحتلال انه يضم قبر النبي يوسف عليه السلام، فيما تثبت السجلات ان مسجد يضم قبر احد الاولياء الصالحين وهو الشيخ يوسف دويكات.
ويقول مدير دائرة الأوقاف الأسبق في محافظة نابلس، زهير الدبعي، أن “المقامات والمزارات هي أماكن دينية ربما يكون فيها قبور وربما لا، وكانت أماكن للصالحين المعتزلين عن الناس والمتفرغين للعبادة، وبالتالي كانوا محط احترام الآخرين وتقديرهم، فأقاموا على قبورهم أو بقربها مساجد أو قبابا أو مقامات.
ويتابع الدبعي بأن وزارة الأوقاف تهتم بهم بوضع حراس على بعض المقامات باعتبارها أماكن دينية يجب المحافظة عليهم، ويحافظون عليها كوقف، وعلى الأراضي التي حول المقام التي تكون ضمن الوقفية.
ويذكر الدبعي أن بعض هذه المقامات استولى عليها الاحتلال مثل “مقام الشيخ غانم” في جبل الجبل الجنوبي (الطور)، و”مقام بلال” الموجود فوق قمة الجبل الذي يعلو قرية عزموط شرق نابلس، وأصبح من المتعذر على المواطنين الوصول الى هذه المقامات بسبب تعسف الاحتلال.
وفيما يتعلق بأمور الترميم والتجديد لهذه المقامات، فإن بلدية نابلس تعمل من جديد على ترميمها وإصلاح بعضها لتبقى إرثا حضاريا يحتذى به، فقد بدأت بترميم وإصلاح مقام البشر الحافي بتمويل من الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي.
ولكن الدبعي يقول بأن الاحتلال الإسرائيلي يعرقل هذه الإصلاحات، ومثال على ذلك “مقام عماد الدين” الذي يمنع الاحتلال ترميمه بحجة وجوده في منطقة تحت سيطرته الأمنية.
سلفيون متشددون يحرمون على الناس زيارة هذه الأماكن، تحت مبرر انها تعتبر بمثابة وسيط ما بين العبد وربه، لكن الدبعي يقول أنه ليس مع هذا التشدد والتعصب، فهي أماكن دينية يجب احترامها وتقبلها.
“القدس” دوت كوم- ضحى التميمي
رابط قصير:
https://madar.news/?p=12538