المواطن المُخدر .. رامي مهداوي
سأدخل في الموضوع مباشرة من خلال سؤالي لك عزيزي القارئ: أين أنت مما يحدث حولك؟ وما أقصده بحولك هو الفضاءات المختلفة التي تتواجد بها وليس مكانا محددا بما لك وعليك من حقوق وواجبات. لتكون المحصلة النهائية مسؤوليتك تجاه المجتمع الذي أنت منه.
للأسف ما أقرؤه في الآونة الأخيرة من خلال مشاهداتي لأحداث مختلفة وعدم وجود ردود أفعال من المجتمع/ المجتمعات الفلسطينية يجعلني أصف المواطن بأنه مواطن مُخدّر، وقد يقول قائل: المواطن تم تخديره، بالتأكيد هناك فرق كبير إذا ما كان المواطن خُدّر أو مُخدّرا بمعنى أن تم فعل التخدير بفعل فاعل من أجل وصول المواطن وبالتالي المجتمع إلى حالة اللامبالاة.
كلٌ منا يعيش بحالة المواطن المُخدّر في المجتمعات المختلفة التي يعيشها، مجتمع العائلة، مجتمع العمارة، مجتمع الحي، مجتمع القرية/ المدينة/ المخيم، مجتمع العمل، مجتمع الحزب، مجتمع الجامعة، مجتمع الكنيسة والمسجد، لتحصد اللامبالاة جميع مكونات وأدوات المجتمع الفلسطيني، ليكون فريسة سهلة لمن أراد الانقضاض عليه.
لا أحد يكترث إذا ما ارتفعت أسعار الكهرباء 5%، لا أحد يكترث إذا تم تأجيل انتخاب البلديات، لا أحد يكترث إذا كان قطاع غزة بحاجة لأبسط مستلزمات الحياة من ماء وكهرباء وأدوية، لا أحد يكترث ويسأل متى المصالحة؟ لا أحد يكترث الى متى سيبقى المجلس التشريعي اسما دون فعل؟ لا أحد يكترث ويتجرأ أن يسأل الى متى سيبقى حالنا بتراجع دائم؟!
والأخطر من كل ذلك بأن عدوى التخدير انتقلت الى المؤسسات الأهلية ما جعل فعل المؤسسات التي يجب أن تلعب دورا توعويا وضاغطا حول حقوق المواطن وواجباته في حالة هذيان نتيجة التخدير، وإذا ما قال لي قائل إن تلك المؤسسات تمت محاربتها وتخديرها أيضاً؛ أرد عليه وبكل جرأة إذاً ما حاجتنا لها منذ البداية إن لم تستطع المؤسسة أن تحافظ على ذاتها وتواجه الظلام بكل أشكاله!! ما حاجتنا لمؤسسات ولدت ميتة من رحم بحاجة الى تغيير!! أصبحت أشك بأن الكثير من تلك المؤسسات هي ليست فقط مُخدرة وإنما شريكة في تخدير المواطن والمجتمع.
حالة الخوف المحيطة بنا من جهة، والتخدير الذي أصابنا جميعاً من جهة أخرى، أفقدتنا روح الاستنهاض والنهوض وإعلاء صوتنا لمن يجب أن يسمعونا، التخدير جعلنا نبحث عن حلول فردية وليس جماعية، التخدير جعل المواطن يحمل شعار “حط راسك بين الروس وقول وينك يا قطاع الروس”، التخدير جعلنا نفكر بالمسكنات وليس بالعلاج، التخدير جعلنا نفكر في أقساط المنزل والسيارة، التخدير جعلنا نقبل أي حل دون التفكير في تبعيات ذلك.
أخشى ما أخشاه بأن حالة التخدير التي نعاني من أعراضها الآن ستنتقل الى مستويات صعبة تقودنا الى نهاية ما بقي من المشروع الوطني، والدخول الى مرحلة جديدة يخطط لها ليس فقط الاحتلال وإنما المحيط الإقليمي برؤيا/ رؤى تجعلنا كمواطنين مخدرين تابعين لمشاريع أصبحت أكبر من قضيتنا الفلسطينية.
إن لم نستيقظ جميعاً من حالة التخدير التي نعيشها، كل في موقعه، علينا ألا نلوم إلا أنفسنا، بالتأكيد العلاج من التخدير ليس بالنزهة المريحة وإنما هناك العديد من العقبات التي ستواجهنا، وأعتقد ان أولى هذه العقبات أن نجد من يسمعنا ونخبره بأن المواطن استيقظ من تخديره.
رابط قصير:
https://madar.news/?p=28514