المواقع الأثرية بنابلس.. تاريخ تغطيه مخلفات الحاضر
يضم مركز مدينة نابلس العديد من المواقع الأثرية المهمة التي تكفي لتحويل المدينة إلى واحدة من مراكز الجذب السياحي على مستوى المنطقة، لكنها تحولت إلى مكارِه صحية تنفّر أبناء المدينة فضلا عن زوارها.
فمع مرور السنوات تقلصت المساحات الفارغة بين جبلي عيبال وجرزيم، وبقيت في مركز المدينة بعض الأراضي لم تصلها معاول الحفر والبناء، وأراض أخرى اصطدمت أحلام أصحابها باكتشافات أثرية تحتها.
الأراضي التي عُثر على أثار تحتها دخلت بمرحلة جمود يمتد بعضها لأكثر من خمسة عقود، وخلال هذه السنوات وجد الإهمال طريقه إليها، وتحولت إلى مكبات لمخلفات المحلات التجارية والمشاغل وورش البناء.
آخر هذه الأراضي قطعة يقدر ثمنها بالملايين باتت اليوم حفرة مليئة بكل أشكال القاذورات رغم إحاطتها بسياج من الصفيح، وشكلت صورتها المتداولة على صفحات التواصل الاجتماعي فرصة لإثارة قضيتها وقضية أخواتها.
مدير دائرة آثار نابلس محمود البيراوي يوضح لوكالة “صفا” كيف تحولت تلك الأرض في غضون أشهر قليلة إلى مكرهة صحية.
ويقول إن أحد المستثمرين تقدم بمعاملة لدائرة الآثار لأخذ إذن بناء على قطعة الأرض هذه، وبدورها قامت الدائرة بإجراء حفريات اختبارية أظهرت مكتشفات أثرية مهمة، فتم إصدار قرار بحظر البناء فيها.
ويضيف أن المستثمر قدم تظلما للوزارة، وجاءت لجنة من الإدارة العامة والدوائر المختصة وأكدت هي الأخرى على حظر البناء، وتم إبلاغ المستثمر بضرورة طمر الحفرية.
ويشير إلى أن أحد الورثة تدخل وطالب بوقف عملية الطمر، وفي نفس الوقت تقدم وريث آخر بطلب طمرها، فتم الاتصال بالمستثمر، لكنه طلب عدم الاتصال به.
ويبين بيراوي أن أصحاب المحلات المجاورة والبسطات المحيطة بالأرض هم من يلقون بنفاياتهم فيها.
ويقول إن غياب العقاب الرادع يشجع الناس على إلقاء نفاياتهم في هذه المواقع، ويشير إلى أن الدائرة أعطت إنذارا لصاحب أحد المحلات وطالبته بإزالة نفاياته من أحد المواقع الأثرية في منطقة الدوار، وبعد أيام وجد أن الموقع قد تعرض للحرق.
ويؤكد أن الوزارة ستتخذ قريبا إجراءات عقابية ضد كل من يلقي بنفاياته بهذه المواقع.
تاريخ مهدد
وتضم محافظة نابلس 266 موقعا أثريا مسجلا ومعلنا بالجريدة الرسمية، بالإضافة إلى 1200 معلم أثري وتاريخي.
وتلك أرقام تجعل من نابلس واحدة من أغنى المحافظات بالمواقع الأثرية، ومرشحة لدخول اللائحة الأولى للتراث العالمي، بحسب البيراوي.
لكن المواقع التي يتم اكتشافها بحاجة إلى عمليات حفر علمية منظمة، وهذا يتطلب استملاك هذه الأراضي لأن ملكيتها تبقى لأصحابها حتى بعد اكتشاف الأثار بها.
ويشير بيراوي إلى أن أقصى ما يمكن للوزارة فعله بالمواقع المكتشفة هو المحافظة على نظافتها والحفاظ عليها ضمن وضعها الحالي.
وتأتي في مقدمة المواقع الأثرية المهمة في المدينة المدرج الروماني في حي رأس العين، وميدان سباق الخيل في دوار الشهداء، وكلاهما يتعرضان باستمرار لإلقاء النفايات بهما، رغم حملات التنظيف التطوعية المتكررة لهما.
وخلال هذا العام قدمت وزارة السياحة مشروعين للمانحين لتأهيل هذين الموقعين، لكن المانحين رفضوا تمويلهما بسبب أن الأرض ملكية خاصة.
ويقول بيراوي إن الوزارة وصلت إلى الإجراءات النهائية لاستملاك الأرض التي يقع عليها ميدان سباق الخيل، استنادا إلى قانون الآثار الذي يسمح باستملاك الأرض إما بالاستبدال أو التعويض، مما يبشر بقرب انتهاء المكرهة الصحية بهذا الموقع.
ويشير إلى أن هذا الموقع يعد من أهم المواقع الأثرية في فلسطين، وشكلت أكثر من لجنة فنية له، وآخر لجنة تشكلت من بلدية نابلس والوزارة رفعت توصيتها بضرورة استملاك هذا الموقع من أجل تهيئته وإكمال الحفريات فيه.
ويوضح أن الوزارة أعدت مع البلدية دراسة لكيفية استثمار هذا الموقع، وكان المقترح بتأسيس شركة مساهمة، وعمل مسابقة هندسية تحت إشراف اليونيسكو لكيفية البناء على الأرض، وتعهدت الوزارة بتوفير التمويل للقيام بالحفريات، لكن أصحاب الأراضي رفضوا المقترح.
ويؤكد بيراوي ضرورة العمل على وضع حد لهذه المكاره الصحية، لافتا إلى أن أثار نابلس مرشحة لدخول القائمة الأولى للتراث العالمي، وهذه المشاهد تضر بهذه الجهود.
عوائق قانونية وظروف موضوعية إذن تقف حائلا دون إنهاء هذه المظاهر المؤذية للعين والبيئة.
فلا تستطيع وزارة الآثار استكمال عمليات التنقيب قبل استملاك الأرض، وفي كثير من المواقع يتطلب استملاكها مبالغ ضخمة، مما يؤخر عملية الاستملاك، وريثما يتم ذلك تبقى الأرض مستباحة لكل من يريد التخلص من نفاياته.
إجراءات رادعة
وبسب تراكم النفايات بهذه المواقع، فإنها باتت تشكل بيئة خصبة للقوارض والكلاب الضالة.
وبدأت بلدية نابلس مؤخرا بفرض غرامات مالية على إلقاء النفايات بالأماكن العامة والأراضي الفارغة، الأمر الذي ينطبق على المواقع الأثرية كما يبين لوكالة “صفا” مدير دائرة الصحة في البلدية نضال منصور.
ويرى منصور أن انتهاء المكاره الصحية في هذه المواقع لن ينجح إلا بطمر الموقع ليتم استغلال الأرض فوقه، أو الاستثمار به وتحويله إلى موقع سياحي يجذب الزوار.
ويقول: “لا يعقل أن كل قطعة أرض يتم حفرها واكتشاف أثار فيها تترك لتتحول إلى مكب للنفايات”.
ويذكر أنه من الصعب على البلدية أن تضع حارسا على كل قطعة أرض لمنع إلقاء النفايات فيها.
ويلفت إلى أن البلدية بالتعاون مع مؤسسات المجتمع المحلي والمتطوعين نظموا في السنوات الماضية أكثر من 20 حملة لتنظيف المواقع الأثرية بمنطقة الدوار، لكن دون جدوى.
ويشير إلى أن الإجراءات التي أعلنت عنها البلدية منذ نوفمبر الماضي تتضمن تحويل كل من يضبط وهو يلقي النفايات بالأماكن العامة إلى المحكمة، وقد تم حتى الآن تحويل 50 مواطنا للمحكمة، منهم 20 في الأسبوع الأخير.
وفرضت غرامات مالية تراوحت ما بين 2000 و3000 شيكل (الدولار 3.8 شيكل) على مواطنين وشركات ألقوا أتربة ونفايات على جوانب الطرق.
وأكد أن البلدية لن تدخر جهدا لتوفير الآليات والحاويات لنظافة المدينة، وتقوم بكل ما يمكن عمله لتيسير ذلك على المواطن، لكن على المواطن أن يتعاون معها، كما تقول.
وكالة صفا
رابط قصير:
https://madar.news/?p=19952