“امير ويلز في نابلس” ..جميل ضبابات
مدار نيوز، نشر بـ 2016/10/29 الساعة 2:36 مساءً
ماذا يريد محرر الأخبار؟
خاص لـ مدار نيوز : ماذا يريد محرر الأخبار؟ (أمير ويلز) اصل الى المدينة يوميا قرابة الساعة السابعة صباحا، وانا ادخلها من جهة الشمال تتراءى أمامي مثل قلب مليء بالقصص. اصل لاكتب الأخبار واعيد تدوير المعلومات وهي المهمة التي تسبق مهمة المحرر الذي يتلقفها و يؤطرها ويخرجها للجمهور مرة أخرى معلبة جاهزة. سألني رئيس تحرير “مدار نيوز” صباحا عن المدينة؟.
إن هذا دأب محرري الاخبار: يسألون بإلحاح في زحمة الصباح!. سكتت. وقلت له:انت تعرف اكثر.
انا اعيش فيها ساعات، وأنت تقيم ساعه.
كنا مشمئزين من الأوضاع.
المحرر وانا بعد ذلك لم ننبس بكلمة واحدة.
وثم اغلقنا هاتفينا.
وقلت في نفسي لا شك أن نوعين من البشر يستطيعان الاجابة عن سؤال محرر الاخبار :الملوك نوع.
والنوع الثاني: كل من يزورها. وهؤلاء عدد لا يحصى من الرجال والنساء والتجار والمرضى و الهائمين على وجوههم.
انها مدينة تصلح للزيارة في كل وقت، والأسئلة على مر الزمان .
هي قرص العسل الذي يحبه الجميع.
انها بنت الجبلين الراسخين التي تجلس منذ آلاف السنين تحت السماء الحليبية.
سرعان ما احسست بالاكتفاء والضجر من اسئلة المحرر، وهيأت لنفسي فراشا قرب الطاولة التي اضع اوراقي وكتبي فوقها لاكتب.
وسرعان أيضا ما وثبت إلى ذاكرتي الصورة المتخيلة ذاتها لواحد من الرجال الذين حكموا كبرى امبراطوريات العالم، لكنهم قبل أن يجلسوا على عرش الحكم، زاروا المدينة. هذه السنة، مر تماما نحو عام على دخول أمير وليز البرت ادوارد(لاحقا الملك ادوارد السابع) إلى المدينة.
دخلها من ناحية الجنوب كما فهمت من خارطة رحلته. قبل أيام كان الأمير في بيت لحم، ويقول هناك، أنه زار عدة كنائس اضافة الى حقل الرعاة. في الثالث من نيسان من ذلك العام الذي وصل فيه فلسطين ضربت صباحا أوتاد الخيام في مدينة المهد ودخل إلى الكنيسة حتى انه وصل كما يقول في مذكراته إلى المكان الذي ولد فيه المسيح. وبعد أقل من ايام وصل الى هنا.
لم يكن لأمير ويلز أن يقف على صهوة جرزيم، لو ذلك الإصرار الذي تملك الأم الملكة فيكتوريا على دفع الابن نحو الشرق لأسباب تتقاطع جميعها عند صقل شخصية الشاب الذي يحضر الآن لأن يكون ملكا.
في التراث الإنجليزي الذي يتحدث عن هذه رحلة الشرق وصفت هذه الرحلة ب”التعليمية”.
كنت سررت قبل أيام عندما سمعت أحد الموجهين التربويين يتحدث عن ضرورة التعليم من الموقع، داعيا إلى أخذ التلاميذ إلى أبعد من أسوار المدرسة. قلت في نفسي: هذه ثورة.
ثورة كبيرة في التعليم. كان الموجه التربوي يتحدث دون ان يدرك ان فكرته تحاكي نموذج مدرسة المشائين التي أسسها الفيلسوف اليوناني أرسطو، وقامت على فكرة قيادة التلاميذ في رحل مشي وتعليمهم بعيدا عن الصفوف الصامتة.
كان أرسطو يمشي والتلاميذ يمشون خلفه. هو يتحدث وهم يستمعون.
في العام تولدت قناعة لدى الملكة الأم والأمير الزوج البرت بأن يتم تحضير الابن البرت ادوارد، للمرحلة المقبلة التي سيتوج فيها ملكا خلف امه.
في ابريل وصل الوفد الملكي الى نابلس في رحلة البحث عن سحر الشرق. وليس صعبا الوصول إلى تفاصيل تلك الرحلة مكتوبة بخط يد الامير. في دفتر معروض في ( Royal collection trust).
يمكن استطلاع صفحات هذا الدفتر الذي صاحب أمير ويلز في رحلته. في الحقيقة كتبت ملحوظات الرحلة التي بدأت من بالانجليزية المشبوكة التي تبدو صعبة القراءة ولا تخلو من تصحيحات. في الصفحة من تلك المذكرات التي يتحدث فيها عن وصوله إلى نابلس يقول الأمير”بقينا في المخيم خلال صدر النهار، ثم تحركنا نحو قبر يعقوب “.
تشير خارطة الاماكن التي زارها الرجل دونها في مذكراته إلى أنه قام بالرحلة نفسها التي يقوم بها كل من يزور المدينة حتى اليوم . زوار المدينة حتى أولئك الذين يأتون من المدن الفلسطينية يحاولون زيارة بئر يعقوب أو دخول البلدة القديمة؛ البلدة التي يراها أمير وليز “ذات شوارع طويلة وزلقة” .
حقا، انها في ايام الصيف تبدو اطول وتضج بصياح الباعة و تزاحم المتسوقين، وفي أيام الشتاء زلقة. ويبدو أن خيام الوفد الملكي نصبت عند اقدام جرزيم التي الآن تشكل جزءا من حارات نابلس الجديدة.
“قليلا قبل السادسة مساء تسلقنا جرزيم الذي كان فوق معسكرنا..(..) فقد رأينا منظرا جميلا من القمة”.
يبدو أمير ويلز رأى ما يراه كل المصورين الصحفيين او الهواة او حتى زوار المنطقة اليوم. إنها الرؤية المتكررة لمشهد لا يتغير. إنه المشهد المفتوح الذي لا يتبدل.
لقد رأى الأمير الانجليزي صفحة ماء البحر المتوسط تلألأ امام نظراته الملكية، لكنه ايضا شاهد قمة جبل الشيخ البيضاء.
” لقد رأينا ذلك من المنطقة التي من المفترض ان يكون ابراهيم ضحى بابنه اسحق فيها “.
حتى اليوم يبدو أن الكثيرين مازالوا يسيرون على خطى أمير ويلز ، أنهم أولئك الصحفيين والزوار الذين يبحثون عن رؤية البحر المتوسط من على هذه القمة .
إنها الرغبة في اكتشاف البعيد من قمة جبل عالية، الجبل الذي الذي قال مارقا فيلسوف السامريين الاكبر في كتابه (الميمار) :ان مياه طوفان نوح لم تصله. تكفلت الملكة بوضع كل تفاصيل الرحلة الى الشرق، وايضا هي من اختارت المصور الذي سيرافق الموكب الملكي.
كان هذا المصور فرانسيس بدفورد، الذي عرفه القصر بصوره التي تأخذ الألباب. قبل أعوام قليلة صدر كتاب للباحثة الانجليزية صوفي جوردن، يتناول قصة صور تلك الرحلة.
في المحصلة يمكن الجدال في فرضية أن التصوير الصحفي الاحترافي في هذه المدينة بدأ في تلك الأيام. لا اعرف اذا وصل الكتاب لكليات الإعلام في الشرق الاوسط؟.
حتى الان، لم اسمع احدا يتحدث عنه في كليات الاعلام الفلسطينية.
قبل سنة قليلة أقيم في قاعة المعارض الضخمة “ ذا كوين جاليري “ TheQueen Gallery الملحقة بقصر باكنجهام الملكي معرض استمر لأشهر تناولت صور رحلة البرت.
الصور الاحترافية التي مازالت بريطانيا تتحدث عنها حتى اليوم، وبعضها ترسم قصة البرت نابلس. التقط بدفورد صورا تعتبر من أوائل الصور التي أخذت لهذه المنطقة وفي ذلك المعرض عرضت تلك الصور لمدة أربعة أشهر.
شملت تلك المشاهد التي التقطت في تلك الرحلة التي زار بها الوفد الملكي أهم الأثار في مصر وفلسطين وعاصمة الدولة العثمانية .
اصبح ( the royal collection) مرجعا بالنسبة لي للحصول على دفتر مذكرات الأمير، ومن هناك امكن استطلاع صور تلك الرحلة الملكية.
أتاح تزامن وصول الموكب الملكي الى نابلس في ربيع ذلك العام أكثر من مشاهدة القمة البيضاء التي تجلل رأس الجبل الأعلى( جبل الشيخ)، انما ايضا أتاح أمام فرانسيس بيدفورد تصوير نابلس الصغيرة بأشجارها وبساتينها في ذلك الوقت مستفيدا من صفاء الافق حول المدينة التي لم تكن قد تمددت على بطون الجبال.
وليس ذلك فقط، ف( R.C) تعرض الان تلك الصورة التاريخية للتوراة القديمة التي يعتقد أنها أقدم نسخة مكتوبة لخمسة أسفار من كتاب النبي موسى، التي يبدو أن أعضاء الوفد تمكنوا من رؤيتها والاقتراب كثيرا منها. بعد نحو عقد ونصف تقريبا من زيارة الأمير البريطاني إلى نابلس وصل ملك البرازيل بيدرو الثاني إلى المدينة وهذه قصة أخرى .
هذه قصة أخرى! إذا أراد المحرر رواية أخبار المدينة، يمكن مطالعتها في مذكراته التي كتبها عن الشرق، والتي تحفظ الآن في المتحف الملكي البرازيلي في ريو دي جانيرو.
هل يكتفي المحرر بقصة واحدة؟ احتراز أول: أجزاء من هذا النص معد للنشر مستقبلا في سياق آخر ضمن سلسلة نصوص ذات صبغة انثروبولوجية حول المدينة. احتراز ثان: هذا النص هو انجاز تطوعي لموقع “مدار نيوز”.
رابط قصير:
https://madar.news/?p=13717