انتخابات البلديات بين البعد السياسي والبعد الخدماتي.د. غسان المصري

ما يشهده الشارع الفلسطيني من حالة حراك وتفاعل لموضوع انتخابات البلديات والهيئات المحليه يعكس حاله من الخلاف والتناقض بسبب عدم فهم الهدف الحقيقي من اجراء الانتخابات وممارسة العمليه الديمقراطيه بمفهومها الحقيقي الذي يجسد قيمه حضاريه مهمه ترفع منسوب تاثير الاراده الجماهيريه ومشاركتها في اختيار صناع القرار القادرين على تطوير الاداء وتحقيق الاداره الرشيده لتلبية احتياجات ومتطلبات الحياه الكريمه للمواطنين ، وتحسين معيشتهم اليوميه كمتطلب هام واساسي لتثبيت الوجود والصمود في الوطن .
ان الاعتقاد الذي يحاول البعض من الشخصيات المجتمعيه والاقتصاديه الناشطه في حراك الانتخابات تسويقه بان موضوع البلديات والمجالس المحليه يجب ان لاينخرط او يتلون باللون السياسي بمشاركة كفاءات سياسيه او حزبيه هذا الاعتقاد ينتزع دور قيادة البلديات من سياقه الوطني والتنموي ويعفي البلديات والمجالس المحليه من شمولية مسؤولياتها الوطنيه وتكامل دورها الوطني (السياسي والخدماتي ) غير القابل للفصل والتجزئه فكل منهما يكمل الاخر ويعزز فرص النجاح وتكامل الاداء لانجاز المهام وتحقيق الاهداف .
رغم ان معظم دول العالم تعتمد في نظمها السياسيه فلسفة ان مؤسسات الحكم المحلي تركز وتختص في عملية التنميه والتطور في تقديم الخدمات للمواطنين وتتحمل مسؤوليات ومهام تفوضها بها الحكومات المركزيه وهذا امر طبيعي في ظل وجود الاستقلال والسياده الوطنيه الكامله للدول حيث تكون الظروف والبيئه مستقره تساعد البلديات على توفيرجميع متطلبات نجاحها ، ومتحرره من قيود ومعوقات ومحاصره تعيق عملها ، بينما طبيعة المجتمع و الواقع الفلسطيني الذي يفرض الاحتلال بوجوده حالة استثناء وتميز عن باقي الدول والمجتمعات في العالم ، فان النظام السياسي الفلسطيني المقيد والمحاصر والمحروم من استخدام موارده ومقدراته لايستطيع ان يعمل بتلك الفلسفه للفصل بين متطلبات العمل الخدماتي ومتطلبات العمل السياسي للخلاص من الاحتلال الذي تعمل سياساته لتدمير المجتمع الفلسطيني وليس لتطويره وتنميته .
فضلا عن ذلك فان الحياة السياسيه للشعب الفلسطيني تفرض ايقاعها على جميع مناحي الحياه الاجتماعيه والصحيه والتعليميه والاقتصاديه والثقافيه وتجعل من فئاته ومكوناته محكومه بتطلعاتها وطموحها للخلاص من الاحتلال الذي يصادر حقها بالتطور والتنميه وتحسين مستوى الحياه اليوميه لذا فان تسييس انتخابات البلديات ينبثق من تلك التطلعات وذلك الطموح ويدفع كل مواطن فلسطيني الى الانحياز للوطن والاصطفاف خلف قوى سياسيه وطنيه تسعى لانهاء الاحتلال حتى تتمكن قيادات هيئاته المحليه من النجاح في واجباتها ومسؤولياته لتوفير الخدمات وتحسين مستوى الحياه اليوميه للمواطن .
كان الامل بان ينطلق الحراك والحوار لانتخابات البلديات والمجالس المحليه من هذه الرؤيا والتي تساعد على تحديد مانريد ان نكون عليه ، وليس على قاعدة اختزال القضيه باسماء اشخاص محددين او بفئه حزبيه معينه حتى لا ياخذنا هذا الحراك الى جدل وحوار محصور ومقيد بجزئية فلان ومصلحة علان لان الخروج عن قاعدة الانحياز للوطن والمصلحه الوطنيه يكون تاثيره على الشارع والراي العام باتجاح سلبي ويزيد من الخلاف والنزاع والتشرذم سواء بين النظيمات السياسيه او العائلات او بعض اصحاب راس المال ، ويحرفنا عن الاهداف الاساسيه لاجراء الانتخابات البلديه والقرويه ، ولا يوظف العمليه الديمقراطيه ( الانتخابات ) للصالح العام .
نعم ان النجاح في توفيرافضل الخدمات اليوميه للمواطن وتحسين ظروف الحياه اليوميه يعزز صمود المواطن ويشعره بالطمأنينه ويساهم في افشال سياسة الاحتلال في خلخلة واضعاف الشعور بالمواطنه والانتماء وهنا يتكامل البعد الخدماتي مع البعد السياسي لانتخابات البلديات والمجالس المحليه حيث يتوفر الانسجام والتكامل بالفهم والاداء في قيادة البلديات ما بين الكفاءة والخبرة والسياسه المنحازه لفلسطين وصمود اهلها.
د. غسان المصري مدير مركز كنعان للاعلام والدراسات
رابط قصير:
https://madar.news/?p=3701