الشريط الأخباري

بالصور: كنوز نابلس الأثرية تختفي تحت أكوام النفايات

مدار نيوز، نشر بـ 2017/08/15 الساعة 12:39 مساءً

وكالات- مدار نيوز: ما إن تصل إلى أول شارع حيفا في نابلس حتى تصادفك يافطة على شكل سهم ضخم مكتوب عليها “المقبرة الرومانية الغربية”، تنظر فلا تجد سوى بنايات سكنية قديمة، وقربها محطة لمحروقات ومصنعا لإنتاج البلاط.، تذهب باتجاه السهم لتفاجئ بثلاث مغارات وقبور ضخمة وأعمدة تحجبها الحشائش والنفايات عن المارة.

فرغم أن الموقع الذي اكتشف قبل نحو سبعين عاما تقريبا مسور بجدار حديد، وبداخله درج تنزل به للمكان، ما يعني أن جهات ما اهتمت بترميمه، لكن المشهد العام يعد صادما جدا.

تحدثنا إلى أبو رائد الذي يقطن في البناية المجاورة، والذي بادرنا هو بالسؤال “شو بتعملوا هون” -ماذا تفعلون هنا!!-“.. ما إن أدرك أننا صحفيون حتى ضحك وقال بلغة عامية “زهقنا قد ما اجا صحفيين هون، وعلى الفاضي، ما حدا سائل.. شوف هالمكان كيف صار مزبلة؟ بدل ما ينضفوه ويحولوه لمتحف عشان الزوار اللي بييجوا من برا، تركوه حتى اندفن من الأوساخ والحشيش”.

سألناه إن كان مسؤولون من وزارة السياحة والآثار أو بلدية نابلس قد زاروا الموقع. فرد “كان ييجوا كل فترة.. ومعهم عمال النظافة.. يرفعوا شوية نفايات، وما يرجعوا إلا بعد فترة طويلة.. ويكون المكان رجع زي أول”.

المقبرة الرومانية الغربية وهي مقبرة عسكرية، أسست في القرن الأول ثم أعيد استعمالها في القرن الخامس الميلادي، وقد اكتشفت سنة 1946م أولا ثم أعيد اكتشافها سنة  1960م.

القبور مدمرة “بفعل فاعل”

عوني أبو صالح صاحب محل لتصليح السيارات بالقرب من المقبرة قال: إن “الموقع عبارة عن مكرهة صحية وليس مقبرة، كل النفايات تلقى من العمارات المجاورة في المقبرة، وتحرق تلك النفايات بعد فترة، عدة مرات ثم يتم تنظيفها من متطوعين، دون جدوى”.

ويتابع، السياح يأتون لزيارة المقبرة كثيرا؛ إلا أنهم عند مشاهدة منظرها يغادرون فورا، مضيفا “المقبرة تعرضت لتدمير الشواهد فيها، بفعل فاعل، وهي الآن عمرها آلاف السنين، والتي تعد من الآثار النادرة في فلسطين، إلا أن اهتمام البلدية ومديرية الآثار ضعيف جدا”.

متحف مفتوح

وتُوصف محافظة نابلس ومدينتها تحديدا بأنها “متحف مفتوح”، إذ تحتضن منجما كبيرا من الآثار الرومانية والكنعانية وبقية الحضارات التي تعاقبت على حكم المدينة، إذ تبلغ المعالم التاريخيّة والأثريّة فيها نحو 1200، منها 266 موقعا أثريا مسجلا.

لكن على الرغم من احتوائها على كنوز أثرية لا تقدر بثمن؛ إلا أن مواقع كثيرة منها تعاني من إهمال واضح للعيان؛ يعكسه تكدس النفايات ومخلفات المحلات التجارية، وعجز في المتابعة من الجهات المختصة، خاصة وسط مدينة نابلس.

ميدان سباق الخيل وسط مدينة نابلس، الذي يعود تاريخه إلى القرن الثاني الميلادي، تم اكتشاف أجزاء منه في البداية سنة 1941م، وفي سنة 1980م  تم اكتشاف البوابات الحجرية لمداخله السبعة، التي كانت تقف عندها عربات المتسابقين ثم الكشف على أساسات مقاعد المتفرجين على جانبي الممر، ويعتقد بأنه كان يتسع لثمانية آلاف متفرج.

هذا الموقع الأثري المميز أصبح محطة لتجميع النفايات، خاصة أن سوقا للخضار أقيم إلى جانبه، ويقوم الباعة برمي كل ما بقي وتلف من خضار وفواكه وصناديق وكراتين فيه. كما أنه تحول لمكان تلجأ له القوارض بشكل جماعي، بعد أن وضعت بلدية نابلس حاوية ضخمة في أرض قريبة منه.

صاحب مخبز هناك، قال: “هذه المنطقة أكثر منطقة مهملة في نابلس، لا يوجد أحد مسؤول، لا يوجد عمال نفايات، ولا سيارات شرطة تنظم حركة السير، أو حتى أرصفة للمشاة”.

الرجل الذي يخشى من دخول الفئران لمخبزه الذي يضم أطنانا من أكياس الطحين، يصف الموقع بأنه “موبوء”، لا تتوفر فيها خدمات مجارٍ وصحة.

يقول: “اتصلنا على قسم النظافة بالبلدية مئات المرات، وطلبنا منهم رفع القمامة دون جدوى.. وبفرض عقوبات على كل بائع يرمي مخلفات محله أو بسطته في الموقع.. أيضا دون فائدة.

اختزلنا مطلبنا بتوزيع سموم لمقاومة القوارض التي كانت تتجرأ على الخروج حتى في النهار.. وتحمل الأمراض وتنشر الأوبئة.. لكن للأسف لم يستمع لنا أحد”.

اتهامات متبادلة

من جهته، يعزو المتابعون التقصير والإهمال الذي لحق بالمواقع الأثرية بالمدينة إلى ثلاث جهات، المواطن والبلدية ووزارة السياحة والآثار، مشددين على أهمية وجود برنامج حقيقي للدفاع عن الآثار والمحافظة عليها واستغلالها في تنشيط السياحة في المدينة.

بلدية نابلس وعلى لسان مدير دائرة الصحة د. نضال منصور، قال: “المفروض أن تأخذ مديرية الآثار دورها الحقيقي في المحافظة على المواقع الأثرية، وعدم اقتصار عملها على إغلاق قطع الأراضي ووقف البناء في حال أراد مواطن البناء على قطعة في وسط البلد ظهر آثار فيها”.

وأضاف منصور ليس دور البلدية أن تضع مراقبا ومفتشا لمراقبة من يلقي النفايات في تلك المواقع، مؤكدا أن “من يقدم على إلقاء النفايات لا يوجد لديهم انتماء ومواطنة، والبلدية تقوم بمخالفة وتحويل للمحكمة أي شخص يلقي النفايات في أي موقع عام وأي أرض مفتوحة”.

وأوضح أن “البلدية بالتعاون مع مؤسسات المجتمع المحلي قامت بتنظيف المواقع الأثرية وسط المدينة ما لا يقل عن 10 مرات خلال عامين، وتم وضع سياج من قبل البلدية، وبشكل مستمر يتم إرسال موظفين لتنظيفها، إلا أن هذا يبقى حلا ناقصا، والحل المطلوب أن تقوم دائرة الآثار بإيجاد الحل الأمثل بالمحافظة عليها وتهيئتها للسياح للزيارة”.

ثلاثة موظفين فقط!!

من جهته، يقر مدير دائرة الحماية في دائرة آثار نابلس محمود البيراوي بالتقصير، راداً السبب إلى نقص الموظفين. يقول: “وجود تقصير من المديرية بمتابعة المواقع الأثرية؛ يعود لنقص الموظفين في الدائرة فهي تضم ثلاثة موظفين فقط لكل المحافظة ولا تتوفر مركبة لتنقلهم، وكذلك للعجز في الميزانيات، ولكون القانون غير رادع”.

وأضاف “على مر السنوات السابقة والعام الجاري يتم تنظيم فعاليات لتنظيف هذه المواقع بالتعاون مع الجمعيات التطوعية وكذلك توعية المجتمع بأهميته، إلا أن قرب المواقع من المباني السكنية وأسواق الخضروات والبسطات، وهذا له علاقة بالثقافة العامة بالمجتمع حيث دائرة الآثار تهدف لحماية والحفاظ على الآثار وتهيئتها، إلا أن المواطن من يلقي النفايات في تلك المواقع”.

وأكد أن المواقع الأثرية ما زالت خاضعة للحفريات وليست مهيأة للسياحة، وبحاجة لاستكمالها إلا أن ذلك يواجه صعوبات بأن جميعها ملكيات خاصة بحاجة لاستملاكها من قبل الحكومة، حيث تم رفع كتب ببعض القطع للشراء كالمقبرة الرومانية الغربية والمدرج الدائري وبحاجة لمبالغ مالية عالية.

وأكد أن مديرية آثار نابلس بحاجة على الأقل لــــ10 موظفين على مستوى المحافظة لضبط ومراقبة تلك المواقع، مشيرا إلى أن هناك تعاونا مع البلدية للقيام بجولات مشتركة وكذلك مع شرطة السياحة.

فلسطين الآن

رابط قصير:
https://madar.news/?p=51822

تعليقات

آخر الأخبار