برامج الصباح اللبنانية.. ديكور إتيكيت و”لتلتة”
امنة منصور : درج العرف في لبنان على أن توقّع كل محطة تلفزيونية برنامجًا صباحيًا باسمها. ومنذ ذلك الحين، تظهر “التوليفة” نفسها على كل الشاشات موسومةً بـ “لوغو” مختلف. إذ يبدو المضمون -إذا ما استثنينا الوجوه- متقاربًا ويصل إلى حد التشابه، لاسيما وأن المواد المقدّمة في مختلف الشؤون واحدة “لصبحيات النسوان”.
وإذا كانت بعض المحطات اختارت أن تحوّل عرضها الصباحي من الترفيه إلى السياسة تحت العنوان نفسه كبرنامج “نهاركم سعيد”، إلا أن محطات أخرى ما زالت تعتبر أن إكرام المشاهدين صباحًا بمحادثتهم مباشرةً على الهواء على مدى ساعات على نيّة تسليتهم بالمساحة المحشوّة بكل المواضيع التي لا تمتزج في معظم الأحيان كحال الماء والزيت.
تتشابه البرامج الصباحية في لبنان بمضمونها وكأنها صبحية نسوان معلنة على الهواء مباشرة
محطة الـ “أم. تي. في” التي عادت إلى البثّ قبل سنوات (في العام 2009) بعد انقطاع قسري، أطلقت برنامج “MTValive” الذي يتماشى مع العرف، ولم يعرف تبدلًا أو تغيّرًا، مع إطلاق دورات البرامج باختلاف المواسم سوى باستبدال بعض مقدميه أو إقحام آخرين. ما يغلب على هذا البرنامج ونظرائه هو تلك “النزعة” نحو المثالية: الديكور المتقن، والملابس الـ “signee” والخُطى التي تدخل بها المذيعة إلى الاستوديو وكأنها إحدى أشهر عارضات الأزياء: الكتفان مشدودان إلى خلف والخُطى متساوية ومتناسقة. لا ترنّح أو اهتزاز والنظرات ثابتة على الكاميرا لتلاقي المشاهد وتتبعه أينما اتجه.
المثالي أيضًا في هذا البرنامج هو تلك الفقرات التي تمتدّ يوميًا من الساعة الثامنة والنصف صباحًا حتى الواحدة والربع من بعد الظهر، ثم تُستأنف من الساعة الخامسة إلا ربع حتى السادسة مساءً. فتتحوّل من العرض إلى الوعظ ومن تقديم المعلومات المفيدة للمشاهد إلى تلقينه “كيف يعيش” لا بحسب إمكانياته بل فوق طاقته. خصوصًا وأن الفقرات بعامة، وإذا ما استثنينا بعض المقابلات التي ترطّب “جفاف” العرض المتواصل بشيء من الفنون أو الإبداعات المتفرّقة في العلوم أو الأدب، لا تتوجّه إلى المواطن العادي المتواضع الحال والذي يعيش على كفاف يومه كالغالبية الساحقة من اللبنانيين. بل تتوخّى في استعراضها للبذخ، لا سيما في فقرة الطبخ التي تأتي بوصفات من خلف البحار، على استثارة حواس المشاهد دون أي إمكانية للّمس أو التذوق أو حتى الشمّ.
تعلم قناة “أم تي في” إتيكيتات للمواطن لا تشبه واقعه ولا ظروفه وحياته اليومية
وما لا يجعل “أم. تي. في” ببرنامجها مواكبة لواقع اللبناني وظروفه هو استعراض الـ “إتيكيت” الذي يعلّم المشاهد ما كان قد ورثه بالفطرة. قد تكون المحطّة في تخصيصها وقتًا لهذه “المعلومات القيمة” أرادت أن “تُبرمج” جينات اللبنانيين وتوجيهها بالطريقة الأسلم والأكثر لباقةً في سلوكهم اليومي وفي مختلف المجالات. وليس في ذلك للحقيقة عيبٌ أو ضرر. لكن هل سيتطبّع من يركض بين وظيفتين أو أكثر ليؤمّن قوت عائلته بـ “إتيكيت الاستقبال” و”إتيكيت الهدايا” “وإتيكيت الحماة والكنّة”.. أو هل يملك أصلًا الوقت كله أو جزءًا منه لمشاهدة البرنامج بمختلف فقراته. حتى النسوة في لبنان ما عادت تشاهد هذه البرامج التي “تلوك نفسها” بعد أن استنفذت كل الأفكار في الطرح والمعالجة. كيف لهن ذلك، وغالبيتهن خرجن للعمل لتأمين حاجيات العائلة، أما من بقي منهن خارج فئة “العمالة” فلن يطلن البقاء أمام الشاشة وترك مسؤولياتهن المنزلية لمشاهدة ما لن يطعم أطفالهن أو ينجز مهامهن داخل البيت أو خارجه.
قد تكون “الصبحية” عادةً ضروريةً لتعديل المزاج والانطلاق بنشاط في يوم مثمر آخر، لكنّها تظل مسألة دقائق لاحتساء القهوة أو تناول العصير. بطُلت موضة “لمّة النسوة” على القهوة والثرثرة صباحًا منذ زمن، فهل ما زال للبرامج الصباحية الأكثر ثرثرة داعٍ سوى “ملء الهواء” والترويج للمنتجات واجتذاب المعلنين؟.
الترا فلسطين
رابط قصير:
https://madar.news/?p=21256