مدار نيوز \ أعلن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش في 14 مارس/آذار الماضي تعيين البحرينية خولة مطر نائبة لمبعوثه الخاص لسوريا، خلفا للمصري رمزي عز الدين رمزي.
وقال بيان للأمين العام للأمم المتحدة ان مطر بمعرفة واسعة بالمنطقة والصراع السوري ومنظومة الأمم المتحدة، حيث عملت مديرة لمكتب المبعوث الخاص لسوريا في دمشق، والمتحدثة باسم الممثل الخاص المشترك للأمم المتحدة والجامعة العربية في سوريا ومديرة مركز الأمم المتحدة للإعلام في القاهرة
ولعل اشهر ما علق بذاكرة الكثيرين عنها هو زيارتها لمدينة داريا التي كانت تسيطر عليها المعارضة ولقاءها بأهاليها المحاصرين رغم التحذيرات الأمنية التي قدمت لها ولفريقها قبل تلك الزيارة.
بدأت خولة مطر التي تحمل درجة الدكتوراه في سوسيولوجيا الإعلام من جامعة “درم” في المملكة المتحدة، حياتها العملية صحافية أوائل الثمانينيات من القرن الماضي وعملت في الصحافة البحرينية ومراسلة لصحف خليجية ومراسلة لوكالة الاسوشيتدبرس (AP) في البحرين قبل ان تنتقل للعمل مع مركز تلفزيون الشرق الأوسط. غطت خلال عملها في الثمانينيات والتسعينيات مناطق توتر مثل لبنان والبوسنة. وعملت في التسعينيات من القرن الماضي في المجلس العربي للطفولة ومنه انتقلت للعمل في منظمة العمل الدولية.
وقبيل تعيينها في الإسكوا، شغلت مطر منصب مديرة مكتب المبعوث الخاص لسوريا في دمشق. وشغلت خولة مطر منصب مدير مركز الأمم المتحدة للإعلام في القاهرة الذي يغطي المنطقة العربية بكاملها وتم تكليفها في الفترة نفسها بمهام المتحدث باسم المبعوث الخاص لسوريا حينها، السيد الأخضر الإبراهيمي.
وكانت مطر قد أصبحت في العام 2006، أول بحرينية ترأس تحرير صحيفة يومية هي “الوقت” البحرينية قبل ان تعود بعد نحو عامين للعمل مع الأمم المتحدة في اللجنة الدولية لحقوق الانسان. تكتب مطر حاليا مقالات لجريدة “الشروق” المصرية وصحيفة “الجريدة” الكويتية.
صحيفة “برواز” الالكترونية أجرت حوارا مع مطر الآتية من الصحافة ومن أكثر من 20 عاماً من خبرة العمل في منظمات الأمم المتحدة. وفيما يلي نص الحوار مع خولة مطر:
نبارك لك في البداية تقلدك لمنصب نائبة للمبعوث الدولي لسوريا في الأمم المتحدة، ما هي مسؤولياتك تجاه هذا المنصب الجديد؟
شكرا جزيلا رغم انها مهمة صعبة وتحدا كبير اما عن المسؤوليات فهي كثيرة ولكن لن استطيع ان أعطي تفاصيل الا بعد استلام المنصب فانا لا أزال في منصبي القديم نائبة للأمين التنفيذية للجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الاسكوا). وانتقل لاستلام مهام منصبي الجديد في القريب العاجل.
شعب شجاع ومبهر
حصلتي على جائزة أمين عام الامم المتحدة للشجاعة؟ ما هو تعريفك للشجاعة من وجهة نظرك؟
حقيقة انا فوجئت بأن الجائزة منحت لي فانا لم اقم ، وكما قلت في العديد من المقابلات السابقة، الا بما هو واجبي و مهمتي في دمشق مديرةً لمكتب المبعوث الخاص في سورية. و انا اعتقد بعد كل مشاهداتي الدقيقة لتفاصيل حيوات السوريين على اختلافهم وتنوعاتهم، فإن الشجاعة هو الوصف الدقيق لنساء ورجال واطفال وشيوخ سورية. كنا نتساءل دوما: من اين يأتون بكل هذا التصميم والاصرار والبحث عن سبل رزق مهما صعبت الظروف دون توسل او ابتذال؟ شعب يحمل كرامة وعزة نفس عالية اثبت ذلك حتى في بلاد الشتات و اللجوء، فقصص نجاحات السوريين في مدن عدة منها القريبة ومنها البعيدة جداً تثير الكثير من الفخر لكل سوري وعربي وهي شاهد على تصميم هذا الشعب على الحياة الكريمة وقدرته على الابداع في اصعب الظروف. باختصار انا لا استحق أي لقب والشجاعة والجائزة هي حقيقة لهذا الشعب السوري المبهر.
تنقلتِ بين مناطق خطرة في سوريا ومسلحة واخترقتيها مع فريق الامم المتحدة من أجل تقديم المساعدات الانسانية ،بم كنت تفكرين وقتها ؟ هل انتابتك لحظات شعرت بها بوجوب التراجع؟
هذا ليس مكابرة او مزايدة الا انه لم تنتبني اية لحظة احسست فيها بأن علي التراجع رغم انه في بعض الاحيان كانت تأتي النصائح من العديد من الزملاء والاصدقاء وحتى المسؤولين بعدم المخاطرة في مناطق لا تسيطر عليها الدولة السورية او في مناطق تدور بها اشتباكات وقصف مستمر. ربما لانني كنت مع فريق من الأمم المتحدة هو الاخر رائع في تفانيه ورغبته في تخفيف معاناة الشعب السوري في ظل هذه الحرب الطاحنة. ربما لأن السوريين كانوا يمنحوننا دائما شيئاً من الأمان بإيمانهم و عزيمتهم وتصميمهم. ربما لانه حتى ولو كانت هناك تضحية، فهناك من هم يقدمون تضحيات أكبر من ذلك. لكن لا استطيع الا ان اشيد بزميلين كانا رفقتي في كل هذه المهمات وتلازمت انا وهما بشكل لا ينفصل فكنا أول الداخلين للمناطق تحاشيا لتعرض كل فريق الامم المتحدة و الهلال الاحمر السوري والصليب الأحمر الدولي الى أي مكروه. هذان الصديقان هما يعقوب الحلو المنسق المقيم للأمم المتحدة في سورية والمسؤول عن كل الملفات التنموية والإنسانية و الأمنية ومسؤول الأمن في الامم المتحدة محمد خفاجي الذي كان يتقدم موكبنا واحيانا ماشياً لوحده وسط ظلمة حالكة مخاطراً بحياته قبل أن يسمح بالمخاطرة لأي منا. لهما التحية والتقدير والصداقة الدائمة التي هي في رأيي الشخصي أهم بكثير من كل الصفات الاخرى فهما صديقين مدى الحياة ولهما ادين بحياتي وأي تقدير حصلت عليه فانا أتقاسمه معهما.
قسوة المناظر وضحايا الحروب التي كنت على مقربة منها في ساحة الأحداث هل أثرت قسوة هذه المشاهد عليك انسانيا وعلى قلم خولة الكاتبة الصحافية؟ وهل أثرت ف رقة قلمك وقلبك؟
لا اعرف ان كان قلمي رقيق وقلبي كذلك، ولكن كل هذه المشاهد زادتني اصراراً في إيماني الراسخ منذ سنين طويلة منذ أن اتخذت القرار بدراسة الصحافة والاعلام، وهو ان للصحافة الحقة الحرة المستقلة دور اساسي في نقل معاناة وآلام البشر اينما كانوا ومهما كانت اديانهم او انتماءاتهم أو آرائهم السياسية. ازددت التصاقاً بمعاناة البشر وعمقاً في معرفة معنى الحياة الحقة لا الحياة الهامشية المشوهة بتفاصيل من المظاهر الباهتة.
لكن علي الاعتراف بأن الآلام التي اقتربت منها ولامستها، بقيت بداخلي. كان يقال لي أحيانا وبعد عودتنا من مهمة صعبة فيما الفريق يجهش بالبكاء غير قادر على تحمل ما رأيناه من قسوة الحرب، ابكي و يرددون: لماذا لا تبكين؟ حتى ان صديقتي القريبة ورفيقتي في عملي في سورية كانت تقول ربما هي الصحافة التي خلقت منك هذه الانسانة القادرة على الاقتراب من المآسي دون ان تجعلها تؤثر بها. لم أحر جواباً ولكن بعد أشهر ولربما حتى الآن اجد نفسي اتحدث عن بعض من تلك المعاناة بألم لا يعرفه إلا من عاشه رغم اننا لم نعشه كما السوريين لكننا اقتربنا منه فقط. ماعاشه السوريون أقسى من ان يوصف أو أن يمر عابراً دون أثر يلازمنا لسنين قادمة.
الأديب الاميركي رالف ايمرسون يقول إن “اسوأ ما في الحرب أنها تستخدم افضل ما في الانسان لإحداث أسوأ ما يصيب الإنسان”. كيف تصفين الحروب من تجربتك معها؟
الضحايا هم الطرف الأضعف دائما وهم في ذلك يتساوون لدى كل الاطراف. النساء والاطفال هم أول الضحايا لأنهم لا يشاركون في مثل هذه الحروب الا قليل منهن او منهم وهم ايضا لا يملكوا قرار الحرب او السلام وفي نهاية الأمر يتعرضون لابشع الجرائم من قتل وموت تحت القاذفات والقنابل و اغتصاب للنساء فهذه وسيلة اصبحت، مع شديد الاسف، معتمدة كسلاح حرب كما حدث في سورية والعراق وكثير من الدول الاخرى ليس فقط على يد داعش التي سبت واغتصبت النساء بل وايضا على ايدي الكثير من الجماعات الاخرى حسب تقارير الامم المتحدة التي تحقق في مثل هذه الجرائم البشعة. ثم ان الاكثر تضرراً في الحروب هم الفقراء، الشريحة الضعيفة أصلا في أي مجتمع فلا هي تملك القدرة على الهرب ولا هي في الكثير من الاحيان تملك أي مدخرات لتساعدها في وقت الأزمات ولا تملك حتى ان تدافع عن نفسها. لا اعرف ان كنت اتفق مع رالف ايمرسون فكيف نستخدم افضل ما في الانسان ما هو ذاك الأفضل؟ العنف ، القتل، التشويه، التنكيل، الدمار، القسوة، والاعتقال، والتعذيب؟ كلها صفات مرادفة للحروب وكلها أبشع ما في البشر.
الحروب على العكس تخرج الى العلن أبشع ما في الانسان اما عبر تبرير الموت المجاني و القتل الجماعي للأبرياء أو اللامبالاة و الاكتفاء بالمحافظة على النفس او الأنانية التامة او الخضوع للحاجة وعمل كل ما في وسع الانسان لتلبية حاجاته وحاجات أسرته حتى لو كان في ذلك ابتذال وغش واهانة لآدميته وكرامته. هذا ما تجلبه الحروب لا الحرب السورية فقط. في الكثير من الأحيان، أعيد قرأة الحرب والسلام أو غيرها من روائع الادب العالمي والعربي حول الحروب في أزمان مختلفة لأجد ان التوصيف لا يختلف كثيراً فقط الادوات تزدادا قسوة و دمار حين يصبح العلم في خدمة الموت والقتل البطيئ حين تتباهى الدول المتقدمة في بيع اسلحتها المتطورة وطائراتها الحربية في معارض بمدن تعرف بمدن الحضارة. ألا يتسائل المرء كيف تتجاور الحضارة مع اسلحة الدمار؟
أكره الكتابة عن القتل والموت
ألا تفكرين في جمع قصص الحالات الانسانية التي عايشتها في كتاب؟
لا اعرف، سؤال صعب لأنني لازلت هناك في سورية ولأن الكثيرين ممن تقاطعت حياتي معهم لا زالوا أحياء في أمكنة مختلفة ولأنني احيانا اكره الكتابة عن الموت والقتل رغم ان اصدقائي وصديقاتي السوريات قالوا لي ان هذا من حق السوريين اي انه من حق السوريين الاطلاع على تفاصيل كل ما حدث والتي لا املكها حتماً، فكل ما لامسته هو جزء يسير من أزمة وحرب بشعه.
لنعد الى خولة مطر الصحافية، كنت أول رئيس تحرير لصحفية بحرينية وهي صحيفة “الوقت” ولكنها لم تستمر طويلا (مارس 2006- مايو 2010). كيف تصفين تجربتك هذه وهل كانت هناك صعوبة في تقبل إمرأة في منصب رئيس تحرير؟
المجتمع البحريني والخليجي عرف الصحفيات ورئيسات التحرير قبلي ولذلك لم يكن هناك اي ملاحظة او عراقيل على العكس وجدت تقبلاً في الكثير من الاحيان اكثر من الرجال رؤساء التحرير. كانت تجربة صحيفة الوقت رائعة ربما مثالية في بعض تفاصيلها. كانت جريدة لا منتمية في زمن الإعلام المباع للأمزجة السياسية والمصالح المختلفة. في زمن الإعلام المبتذل الذي لا يعنية سوى شكل من أشكال البروباغندا الممجوجة. حاولت “الوقت” ان تكسر إحتكار التيارات والتوجهات والامزجة وحاولت ان تكون حيادية بمعنى الكلمة رغم انني لا اؤمن بالحيادية فأنا لست محايدة عندما يكون الامر مرتبطاً بمصلحة الناس خاصة البسطاء منهم انا لست محايدة عندما اتحدث عن الفقراء و المهمشين والمعوزين. ولست محايدة عندما اتحدث عن قضايا بلدي و قضايا العرب ككل واولها الاحتلال الاسرائيلي لفلسطين. لست محايدة عندما تكون الثقافة حكراً على قلة ممن يعرفون ب “النخبة”. ولست محايدة عندما يعيش الجميع دون صوت ولا رأي. فكانت “الوقت” صوتاً لاولئك ومساحة لآراء متنوعة قد لا تكون في مجملها متفقة على كل شيئ ولكن تبقى قادرة على تقبل الاخر. لا اريد ان أضفي على “الوقت” مثالية من أي نوع، فلا يوجد عمل مثالي لكني كنت أرى فيها بارقة لمرحلة مختلفة من الاعلام البحريني وربما الخليجي على أقل تقدير. استطاعت “الوقت” ان تحرك المياه الراكده بالنسبة للصحف البحرينية الراكده في مواقعها التاريخية غير عابئة بتغيرات الزمن في الاسلوب و المضمون، فكان ان قامت معظم الصحف البحرينية بتغيير الكثير في الشكل والمتابعات. اتذكر ان “الوقت” بدأت بنشر خبر ثقافي على صفحتها الرئيسة هو متابعة لحدث حصل مساء او ليلاً قبل ارسال الجريدة للمطبعة، هنا ايضا حذت العديد من الصحف هذا النهج وبدأت مرحلة من التنافس الصحفي البريء من الضغائن والكلمات الجارحة والبذاءة.
بعد “الوقت” ماتت الصحف في البحرين خاصة وقد تبع ذلك اغلاق صحيفة “الوسط”. اسألي أي بحريني ما هي صحيفتك المفضلة اليوم (واتمنى ان يتقبله الكثير من الزملاء والزميلات كنقد بناء) ستكون الإجابة ربما هذه أو تلك فقط لمتابعة الأخبار المحلية والاطلاع على تطورات الاوضاع. الصحافة العربية ليست أحسن وكتاب الاعمدة تحولوا الى أبواق لحكومات وتيارات وخطاب كراهية مقيت منتشر على وسائل التواصل. مرض أصاب مجتمعاتنا واصابنا نحن المتابعين والمشاهدين بشيء من الغثيان. معذرة لكل ما قلت، لكني لا استطيع ان اكون على الحياد و ان اجامل عندما يتعلق بالصحافة و الاعلام.
برأيك هل اضاعت الصحافة النسائية بوصلتها وأصبحت بعيده عن هموم وقضايا المرأة الحقيقية ؟
بالتأكيد منذ سنين هي صحافة سطحية وليست هي الوحيدة في ذلك فقد كتبت العديد من الدراسات حول هذا الموضوع وكيف ان حتى البرامج التلفزيونية المخصصة للنساء تتسم بالتبسيط و التسطيح والاغراق في الادوار التقليدية للمرأة. فكل التركيز هو على الازياء و المظاهر والاكسسوارات و الطبخ وكأن الصحافة النسائية في عالم ونسائنا في كوكب اخر. كأنه لا توجد ام محمد التي تشقى في يومها الطويل من اجل لقمة عيشها و ستر أبنائها. ولا توجد هاتيك الفتيات المتعلمات المطلوب منهن ان يساهمن في مصروفات العائلة وان يستمررن في تحمل أعباء الأم والأخت والبنت التقليدية فيما يحتسي الرجال القهوة والشاي في المقاهي. صحافة نسائية لا تعرف أي من الهموم المتجددة للمرأة العصرية وليس فقط المرأة البسيطة بل حتى تلك الثرية المستقلة اقتصاديا و لكنها لا تزال تابعة. اين تلك الصحف من كل ذلك؟ صحافة مقتصرة على الاثارة و الترويج للنماذج السهلة في الربح السريع و الاغراق في انماط الاستهلاك و اخبار النجوم والنجمات من زواج و طلاق وعلاقات بل وحتى شجارهن و”خناقاتهن”.
احيانا اتصور ان مقولة ان الجمهور يريد ذلك بمعنى ان المرأة العربية تريد التفاهة والتسطيح لايمكن ان تكون قابلة للتعميم، فهناك بالطبع من هن كذلك، لكن الكثرة منهن تتعب وتشقى في ايامها ولياليها وتبحث عن من يدرك حجم معاناتها.
• بدور المطيري هي رئيس تحرير صحيفة “برواز” الالكترونية (الكويت). تنشر هذه المقابلة بالتزامن مع صحيفة “الجريدة” و”الأنباء” الكويتيتان وصحيفة “المصري اليوم” المصرية و”غلف نيوز Gulf News ” الاماراتية وموقع “شاهد” وموقع وكالة سوا في فلسطين.