بعد عام على استشهاد ليث الخالدي، تكتب شقيقته تفاصيل يوم فراقه
تفاصيل يوم استشهاد ليث، مع أنه مرق سنة، بس حاسة هاد اليوم كأنه مبارح، ما تغيّر اشي، والوقت ما بخفف الوجع، والاشتياق لسا بزيد.
صحينا يوم الجمعة 31ـ7ـ2015 متل كل جمعة. كان ليث موصي بابا قبل بليلة على فلافل، فقبل ما يصحى ليث، طلع أبوي ليشتريله. قام ليث تحمّم وجهزنا الفطور، وبعدها سمعنا الخبر السيئ: حرق عائلة الدوابشة. متل كل الفلسطينية، انقهرنا كتير، واجتمعنا بالمطبخ لنفطر آخر فطور مع بعض، وليث بحكي لإمي: «ليش حرقوه؟ طفل صغير، ليش؟».
بوقتها، ليث فتح أغنية «ودعتك يما وَيا مصعب رحيلك». راحوا ع صلاة الجمعة، وبعدها رجعوا عالبيت. ليث فتح حسابه عالفيسبوك، ونزل صورة «حرقوا الرضيع»، وكان البيت هدوء. طلعوا يزن وليث، ولأن الوضع كان مش طبيعي، والمواجهات بكل مكان، كنّا خايفين. اتصلت أمي بليث تسأله عن أخو يزن، فحكى: ما بعرف، اتصلي فيه وشوفي. ما كنّا متوقعين إنّو ليث يروح ع مواجهات.
بعدها، أنا فتحت أحضر «التغريبة الفلسطينية»، وأمي بتقرأ كتاب اسمه «ذائقة الموت»، ويزن روّح عالبيت، وحكى: بدي أروح أشوف ليث. كان مفكرو بالبيت ع الكمبيوتر. وهو رايح، رنّ تلفونه، فبحكولو ليث اتصاوب. صار يصرخ، وأمي بتحكيلو: ولَك مين ليث؟ شو دخلك ليحكولك؟ أبوي بحكيلها: ليث ابنك! أنا بهاد الوقت بطّلت مستوعبة شو بصير ليث! أخوي تصاوب؟ وانفجرت لأَنِّي خايفة عليه يتوجّع من الإصابة، بس ما توقعت ولا حتى ١٪ نروّح من المستشفى بدونه. كانوا الناس يحكولي: مش خطيرة، عشان يخففوا عني. وأنا بالطريق، كنت أفكر لمّا أوصل إذا بدي أبهدل ليث عشان راح المواجهات، وبعدين أحكي: لا خلص، المهم سلامته، بدي أحضنو، والمهم ما يعيدها.
بالمستشفى، استنينا ساعات وساعات وليث لسا بالعملية. وأضل اسأل: ايمتا بدو يطّلع؟ خلص بكفي! طلعوا يمكن بنص الليل، وأنا لما شفتو كله أجهزة انهرت. وقتها استوعبت إنّو خطيرة الإصابة، بس ما توقعت إنّو يستشهد برضو. دخل عالعناية المكثفة بعد نصف الليل، وبعدها صاروا الناس يصرخوا: «لا إله الا الله والشهيد حبيب الله». يا الله ع هاي اللحظة ألمها رح يضلّ عايش معي طول حياتي. حسّيت كأنها طلعت روحي. وما ببالغ، طلوع الروح أسهل.
انهدّ حيلي. عمري ما حسّيت بهالإحساس، بهالتعب، ما بينوصف. والله ما استوعبت ليث أخوي الصبح كان معي، ومبارح ضليت ملزقة فيه، وطلعتو معي برا، وصار يصوّرني ونضحك ونحكي! قبلو، كنّا بمهرجان «ليالي بيرزيت»، شافني بالصدفة وإجا قعد عندي، أكلنا مع بعض «كريب»، وصار يحكيلي بمزح: «شوي شوي فضحتينا». طب ليث لسا بدري، ما شبعت منو، راح ليث راح؟؟
دخّلوني عندو، كان غافي. حضنتو، وكل أواعيه صاروا من دمه. كنت أحكيلو إصحى، بس ما يردّ عليّ. أصعب موقف كان وأنا حاضنتو وهو مستشهد، انفكت الأجهزة، فقمت بسرعة أرجعها وأربط جهاز التنفس، وكل الموجودين بطلعوا بدون ما يعملوا أشي. فبعدها، استوعبت إنّو ليث خلص، راح. مرقت باقي الليلة وأنا مخدرة ع تخت في المستشفى.
طلع الصبح، وجابوا ليث عالبيت لنودّعه. بس هالمرة ليث ما فتح الباب، وما حكالنا «سلام». كان محمول عالأكتاف، نام ع تخته، أكتر مكان بحبه. نمت جمبو، وحكيتلو: بدري يا ليث، أنا كيف بدي أعيش بدونك. بعد بلحظات، طلعوه. كانت آخر مرة يطّلع فيها من بيتو.
برصاصة غادرة من جندي حقير، انقلبت حياتنا. ما عاد للفرح مطرح بحياتنا. صار البكاء والعياط جزء من يومنا. بطّل في معنى لعيشتنا. طول الوقت شايفة حسرة ودمعة أمي، انكسار أبوي وأخوي، وأختي الطفلة شافت الهمّ بدري كتيير. ليث، بالوقت اللي كل الناس كانوا بتفرجوا على حرق الرضيع، هو انقهر وقرر يثأر، وأثبت أنه أطفال الحجارة هم الأسود. ارتقى شهيد.. وحسب ما وصلنا، عند الحاجز حكوا: زي ما حرقو الدوابشة، بدنا نحرقهم. بعد بيوم وصلني إسوارته. كان موصي وقت ما اتصاوب وحاكي: «إعطي أسوارتي لأختي». أخخ حبيبي يخوي، أنا لهلأ الأسوارة بإيدي، ولا يوم شلحتها. وليث كان طول الطريق بيتشاهد.
وجعنا مش بس ب 1-8، كل يوم بدون ليث كان صعب. مرقت علينا سنة، تعبنا وبكينا كتير فيها، وكان في أيام تفتح المواجع أكتر، متل أول يوم مدرسة، وأول عيد، وأول عيد ميلاد لليث، وأول رمضان بدونه. كل مناسبة، وكل يوم للفرح، كان حزن علينا.
اللي صبّرنا بعد استشهاد ليث بأيام، كنّا بنزوره بقبره. فطلعت من ترابه ريحة يا الله شو هالريحة، متل المسك. وأنا لليوم عندي تراب محتفظة فيه لسّا ريحته معطرة. ليث، إنت شهيد. حبيب الله وحبيب روحي. إنت الحي إنت شفيعي. إنت زدتني فخر، وإنت أغلى حدا على قلبي، ومتأكدة إنك بألف خير، ومبسوط، وبدك يانا نكون صابرين. متأكدة إنو روحك دائماً كانت تزورنا وحوالينا.. بحبك ليثي.
�#�كرمل�
رابط قصير:
https://madar.news/?p=3949