تجارةُ الأبحاثِ العلميةِ.. البكالوريس 150 دولارًا والماجستير بألفِ دولارٍ .. يا بلاش!!!
تحقيق /هاجر حرب
تجارةُ الأبحاثِ العلميةِ.. على عينك يا تاجر
البكالوريس 150 دولارًا والماجستير بألفِ دولارٍ .. يا بلاش!!!
أساتذةُ الجامعاتِ يتعامونَ ويصرونَ على البحثِ العلميِّ رغمَ يقينهم بسرقتِهِ وعدمِ بذلِ الطالبِ مجهودٍ فيه.
المكتباتُ في غزةَ للتجارةِ بالعلمِ وسرقةِ الأبحاثِ وبيعِها لطالبيها
وزارةُ التربيةِ والتعليمِ: كلُ مكتبةٍ يثبُتُ تورطُها بممارسةِ تجارةِ الأبحاثِ العلميةِ ستُحالُ أوراقُها للنيابةِ العامّةِ
جولةٌ سريعةٌ على عددٍ من المكتباتِ التي تنتشرُ في محيطِ مقرِّ الجامعاتِ، كفيلةٌ بأن تكشفَ لك عن حجمَ تدفقِ الطلبةِ نحوَ شراءِ الأبحاثِ العلميةِ، فيما باتَ يُعرفُ “بتجارةِ الأبحاثِ العلميةِ”
أسلوبٌ جديدٌ، يسلكُه طلابُ الجامعاتِ، ويشدُّ على يدهم فيه، من باتوا معروفين بأنهم تجّارُ الأبحاثِ العلميةِ، والهدفُ هو إجراءُ بحوثٍ علميةٍ للطلابِ الخريجينَ، وأولئكَ المسجلينَ في برامجِ الدراساتِ العليا” الماجستير”، وبشكلٍ يحققُ أرباحاً خياليةً للقائمينَ على هذهِ المهنةِ الجديدةِ كما تبينَ لنا لاحقاً، في ظل غيابٍ واضحٍ لدورِ الجهاتِ المختصة.
صلاحياتٌ تائهة
فما بينَ بلديةٍ تقدمُ تسهيلاتٍ للحصولِ على التراخيصِ اللازمةِ لكلِّ من يرغبُ في افتتاحِ محال ( مكتبات) ، وبينَ وزارةِ الاقتصادِ التي يقفُ دورُها عندَ حدودِ منحِ التراخيصِ للراغبينَ في البدءِ بمشاريعَ ربحيةٍ تحتَ مسمى شركاتٍ أو أفرادٍ.
وبينَ دورِ وزارةِ الثقافةِ التي تبينَ أنَّ حدودَ مهامِّها في الرقابةِ على عملِ المكتباتِ يتعلقُ بشكلٍ رئيسٍ في طباعةِ الكتبِ على اختلافِ أنواعِها، و وزارةِ التربيةِ والتعليمِ التي ينصُّ قانونُ التعليمِ العالي رقم (11) لسنة 1998، في المادة (5) على أن” وزارةَ التربيةِ والتعليمِ مخولةٌ وَفقَ أحكامِ القانونِ والأنظمةِ التي تصدرُ بمقتضاهُ بالإشرافِ على عملِ مؤسساتِ التعليمِ العالي، ومراكزِ الأبحاثِ العلميةِ، “لا” تندرجُ المكتباتُ تحتَ هذا المسمى
أمام هذا كلِّهِ تتوهُ المسئولياتُ، والمهامُّ الرقابيةُ، ويبقى القولُ الفصلُ في الميدانِ التعليميِّ، لأصحابِ المكتباتِ، وتجارِ العلمِ.
تسليطُ الضوءِ على واقعِ بيعِ الأبحاثِ العلميةِ،( التجارةِ الأكثرِ رواجاً) بينَ طلابِ الجامعاتِ وأصحابِ المكتباتِ، كانَ يتطلبُ منا إثباتَ حالةٍ نتمكنُ منْ خلالِها التحققَ منْ صحةِ ما تواردَ إلى مسامِعنا.
طرفُ الخيط ِ الأولُ
الزيارةُ الأولى كانت لمكتبةٍ ادعيتُ وبرفقتي أحدُ طلابِ كليةِ الإعلامِ، الذي رافقني في هذه المهمةِ، حاجتَنا الماسةَ لإعدادِ بحثِ تخرجٍ مشتركٍ، بحجةِ أننا في السنةِ الرابعةِ منَ الجامعةِ ولم يعدْ لدينا منَ الوقتِ ما يدفعُنا لإعدادِه بأنفسِنا، كما تظاهرْنا كذلك بأننا الطالبان الأكثرُ كسلاً ولا نملك الرغبةَ في أن نرهقَ أنفسَنا من أجلِ بحثِ تخرجٍ لن يكلفَ مشرفٌ (الأكاديمي) نفسَه جَهْداً للاطلاعِ على مضمونه.
لاستلامِ بحثِ تخرجِ بشكلٍ كاملٍ، عليك أن نُقدمِ مبلغَ مالي قدره مائتيْ شيكل ( نحوَ 50 دولاراً).
استقبلنا صاحبَ المكتبةِ بكثيرٍ من السعادةِ الممزوجةِ بالخوفِ (نمثلُ مصدرَ ربحٍ إضافيٍّ)، كان يتحدثُ إلينا بشكلٍ متقطعٍ، ويحاولُ أن يخفيَ وراءَ نظراتِهِ ريبةً من أن يُذاعَ بينَ الطلبةِ المتواجدينَ في المكتبةِ عن سرِّ مهنتِهِ التي تحققُ لهُ كما تبينَ لنا لاحقاً ربحاً ليسَ بالهيِّنِ، طارحاً علينا سؤالاً حول تخصٌّصنِا الجامعيِّ، والمدةِ الزمنيةِ المتاحةِ أمامنا لتسليمِه، مقدِّماً عرضاً بأنْ يقدِّم لنا مقترحاً لمجموعةِ عناوينَ بحثيةٍ، نختارُ منها ما يتناسبُ مع رغبتِنا، مُمهلاً إيانا أسبوعيْن إضافييْن من أجلِ العودةِ مجدداً لاستلامِ بحثِ التخرجِ بشكلٍ كاملٍ، شريطةَ أن نُقدمِ له مبلغَ مائتيْ شيكل ( نحوَ 50 دولاراً).
لم يكنْ هذا آخر ما اتفقنا عليه معَ صاحبِ المكتبةِ، ثمةَ اتفاقٌ آخرُ حولَ إمكانيةِ المساهمةِ في إعدادِ رسالةِ ماجستير، تظاهرنا أنها لشقيقةِ معدةِ التحقيقِ، التي لا زالتْ في مرحلةِ وضعِ خطةِ البحثِ، بقسمِ العلومِ السياسيةِ بجامعةِ الأزهرِ، وافقَ بهمسٍ على طلِبنا، ودونَ الدخولِ في التفاصيلِ، طلبَ أن تزورَه صاحبةُ الرسالةِ كي يناقشَها في التفاصيلِ ( محتوى الرسالةِ والمبلغِ المقررِ)، وبعدَ إلحاحٍ منا لمعرفةِ السعرِ ولو بشكلٍ مبدئيٍّ قالَ ” من 500 دولار إلى نحوِ ألفِ دولار وقدْ يزيدُ قليلاً)، ودعناهُ وحملْنا معنا طرفاً لخيطٍ لا يبدو أنه انقطعَ بمجردِ مغادرتِنا لمكتبتِه.
ونظراً لأنَّ المبلغَ المطلوبَ لإعدادِ رسالةِ الماجستير ليسَ هيناً، فقد شدَّدَتْ معدةُ التحقيقِ على ضرورةِ أن تخلوَ الرسالةُ (المفترضُ إعدادُها لشقيقتِها)، من أيِّ سرقاتٍ علميةٍ عبرَ شبكةِ الإنترنت، وأن تتحلى بالأصالةِ والحداثةِ بفكرتِها وصياغتِها، ومصادِرِها، وطريقةِ معالجتِها، ليبادرُ صاحبُ المكتبةِ بالتشديدِ على عدم ِاعتمادِهِ على الإنترنت، بل يرتكزُ عملُه بشكلٍ رئيسٍ على جمعِ المراجعِ العلميةِ بصورةٍ بحتةٍ، مع ضمانِ عدمِ قدرةِ المناقشينَ على كشفِ عدم إعدادِ الطالبةِ للرسالة!!
تجارةٌ رابحة
وعلى بعدِ عدةِ أمتارٍ قليلةٍ منه، وفي أحدِ الشوارعِ الترابيةِ المنزويةِ عنِ الطريقِ العامِّ، علمنا أنَّ أحدَهم يمارسُ تجارةَ الأبحاثِ العلميةِ بمهارةٍ فائقةٍ، وصلنا إليها دونَ عناءٍ، واصطففنا في طابورٍ طويلٍ، وسطَ جموعِ الباحثينَ الذينَ جاؤوا لإجراءِ تعديلاتٍ على بحوثٍ علميةٍ أجراها لهم، وحينما وصلنا الدورُ، تظاهرنا مجدداً بحاجتِنا الماسةِ لبحثِ تخرجٍ تأخرنا في تسليمِهِ للجامعةِ من الفصلِ الدراسي الفائتِ، ولم يعدْ لدنيا مزيدٌ منَ الوقتِ.
ما دفعنا لادعاءِ أننا متأخرونَ في بحثِنا، هو أن زيارتَنا له كانت معَ بدايةِ الفصلِ الدراسيِّ الأولِ من العامِ الدراسيِّ 2016-2017، ولم يكن منَ المنطقيِّ الحديثُ عن بحثِ تخرجٍ في مطلعِ الفصلِ!!
سألنا عن التفاصيلِ الخاصةِ بنا، كي يضعَها على واجهةِ البحثِ، قبلَ أن يسألنا عن مضمونِهِ!! لكنَّه هوَ الآخرُ قدمَ مقترحاً بتقديمِ جملةِ عناوينَ لأبحاثٍ علميةٍ يدّعي أنها لم تُجرَ بحوثٌ علميةٌ حولها من قبل، مقابلَ أربعمائة شيكل (105 دولار تقريباً) على أن يسلمنا البحثَ بعدَ شهرٍ من تاريخِه، وعندَ إلحاحنا عليه في استعجالِ المسألةِ، بسببِ ضيقِ الوقتِ اختصرَ المدةَ الزمنيةَ إلى أسبوعيْن فقط، ولكنْ بزيادةٍ ماليةٍ ليصبحَ المبلغُ المطلوبُ هو 550شيكل(150 دولار تقريباً)، مقدّماً وعوداً وضماناتٍ أكيدةً بأن يكونَ العملُ النهائيُّ متقناً ومميّزاً وخالياً من أي أدلةٍ على وجودِ أيِّ سرقةٍ علميةٍ!
لم نكتفِ بزيارتيْن فقط، تواردَ إلينا نبأُ مكتبتيُن أخرييْن تمارسان العملَ ذاتَه، زرنا أحدَها وهي على مقربةٍ من سابقتِها، لكنَّ صاحبَ المكتبةِ نفى بشكلٍ كاملٍ بيعَ البحوثِ العلميةِ، وأكدَ رفضَه القاطعَ ممارسةَ هذا النوعِ منَ التجارةِ كما وصفَها، لكنَّه لم ينفِ وجودَ الظاهرةِ، بلْ أكدَ وبشدةٍ على أنَّ السببَ وراءَ الانتشارِ الواسعِ والكبيرِ للمكتباتِ في محيطِ الجامعاتِ الفلسطينيةِ على مستوى قطاعِ غزةّ، رُبَمَا يكونُ لممارسةِ هذهِ المهنةِ.
وليس ببعيدٍ عنه، طرقنا بابَ مكتبةٍ أخرى، كانَ أحدُ العاملينَ فيها يجلسُ خلفَ حاسوبِهِ ويجري تعديلاتٍ على بحثٍ علميٍّ لطالبةٍ تجاورُهُ في الجلوسِ، ولكننا لم نتحققْ مما إذا كانتِ طالبةَ بكالوريوس أم ماجستير، حاولنا سؤالَه عما إذا كانَ بالإمكانِ مساعدتُنا في إعدادِ بحثِ تخرجِنا، لكنَهُ أنكرَ بشكلٍ قاطعٍ قيامهُ بمثلِ هذا الفعلِ، مقترحاً لنا عنواناً لمكتبةٍ يقولُ إنَّهُ تنامى إلى مسامِعِهِ أنها ربما تعدُّ الأشهرَ في بيعِ الأبحاثِ العلميةِ، قبلَ أن تبادرَ الطالبةُ المتواجدةُ إلى جوارِهِ بمنحنا اسماً لشخصٍ تقولُ إنَّهُ يشتهرُ ببيعِ الأبحاثِ العلميةِ، لكنَّ مكتبتَه تقعُ في محيطِ جامعةِ القدسِ المفتوحةِ بمنطقةِ النصرِ غربَ مدينةِ غزةَ، حاولتْ مساعدتَنا في الحصولِ على وسيلةِ تواصلٍ معَه، لكنَّها لم تجدْ، مؤكدةً ً أنَّ زيارةً واحدةً لمحيطِ الجامعةِ هناكَ كفيلةٌ بأنْ نستدلَ دونَ عناءٍ عليه.
يحصلُ أحدُ الأكاديميينَ المتخصصينَ في مجالِ الإحصاءِ على مبلغِ 50 شيكل، نظيرَ مساعدةِ المكتبةِ في إعدادِ الجوانبِ الإحصائيةِ
زارتْ معدةُ التحقيقِ بالفعلِ عدداً من المكتباتِ المتواجدةِ في محيطِ جامعةِ القدسِ المفتوحةِ، واحدةٌ منْ هذهِ المكتباتِ طلبنا منها إعدادَ بحثِ تخرجٍ لتخصصِ التعليمِ الأساسيِّ، باتفاقٍ ماليٍّ وصلَ بحسبِ صاحبِ المكتبةِ إلى 350شيكل(100 دولار) ، يحصلُ أحدُ الأكاديميينَ المتخصصينَ في مجالِ الإحصاءِ على مبلغِ 50 شيكل، نظيرَ مساعدةِ المكتبةِ في إعدادِ الجوانبِ الإحصائيةِ في أيِّ بحثٍ.
صاحبُ المكتبةِ الذي قدمَ لمعدةِ التحقيقِ عدداً منَ العناوينِ البحثيةِ وأشارَ لها بعدمِ اختيارِ واحدٍ منها لأنَّهُ أعدَّ لأكثرَ من طالبٍ، لمْ يكتفِ بهذا فحسبْ، بلْ أشارَ إلى معدةِ التحقيقِ باختيارِ مدرسٍ ليّنٍ في التعاملِ، لا يسرفُ بالتعديلِ على الأبحاثِ المقدمةِ له، مرجعاً ذلكَ إلى أنَّ عددًا من الأكاديميينَ يعدلونَ على البحوثِ لأكثرَ من مرةٍ، وهوَ ما يرهقُ أصحابَ المكتبةِ في إعادةِ إجراءِ التعديلاتِ، ويستهلكُ وقتاً أطولَ بحسبِهِ، في المقابلِ فإنَّ آخرينَ لا يتابعونَ بشكلٍ جيدٍ مضمونَ الأبحاثِ العلميةِ، ما يعني أنَّ المجالَ سيكونُ مفتوحاً أمامَ المكتباتِ لإجراءِ أكبرِ عددٍ منَ البحوثِ العلميةِ.
صاحبُ المكتبةِ وعندَ سؤالِنا عن أعدادِ المتوافدينَ منَ الطلابِ لإجراءِ البحوثِ العلميةِ بشكلٍ كاملٍ، قال” لن أكونَ مبالغاً إن قلتُ لكِ إنَّ 95% من طلابِ الجامعةِ يعتمدونَ على هذهِ الطريقةِ، وإذا أردتُ أنْ أكونَ متواضعاً في النسبةِ فإنَّها لن تقلَّ عن 92%”.
أخلاقياتٌ ضائعة
اكتفينا بهذا القدرِ، وتوجهنا بسؤالِنا إلى وزارةِ الاقتصادِ الوطنيِّ، التي أكدتْ على لسان مديرِ عامِّ تسجيلِ الشركاتِ عبد الله أبو رويضة أنَّ حدودَ مسؤولياتِ وزارتِهِ تقفُ عندَ منحِ التصاريحِ اللازمةِ لكلِّ منْ يرغبُ في افتتاحِ مشروعٍ تجاريٍّ ربحيٍّ، بغضِّ النظرِ عن طبيعةِ هذهِ التجارةِ.
إجماليَّ عددِ المكتباتِ المسجلةِ في وزارةِ الاقتصادِ هي خمسَ عشْرةَ مكتبةً فقط، خمسةٌ منها تحتَ مسمى شركاتٍ
وأشارَ إلى أنَّ إجماليَّ عددِ المكتباتِ المسجلةِ في وزارةِ الاقتصادِ هي خمسَ عشْرةَ مكتبةً فقط، خمسةٌ منها تحتَ مسمى شركاتٍ، وهي النهضةُ، آفاقٌ، الأرقمُ، النصرُ، والمكتبةُ الإعلاميةُ، فيما قيدتْ عشرُ مكتباتٍ أخرى على أسماءِ أشخاصٍ لا شركات.
وزارةُ التربية ِوالتعليمِ وفي دليلِ أخلاقياتِ البحثِ العلميِّ الصادرِ عن مجلسِ البحث ِالعلميِّ التابعِ لوزارةِ التربيةِ والتعليمِ عامَ 2009، والذي جاءَ من أجلِ ترسيخِ أخلاقياتِ البحث ِالعلميِّ، لضمانِ عمليةٍ بحثيةٍ سليمةٍ ونزيهةٍ وراقيةٍ، دعا تحتَ بندِ الموضوعيةِ في النشرِ إلى أنَّ الأبحاثَ والكتبَ أو أيَّ أعمالٍ أخرى تكونُ عرضةً للنشرِ ينبغي أنْ تسلكَ طريقاً تلتزمُ فيهِ بالأمانةِ، والموضوعيةِ والحذرِ في الكتابةِ، والتحكيمِ، والنشرِ.
وتعرفُ الملكيةُ الفكريةُ وفقَ المنظمةِ العالميةِ للملكيةِ الفكريةِ ( الويبو)؛ بأنَّها حقوقُ امتلاكِ أشخاصٍ الأعمالَ الفكريةَ الإبداعيةَ، أي الاختراعاتِ، والتصنيفاتِ الأدبيةَ، والفنيةَ، والرموز،َ والصورَ والنماذجَ والرسوماتِ الصناعيةَ التي يؤلفونها ، وهي ما يتعدى عليهِ أصحابُ مهنةِ تجارةِ الأبحاثِ العلميةِ.
الدليلُ كذلكَ قدمَ توصيةً إلى عماداتِ البحث ِالعلميِّ في المؤسساتِ التعليميةِ، من أجل ِتعميمِ القوانينِ والتشريعاتِ الفلسطينيةِ المتعلقةِ بحقوقِ الملكيةِ الفكريةِ، والعملِ على تثقيفِ مجتمعِ الجامعة ( أكاديميينَ، وإداريينَ، وطلبةً) بأوجهِ السرقةِ العلميةِ، وتحديدِ عقوبِتها، بل وتشديدِ العقوباتِ على الانحرافاتِ العلميةِ مثلَ السرقاتِ العلميةِ!
أكاديميونَ بعضُهم تُجار!!
على الجانبِ الآخرِ أجريْنا مقابلاتٍ معَ عددٍ منَ الطلاب (الذينَ فضّلوا عدمَ ذكرِ أسمائِهم)، وقالوا إنه منَ السهلِ الحصولُ على أيِّ بحثٍ علميٍّ بمجردِ امتلاكِ المبلغِ الماليِّ، وأنه ليسَ منَ الصعبِ التعرفُ على الممارسين لهذه المهنةِ، أولاً لانتشارِها الواسعِ، وبصورةٍ لافتةٍ، حتى أن بعضَ المكتباتِ تضعُ إعلاناتٍ علنيةً تدعو فيها الطلبةَ لإنتاجِ أبحاثٍ علميةٍ منْ خلالِ زيارةِ مكتبتِه.
أما الجزءُ الأهم ُبحسبِهم هو أنهم في كثيرٍ من الأحيانِ يستجيبونَ لطلبِ مدرسِ المادةِ ( مناهجِ البحثِ العلميّ) الذي يشيرُ إليهم صراحةً بضرورةِ التوجهِ إلى مكتبةٍ بعينِها من أجلِ إعداِد بحثِ التخرجِ من بابِ النصيحةِ حيثُ تكونُ هذهِ المكتباتُ أكثرَ درايةً بإعدادِ البحوثِ العلميةِ،، معتقدينَ أنَ مصلحةً ما تربط بينَ الأكاديميينَ، ومُلاكِ تلكَ المكتباتِ، مرجعين َالسببَ في ذلكَ إلى طباعة الأكاديميينَ الكتبَ المقررةَ في المساقاتِ الجامعيةِ عندَ مكتباتٍ بعينِها، ويجري الاتفاقُ لاحقاً إلى حثِّ الطلابِ على التوجهِ لذاتِ المكتبةِ لإعداِد البحوثِ.
غيابُ الرقابةِ الحقيقيةِ على عملِ تلكَ المكتباتِ، شجعَ على استغلالِ حاجاتِ الطلابِ
غيابُ الرقابةِ الحقيقيةِ على عملِ تلكَ المكتباتِ، شجعَ على استغلالِ حاجاتِ الطلابِ وانتهاكِ الحقوقِ العلميةِ للآخرينَ، وَفقَ ما يؤكدُ وائلْ بعلوشة مديرُ الائتلافِ من أجلِ النزاهةِ والمساءلةِ (أمان)
بعلوشة أضافَ أنُّ انتهاكَ الحقوقِ العلميةِ، يحولُ التجارةَ في الأبحاثِ العلميةِ إلى كرنفالٍ لمخالفةِ القانون، سواءٌ ما يتعلقُ بمراقبةِ جهاتِ الاختصاصِ لعملِ تلكَ المكتباتِ، أو معاقبةِ الممارسينَ لتجارةِ البحوثِ العلميةِ، محملاً جزءاً من المسؤوليةِ للهيئاتِ التدريسيةِ التي تتهاونُ في جودةِ الأبحاثِ العلميةِ المقدمةِ من الطلبةِ كمتطلباتٍ للمساقاتِ المختلفة.
بيعُ الأبحاثِ إلكترونياً
التعاطي مع الأبحاثِ العلميةِ على أنها وجباتٌ سريعةٌ، يسهلُ على من شاءَ قضمَها عبرَ المكتباتِ ومراكزِ الأبحاثِ السريعة، يشكلُ حالةً خطيرةً، تستوجبُ تشديدَ العقوباتِ من الجامعاتِ، ووزارةِ التربيةِ والتعليمِ، وعدمَ التهاونِ معَ المخالفينَ، وإحالَتهم للقضاءِ لمعاقبتِهم على الاعتداءِ على الملكيةِ الفكريةِ وحقوقِ المؤلفين.
فالحالُ ببعضهم وصلَ إلى حدِّ الإعلانِ صراحةً عن اتجاره بالأبحاثِ العلميةِ، ليس فقط بملصقاتٍ وإعلاناتٍ تنتشرُ على جدرانِ المكتباتِ، بل تجاوزَ ذلكَ للإعلانِ عبرَ مواقعِ التواصلِ الاجتماعيِّ (الفيس بوك)، عن صفحاتٍ متخصصةٍ لبيعِ وتجارةِ الأبحاثِ العلميةِ، ولكن بثوبٍ مختلف.
واحدةٌ من تلكَ الصفحاتِ، تواصلنا معها وطلبنا من القائمين عليها مساعدتَنا في إعدادِ بحثِ تخرجٍ، وحصلنا على الموافقةِ نظيرَ مبلغِ ألفِ شيكل (300دولار)، لبحثِ البكالوريوس، و1100 دولارٍ للإطارِ النظريِّ لرسائلِ الماجستير، معَ وجودِ تكاليفَ إضافيةٍ تحددُها أداةُ الدراسةِ المستخدمةِ.
الصفحةُ ذاتُها، تستقطبُ متخصصينَ في مجالِ البحثِ العلميِّ، وتشترطُ في معظمِها على الراغبينَ في التقدمِ أن يكونَ حاصلاً على درجةِ الماجستير وفي تخصصاتٍ مختلفةٍ، وفي إعلاناتٍ أخرى تصرّحُ لزبائِنها بأنَّ بإمكانِهم الحصولَ على إطارٍ نظريٍّ لأيِّ بحث ٍعلميٍّ، في مدةٍ تتراوحُ ما بينَ 20-30 يوماً، منْ تاريخِ تحويلِ 50% من رسومِ العملِ عبرَ خدماتِ التمويلِ الماليِّ الإلكتروني، أو البريديِّ حسبَ الاتفاقِ المسبقِ.
غيابُ القانون
أما فيما يتعلقُ بالمسؤوليةِ الجزائيةِ والعقابِ فإنَّ التشريعاتِ الجزائيةَ قاصرةٌ من حيثُ المبدأِ، إذ إن قانونَ حقوقِ التأليفِ المعمولِ بهِ في فلسطينَ قانونٌ يعودُ إلى العهدِ الانتدابيِّ، وقد صدرَ عامَ 1911م ولم يُجرَ عليه أيُّ تعديلٍ بعد، ولم يصدرْ قانونٌ جديد.
العقابَ الجزائيَّ في تلكَ الأحوالِ لا يتعدى الغرامةَ التي قيمتُها (50) جنيهاً فلسطينياً، وهي عقوبةٌ ساقطةٌ
ويشيرُ هذا القانونُ، في فصلِهِ الأولِ، إلى طرقِ المقاضاةِ الحقوقيةِ والجزائيةِ بشأنِ الاحتيالِ والسرقةِ الأدبيةِ، غيرَ أنَّ العقابَ الجزائيَّ في تلكَ الأحوالِ لا يتعدى الغرامةَ التي قيمتُها (50) جنيهاً فلسطينياً، وهي عقوبةٌ ساقطةٌ على أرضِ الواقع.
كما أن قانونَ العقوباتِ الساريَ في العامِ 1960 هو أيضاً قانونٌ قديمٌ يعرّفُ السرقةَ بمفهومٍ ماديٍّ، وتعني “أخذَ مالِ الآخر ِالمنقولِ دونَ رضاهُ”، ويمكنُ تطويعُ هذا النصِّ العقابيِّ في التطبيقِ القضائيِّ بحيثُ يشملُ “المنفعةَ” فيما يخصُ السرقاِت الأدبيةَ، وهذا ينطبقُ على فصلِ الاحتيالِ في قانونِ العقوباتِ، لأننا هنا أمامَ حالاتِ “احتيالٍ وسرقةٍ” تتمُّ بالاشتراكِ الجُرمي، بشكلٍ رئيسٍ، بينَ بعضِ الطلبةِ ومكاتبِ الخدماتِ الجامعيةِ فيما يخصُ الأبحاثَ العلميةَ وأبحاثَ التخرج.
حملنا ما استطعنا التوصلَ إليه وتوجهنا لوزارةِ التربيةِ والتعليمِ، التي أقرتْ على لسانِ الوكيلِ المساعدِ د. أيمن اليازوري بوجودِ خللٍ في إدارةِ ومتابعةِ عملِ المكتباتِ، محملاً في الوقت ِذاتِهِ جزءاً أكبرَ منَ المسؤوليةِ عماداتِ البحثِ العلميِّ للجامعاتِ، التي تتهاونُ برأيِهِ في التعاطي معَ الأبحاث ِالعلميةِ المقدمةِ لها سواءٌ منْ طلابِ البكالوريوس، أو الماجستير
اليازوري قال: لا نعفي أنفسَنا كوننا الوزارةَ منَ المسؤوليةِ في متابعةِ عملِ تلكَ المكتباتِ، لكننا حقيقةً أمامَ مشكلةِ صلاحياتِ القانون، فلا هو يمنحُنا ولا يمنعُنا منَ الإشرافِ على تلكَ المكتباتِ التي لا تندرجُ في عملِها تحتَ مسمى مراكزِ البحثِ العلميِّ” مستكملاً ” لا مانعَ لدينا من إصدارِ تعميمٍ ينشرُ في الصحفِ الرسميةِ، يتضمنُ تحذيراً للمكتباتِ بأنها تخالفُ بما تقومُ به إجراءاتِ حصولِها على الترخيصِ، وسيتم تحويلُ أوراقِها للنيابةِ العامةِ لاتخاذِ الإجراءاتِ القانونيةِ بحقِها، إذا ما ثبتَ تورطُها في بيعِ أبحاثٍ عملية”.
وبعد حوالي خمسةِ أيامٍ من إجراءِ المقابلةِ معَ الوكيلِ المساعدِ في وزارةِ التربيةِ والتعليمِ أصدرت الوزارةُ قرارا يُحذرُ أصحابَ المكتباتِ من بيعِ البحوثِ العلميةِ وجاءَ في نصِّه ” تحذر وزارة التربية والتعليم العالي بغزة اليوم الأربعاء12/10/2016، الشركات والمكاتب والمكتبات وأي جهة أخرى من إنتاج أبحاث علمية جاهزة لطلبة البكالوريوس أو الدراسات العليا, وذلك من مبدأ الشفافية والحفاظ على جودة وجدة البحث العلمي، وستلاحق هذه الجهات المخالفة قانونياً، وستتخذ الإجراءات القانونية اللازمة بحقها.
لأن الجهات المخولة في إنتاج المعرفة البحثية هي مؤسسات التعليم العالي، ومراكز البحث العلمي المرخصة من وزارة التربية والتعليم العالي, إضافة إلى الباحثين والمتخصصين من حملة المؤهلات العليا, وذلك وفقاً للقانون الأساسي لسنه 2003م المعدل وتعديلاته, وقانون التعليم العالي رقم (11) لسنة 1998م.
القرارَ صدرَ بعدَ لفتِ انتباهِ معدةِ التحقيقِ لهذهِ الظاهرةِ، وأنَّ الوزارةَ ستتخذُ كافةَ الإجراءاتِ اللازمةِ للقضاء عليها.
وبعد صدور القرارِ تواصلتْ معدةُ التحقيقِ، معَ الوكيلِ المساعدِ د.أيمن اليازوري، الذي أكد بدوره أن القرارَ صدرَ بعدَ لفتِ انتباهِ معدةِ التحقيقِ لهذهِ الظاهرةِ، وأنَّ الوزارةَ ستتخذُ كافةَ الإجراءاتِ اللازمةِ للقضاء عليها.
وأوضح أن القانونَ لا يمنحُه الحقَ في تشكيلِ فرقِ بحثٍ ميدانيٍّ لمتابعةِ عملِ المكتباتِ التي لا يندرجُ عملُها في حدودِ اختصاصِ وزارِة التربيةِ والتعليمِ بشكلٍ مباشرٍ”، مطالباً عماداتِ البحثِ العلميِّ في الجامعاتِ الفلسطينيةِ بتطبيقِ نظامِ حرمانِ الطلبةِ منَ الحصولِ على الدرجاتِ العلميِة إذا ثبتَ بالدليلِ القاطعِ تورطُهم في شراِء أبحاثٍ علميةٍ، لأنَّ الأصلَ في المسألةِ الأصالةُ العلميةُ.
وأشارَ إلى أنَّ مراكزَ الأبحاثِ العلميةِ في الضفةِ الغربيةِ وقطاعِ غزةَ، تفتقرُ إلى قانونٍ ينظمُ عملَها، لكنَّ العملَ جارٍ على استحداثِ قرارٍ جديدٍ لا زالَ قيدَ الاعتمادِ من أجلِ ضبط ِالمسألةِ، بالتعاونِ معَ الجامعاتِ، لكنَّه للأسفِ لا يتضمنُ المكتباتِ المشارَ إليها في هذا التحقيقِ، كونَها لا تندرجُ في تصنيفِها وآلياتِ عملِها، ضمنَ مراكزِ البحثِ العلمي.
المصدر : فلسطين اليوم
رابط قصير:
https://madar.news/?p=11866