تحليل اخباري.. حسابات الحقل وحسابات البيدر في المشاركة بجنازة بيرس
كتب \ محمد دراغمة\ الشعب الفلسطيني غاضب على مشاركة الرئيس محمود عباس في جنازة شمعون بيرس، ومعه كل الحق في الغضب، فهو لم يرى من بيرس ما يجلعه يتأسى على رحيله..
لكن، بعد تفريغ الغضب، دعونا نفكر في حسابات السياسة، فلماذا حدث ما حدث وما هي نتائجة…
سياسيا، الرئيس محمود عباس يعتبر المجتمع الاسرائيلي شريكا استراتيجيا في الوصول الى حل سياسي، وهو لا يترك مناسبة الا ويوجه فيها رسائل ايجابية لهذا المجتمع، ومشاركته في جنازة بيرس كانت رسالة أخرى للاسرائيلين، رسالة تقول: انا شريك في العملية السياسية عندما يكون هناك شريك، بيرس كان شريكا، اما نتانياهو فليس بشريك، انا شريك في حل الدولتين، وما يقوله عني نتانياهو وليبرمان وبينيت بانني كاره لليهود ولا اعترف بالمحرقة ولا اقبل بدولة اسرائيل غير صحيح، وهذا هو الدليل، انني بينكم، اشارك في تشييع جثمان سياسي توصل معنا الى اتفاق سلام، وكنا نسعى، معا، للوصول الى حل الدولتين، قبل ان ينقلب اليمين الاسرائيلي على المسيرة ويلغيها..
الرئيس عباس يراهن على عودة “الروح”، روح حل الدولتين، الى الشارع الاسرائيلي، وهو يرى ان حكومات اليمين هي العقبة. عباس يستثمر سياسيا في الشارع الاسرائيلي آملا أن ياتي يوم ويختار فيه هذا الشارع حكومة تؤمن بانهاء الاحتلال واقامة دولة فلسطينية الى جانب دولة اسرائيل.
هذا هو الخيار الذي يتبناه الرئيس محمود عباس، خيار الحل السياسي، وحتى عندما لا يبدو هذا الحل ممكنا فانه لا يرى في الأفق بديلا عنه.
هذا هو خيار الرئيس عباس، ومن حق القوى السياسية ان تعارضه، وان تقدم بديلا له، وأن تضعه في الاختبار، بل يجب عليها ان تفعل، والا فانها لا تقدم شيئا جديدا وجديا..
الرئيس محمود عباس رجل سياسة، وهذه حساباته السياسية…لكنه نظر الى ما يمكن ان يحققه هناك، في المجتمع الاسرائيلي، دون ان ينبهه مستشاروه، وهم كثر، الى ما سوف يخسره هنا، في المجتمع الفلسطيني.
اعتقد ان الغضب الواسع في الشارع الفلسطيني على مشاركة الرئيس محمود عباس في جنازة بيرس لا يعود الى المشاركة بحد ذاتها، ولا الى نتائجها السياسية، فهي زيارة يتيمة لن يتمخص عنها عودة الى المفاوضات المباشرة، ولا اعترافا بيهودية اسرائيل، ولا عودة التنسيق الامني الذي لم يغب، ولا توقف الاجراءات الفلسطينية في محكمة الجنايات الدولية، فهذه لم تعد في يد السلطة…. الغضب يعود الى عدم الرضى عن اداء السلطة في الحياة اليومية للمواطنين، والى الانقطاع الحاصل بين السلطة وبين الشعب، انقطاع كبير لا ارسال فيه ولا استقبال.
المواطن الفلسطيني لا يختلف مع الوجهه السياسية للسلطة، ولا يطالبها بما لا طاقة لها به، لا يطالبها بالغاء اوسلو ووقف التنسيق الامني والغاء اتفاق باريس الاقتصادي، والشعب غير مستعد للخروج في مظاهرة او اعتصام للمطالبة باي من هذا، ولكنه يعرف انه يستحق حدا اكبر من الاهتمام به وبمصالحه اليومية، يستحق توظيف الموارد المحدودة لدى هذه السلطة في تعزيز بقاءه على ارضه، تعزيز وجوده في المواجهة اليومية القاسية مع الاحتلال. يستحق الحريات الاساسية، يستحق انتخابات وبرلمان ورقابة وصحافة حرة، يستحق ان تنشر تفاصيل الموازنة على موقع وزارة المالية مفصلة بكل قرش من اين اتى واين ذهب… يستحق عدالة في التوظيف والترقيات..
ان الاحتقان الذي تسبب به الكشف عن تعيين اولاد اربعة من كبار المسؤولين في مواقع حساسة وهي النيابة العامة اكبر من الاحتقان الذي يتسبب به الاستيطان.. فهذا قراره في يدنا وذلك من صنع الاحتلال.. ولا يعلم ما هو الاحتلال الا من يعيش تحت جزمته الثقيلة..
رابط قصير:
https://madar.news/?p=10180