ترجمة عن الغارديان ..موظف المساعدات السرية: التنمية في فلسطين رهينة السياسة
ترجمة مدار نيوز: مقالة في صحيفة الغارديان ضمن مدونة مفتوحة لمن يريد ان يكتب دون ان يضع اسمه حول خبراء المساعدات الاجنبية للدول النامية
هل التنمية عقيمة في الضفة الغربية، هل يجب على العاملين في المساعدات بدلا من التركيز على تحشيد السياسيين في وطنهم الضغط على اسرائيل لانهاء الاحتلال؟
مثل كثير من المتعصبين للتنمية ومحاولاتهم خلق تغيير على الارض في بلد اجنبي مثير جذبني الامر الى هذا المجال، وطبعا لم اصدق حظي الجيد حينما حصلت على عمل مع منظمة تنموية كبيرة في فلسطين وحالا بعد تخرجي من الجامعة، شعرت انة هذه فرصتي للمساهمة في التغلب على احدى اكثر الصراعات سيئة السمة طال امدها، لكن بعد ان قضيت بضعة اشهر في عملي لم اكن مجديا، وشعرت انني كنت اكثر جدوى لو مكثت في بلادي.
كثير من الشباب الغر يواجه الواقع عندما يبدأ عمله في بلد نام، لكن فلسطين هي الاكثر احباطا بينها، كل عوائق التنمية المعروفة موجودة هنا، عجز الحكومة، انصياع المنظمات لنزوات المانحين، الفساد ، القيم الاجتماعية الرجعية، فيما في اماكن اخرى كان العائق الحاسم للتنمية هو نقص المال، في فلسطين هناك اعلى حصة من التمويل الاجنبي المخصص للفرد اكثر من اي مكان في العالم، لذا لماذا لم يتغير شيء ، بل لماذا تزداد الاوضاع سوءا؟
لقد وصلت الى استنتاج ان العائق ليس مجرد عدم الاهتمام بمساعدة معظم المهمشين، انه نظام مدبر ومستدام من القمع التهميش والتعويق الاقتصادي المقصود لمنع اي تنمية بالمطلق، في بعض الحالات تبني بعض المؤسسات بيوتا في غزة، فقط لتهدم في قصف قادم، لقد بنيت للمرة الثالثة في عشر سنوات، ويقضي بعض المانحين سنوات طويلة في الضفة يرجون من الاحتلال العسكري ان يعطيهم اذنا بحفر بئر تجميع مياه في قرية نائية، لتدفن كل خططهم في مسارات روتينية بيروقراطية هي التعبير الاوضح عن الرفض. حتى لو بنى المانحون منشأة بسيطة دون تصريح فان سلطة الاحتلال ستهدمها، فيما المستوطنات الفاخرة وبرك السباحة فيها وخطوط الضغط العالي والمشاريع المدعومة تنتشر بكثرة رغم خرقها للقانون الدولي.
وفيما اجلس الى مكتبي اكتب او ابحث او اكتب توصية وراء توصية، يكون شعوري السائد هو هل سيصنع هذا العمل التنمي فرقا هنا؟ تأتيني التقارير مرارا حاملة نفس التوصيات: انهاء الاحتلال، تحشيد الضغط الدولي، خلق ارادة سياسية لدى الحكومة، فيما مليارات الدولارات قد صبت في في مشاريع لم تعمل سوى على استدامة الوضع السيء، فيما بات الاحتلال راسخا اكثر وينهار الوضع الفلسطيني، لقد اصبح السلام حلما بعيدا جدا، واصبحت التنمية الفلسطينية رهينة السياسة، ولا ينفع في تغيير ذلك شعارات تمكين المجتمع او بناء القدرات.
من يملك القدرة على تغير هذا الواقع؟ فحكوماتهم كحكومتنا تجلس على عمق الاف الاميالفي جوف القوة العالمية، يجد الفلسطينيون انه من الصعب عليهم مغادرة بلدهم بسبب التحديدات على الحركة، لقد تركت موقعي لانضم اليهم في المكان الذي تلقت حكومتي منه شكاوى على مدى خمسين عاما والتي تم تجاهلها ايضا من حكومتنا وحكومات اخرى.
انها حكومتي عضو مجلس الامن الدولي والتي تبيع اسرائيل السلاح، وتدين بناءها للمستوطنات ايضا، فيما تسمح باستيرات بضائعها بالملايين، فيما تعرف اسرائيل اينيبدأ احتلالها واين ينتهي، لدي اصدقاء في لندن، يشنون حملات ويدعمون العمل السياسي يرسلون رسائل ويناضلون لاجل الاعتراف بفلسطين، وآخرين صحفيين يفضحون نفاق قادتنا في دعمهمة لاسرائيل وتمييزها . ان عملهم هو من نوع العمل الذي يؤدي الى قيام الدولة المستقلة، فقط عندما تقرر الحكومات الاجنبية يمكن للاحتلال ان ينتهي اي حينما يضغطون فعليا على اسرائيل تبدأ الامور بالتغير.
هذه ليست مشكلة يمكن ان تحل عبر خبراء التنمية مثلي، الوسيلة الكبرى ليست في مهارتي التخطيطية والبرمجية او مرجعة مقترحات التمويل بل تكمن في مواطنتي الغربية، وانا هنا اقوم بعملي واحضر المؤتمرات فيها جمهور يعرف كل ما سأقوله، تجلس حكومتي ولا تقول غير القليل وتفعل اقل من ذلك. ففي الشهر الماضي القت تيريزا ماي خطابا وصفت فيه اسرائيل بانها حاضنة التسامح، وكما استنتجت في تقرير حول التخطيط الحضري التمييزي ووانهاء حق الاقامة ، ونظام القضاء مزدوج المعايير وهدم البيوت كعقاب ، فانني لا استطيع المساعدة ومن الافضل لي ان اعود الى وطني ليكون صوتي مسموعا اكثر.
رابط قصير:
https://madar.news/?p=28666