حُفَر الآثار التاريخية .. مزابل ونص! – بقلم: هند دويكات
خطر لخيالي الكرتوني ذات طفولة أن تلك الحفرة العظيمة التي تتوسط مركز مدينتنا، نابلس، لم تكن سوى أثر دال على هجوم فضائي سحيق كان هدفه تدمير “كوكبنا الحبيب”، أو هي بقايا مكيدة تخريبية لكائنات بشعة الأسنان والرؤوس تقطن إحدى طبقات الأرض السفلية هدفها “زحلقة” البشريين المسالمين!، ولعل تلك الخيالات كانت عندي أكثر “منطقية” مما علمته لاحقا بأن تلك الحفرة ما هي إلا بداية لبناء منشأة توقّف العمل فيها منذ وقت طويل لاكتشاف آثار تحتها تعود لزمن لم ولا تهمني حقبته التاريخية طالما أن حاضره، ومستقبله على ما يبدو!، قد تحول إلى مزبلة حقيقية.
لدى تكرار”النموذج” أعلاه في أماكن أخرى من المدينة وبالنتائج والمظاهر ذاتها، حفرة كبيرة بنتوء حجرية مغطاة بالعشب أو الشوك لا تكاد تفصح عن شيء تتزاحم فوقها أنواع القمامة كلها كأنها قرابين ألقيت ذات عيدٍ في ساحة أوثان، ولدى تكرار تعامل السلطات المسؤولة مع الأمر على أنه داء حديث لا علاج له إلا بـ “الحجر الصحي” وانتظار المعجزات، بدا السؤال عينه واجب التكرار كذلك: لماذا تُحاصر التاريخ بأسلاك شائكة أو ألواح زينكو ما دمت لا تستطيع، أو لا تريد، حمايته من أن يصبح مكبا للنفايات وما دمت لا تستطيع، أو لا تريد، أن تكمل مهمة التنقيب والإعداد وإخراج القيمة التاريخية عملا بارزا صالحا للمطالعة والنقد؟! ما قيمة تعطيل مشروع “الآن” إذا لم ترد لمشروع “أمس” أن يعرّف عن قيمته؟!
لعل الإجابة البلهاء الأولى ذاتها ستعود إلى السطح فيقول المجيب إن أجاب: نحن دولة ترزح تحت جور الاحتلال ولا يمكن أن …
إذا كان المحتل الصهيوني نفسه لا يملّ التنقيب عن الآثار، أو تزوير أثرٍ ما ثم التنقيب عنه!، كي يحقق أقصى ربح ممكن على الصعيدين الاقتصادي والسياسي، وإذا كنت أنت محتل من قبله كواقع وجب التعامل معه والتحرك ضده وبالتالي فإن رعاية مشروعات كهذه تعتبر شكلا من الرفض لاحتلاله لك واستغلاله لمقدراتك من ناحية وتكرير لمادة تاريخية خام تزيد من رصيدك الاقتصادي فتقلل من دَينك وتوسّلك وتسوّلك من ناحية أخرى، فلماذا التهاون في الإنجاز؟ أم أنك تخشى أن يحتل المحتل ما قد احتُل سابقا من جديد؟!
الإجابة الثانية “المنقذة” ستكون: من أين لدولة محتلة تعيش على “المعونات” أن تموّل وترعى مشروعات عدة كهذه …
لنفترض جدلا أن الدولة لا يأتيها عير ولا نفير، لا مساعدات خارجية ولا ضرائب داخلية، وأنها لا تبدد ملايين فيما لا يُعرف له قرار، فلماذا لا يتم خصخصة هذه المشروعات كمثل ما تم خصخصته لنسبة مئة في المئة، إلا قليلا!، من مشروعات واستثمارات البلد الأخرى، من اتصالات وبنوك ومواصلات وجامعات وحتى المتنزهات التي يفترض أنها كانت وطنية أو عامة، ولتتم معاملة هذه المشروعات الأثرية هنا كغيرها من باب أننا، أيضا!، دولة محتلة مستثمروها معدودون لكنهم “وطنيون” يسعون لنيل عطاءات كل ما “يُعطى” وذلك لمصلحة الوطن والمواطن!
أما الإجابة الثالثة التي لا يرغب أحد في سماعها: الحق على المواطن .. ليش يرمي زبالته بحفرة الآثار؟!
نعم .. لا شيء يبرر السلوك غير الأخلاقي من إلقاء النفايات في حفرة صماء وإن كانت أقرب إلى مجمع قمامة منها إلى مشروع ثقافي، وإن كانت توفر للفرد “إغراء” التخلص من النفايات بأكثر مما يفعله أي مكب آخر خاصة أنه لا يوجد مكبات نفايات أصلا!، إذ يتم توريد النفايات بالـ “وزن” إلى المحتل وندفع له لكي يتخلص لنا منها .. لصالحه مرتان!، مرة في إعادة تدويرها ومرة حين ندفع لهم فرحين “مصطهجين” انو رمينا زبالتنا عليهم!!
صحيح ليش بتكب زبالة في حفرة الآثار؟ بصير هيك؟!
يا مواطن كرامة لله افهم عليهم، هاي مش معطيات مزابل
هاي مش مزابل ..
هاي “مزابل ونص”!!
رابط قصير:
https://madar.news/?p=28069