خاص لـ مدار نيوز ..ماذا يريد محرر الاخبار؟… جميل ضبابات
مدار نيوز، نشر بـ 2016/09/10 الساعة 5:05 مساءً

تبدد الايام التي تسبق الاعياد التوازن القائم خلال ايام السنة. كل شيء تقريبا يتغير. ويصبح
للمدن رائحة تختلف عن رائحة بقية الايام. تتراجع مثاليات البيع والشراء، وترتفع الاسعار سيفا صارما امام المشترين فيتصاعد الدم الساخن الى رؤوسهم.
وهذه حقيقة غير مفهومة في اسواق الشرق حين ترتفع الاسعار عشية الاعياد، ويحدث العكس في الغرب.
هذه صرة عناوين كثير لمحرر الاخبار لمعت امامي مثل مرتقى صخري صعب، مقارنة بالعناوين الكثيرة التي تتحدث عن ضعف حركة الشراء والبيع.
ولقد حشدت كل قواي كي اكتبها. ان الكتابة في احوال الاسواق تشبه الحوار بين بوذا وحواريه؛ حوار صعب!.
وسط الحشود الغامضة في الشوارع لا استطيع تمييز كثيرا من الامور، باستثناء ان كل هؤلاء الناس يفكرون ويكافحون من اجل خوض( عيد مثالي)، وقد سمعت هذا الجملة المحشورة بين قوسين من ماريا ادامو وحفظتها لها منذ سنتين.
قالت لي بكبرياء ظاهرة بعدما وضعت كفيها حول خصرها استعداد لادانة ما سبق من وصفي البخور المشتعل بانه مجرد اعواد تحترق لارضاء قناعات الجدات الخائفات من الحسد” انا لست واحدة من اولئك الذين يريدون ارضاء قناعاتهم الفردية. انا اصنع عيد هذه المدينة. اجعله مثاليا اكثر”.
سكتت ولم انبس بكلمة واحدة، فعند شم البخور يحل الصمت. في اللحظات التي تلقيت فيها البخور من بين يدي ادامو نجوت من الرد عليها. احسست بالرائحة النفاثة تتأجج في اعماقي وسمعت نقرة من يدها على الطاولة تحثني على الاستمرار بشم البخور.
دخلت الى فيينا في ساعات الظهيرة قادما من بودابست. كانت المدينة تتحضر وتتزين لاستقبال الكريسماس بعد ايام قليلة. والمدن كلها في كل الدنيا تعيش على وقع ضجة فوضوية من اجل عيد مثالي.
حقا انها مدينة مثالية، ليالي الانس والمشي والتسوق.. وايضا لطرح البخور امام زوارها.
سالني رئيس تحرير موقع “مدار” الاخباري ماذا يمكن ان نكتب عن العيد؟ والمحررون الجادون دائما يعيشون شغف السؤال حول مناسبات الكتابة.
سالني رئيس تحرير موقع “مدار” الاخباري ماذا يمكن ان نكتب عن العيد؟ والمحررون الجادون دائما يعيشون شغف السؤال حول مناسبات الكتابة.
عندما سالت ادامو التي جاءت من قبل الى فيينا ماذا تفعل في ايام العي؟. قالت انها تنثر الفرح في ساحة الامبراطورة.
شاهدت من قبل شعوبا كثيرة تحب البخور وتعتنق عقيدته في الليالي الباردة والطويلة. نحن العرب كان لنا اسلاف رهيبون في استخدام البخور. وانا ذاتي في طفولتي تعرضت كثيرا لجلسات البخور، اذ كانت الجدات يبدين اصرارا قاسيا وهن يضعن رأسي فوق حب الشعير المشتعل مع اعواد البخور، لرد العين وصد الحسد. ولقد استخدمنه مرارا مضادا حيويا لدرء مخاطر ارتفاع درجة حرارة الجسم.
هذه صرة عناوين اخرى للاخبار في اوقات الرفاهية. عند انتهاء الحروب سنعود لرواية هذه القصص الاخبارية مسموعة ومتلفزة ومكتوبة امام القراء والمشاهدين.
صحيح ان استخدام البخور في ايام الاعياد في بلادنا انحسر كثيرا، الا انه مازال جاريا بثبات وقوة في الخليج. يضع الخليجيون البخور امام فوهات ايامهم، يتدوخون به ويدوخون ملابسهم واثاثهم وسياراتهم، وفنادقهم الفارهة.
حتى يمكن القول ان كل التغييرات التي اصابت طبيعة حياة المجتمعات هناك لم تبدد تعلقهم بالبخور.
اشعر برائحة البخور في خان نابلس التاريخي. صحيح انه مصيدة لجلب الزبائن لشراء العطور المركبة، الا انه مازال موجودا ونستنشقه باعماقنا كلما ممرنا من الخان المسقوف.
هكذا كانت تريد مني ماريا ادامو وهي تطلب مني التقدم والانحاء على اعواد البخور في ،ساحة الامبراطورة النمساوية ماريا تيريزا.
ان استنشقه باعماقي!.
” اسمح لي ان اقول لك شيئا واحد فقط: لا تترك السعادة تهرب منك. اقترب من البخور واستنشقه قبل ان يطير”.
هل هذه قصة اخبارية اخرى؟ سيفكرر المحرر بعنوان مناسب واقتباسات كثيرة من اجل بنائها.
اصبح بيع البخور واحدة من مهن الشبان الوافدين للنمسا للدراسة او الالتحاق بدورات اكاديمية طويلة، فترة اعياد الميلاد، في العمل اليومي الذي يمتد لساعات طويلة. فكرت وانا اذرع المسافة بين طرفي ساحة القصر الباردة ان هذه قصة اخبارية معقولة لروايتها امام القراء فيما بعد.
اصبح بيع البخور واحدة من مهن الشبان الوافدين للنمسا للدراسة او الالتحاق بدورات اكاديمية طويلة، فترة اعياد الميلاد، في العمل اليومي الذي يمتد لساعات طويلة. فكرت وانا اذرع المسافة بين طرفي ساحة القصر الباردة ان هذه قصة اخبارية معقولة لروايتها امام القراء فيما بعد.
ادامو قدمت الى النمسا قبل سنه للالتحاق باحدى جامعاتها واظنها الان تقترب من الدراسة الجامعية، اذا استخدمت البراعة والذكاء في تحصليها العلمي بذات الطريقة التي تبيع فيها البخور. واثناء بحثها عن عمل تعرفت الى احدى السيدات النسماويات، التي اقامت تجارة كبيرة عمادها البخور، وعملت معها حتى اصبحت خبيرة في هذه التجارة.
قلت لها: اذا انت ملكة البخور في هذه البلاد.استطيع ان اثبت ذلك ببساطة. من غيرك يستيطع ان يفرض على المارة الانخراط في حفلة شم مثل هذه.
انت امرأه ساحرة.
على بسطة خشبية داخل الكشك وضعت اصناف كثيرة من البخور التي تستوردها السيدة النمساوية من اثيوبيا خصوصا لفترة اعياد الميلاد. قيل لي في فينا عندما سألت عن البخور ان كثيرا من العائلات الاوروبية مازالت تشيع رائحة البخور ليلة عيد الميلاد. هكذا يفعل ايضا الكثير من الشرقيين.
يعطون للعيد رائحة مميزة. صحيح انهم في الخليج العربي يسألون عن اصل وفصل قطع البخور لكن هنا امام ادامو لا يأهبون لصنف البخور. انهم يحبون رائحته دون معرفة اسمه او من اين جاء؟
هذه صرة عناوين اخرى امام محرر الاخبار: رحلة البخور من الشرق الى الغرب. هل تنفع قصة مثل هذه للمحرر؟ ام انها تنفع لقصص الف ليلة وليلة. ربما.
تنبيه: نشر جزء من هذه المعلومات على صفحة الكاتب في فيس بوك.
رابط قصير:
https://madar.news/?p=7032