دولة قانون او لا شئ.. بقلم أنس الكسواني
مدار نيوز، نشر بـ 2016/09/21 الساعة 9:00 مساءً

دخل الرجال حاملين على اكتافهم فتاً لم يرَ البحر في حياته، كان يسمع قصص جدته اللاجئة من يافا عن سمكٍ يطير من الماء المالح ليسقط في قدر الطعام يأكلون منه فيكفيهم، وبينما هو يحلم بهذا الطبق العجيب ساقته قدماه الى مكان المواجهة، فتلقى في صدره طلقةً اطلقها “يوري” المهاجر الروسي من سلاحه م-16 الامريكي لتستقر الرصاصة في صدر الفتى اللاجئ اليافوي، فيصل الخبر ذويه فتبكيه امه ويصيب القهر ابيه، فتقول الحاجة اليافوية “فدى ترابك يا فلسطين”، فتتردد هذه العبارة على قنوات التلفاز وتكتب الصحف والمجلات عن طفلٍ من لحمٍ ودم مات في سبيل حفنة تراب من ارضٍ اسمها فلسطين، وتتكرر العبارة والرواية كل يوم، ويموت الكثير ممن هم في سن الخامسة عشر والعشرين، يموتون بأحلامهم وآمالهم وعذاباتهم وذكرياتهم التي تبقى كشبحٍ يطارد الاحتلال الغاشم القابع على صدور ابناء شعبنا الذي يعاني مرارة العيش الضيق، مرارة ألم العبودية، اولسنا عبيداً؟ الم تكن الامم التي خلت تستعبد الامم التي تقهرها في الحروب؟ ومع ذلك يبقى الأمل، امل الحرية، لعل الليل آخره نهار، ولعل الغشاوة تزول عن اعين شعبٍ تكالبت على ارضه الامم،،، من يذهب لا يغادرنا حباً بالموت، ربما طمعاً بالشهادة والجنة، ولكن حتماً يموت كي نحيا نحن من بعده، ولكن ليست كل الحياة لها معنى، فمن الناس من يحيى طمعاً بالمال، ومنهم طمعاً بالجاه والسلطة، ومنهم من يطمع بغدٍ أفضل، ومنهم من يحاول ان يجعل لحياته معنى، وما من معنى اجمل من ارض يسود فيها العدل والسلام، ارض تقدس من عليها لا من عليها يموت ليقدسها، ارضٌ فيها ريحٌ من الجنة يسودها الامان والرخاء، العزة والمنعة، القوة والاخاء، ارض تكون مملكةً كما ارادها الله لنا، قطعةً من الجنة على الارض، لا ممراً للجحيم من هنا، فتضحيات شعبنا لا تهدف لتسجيل ارقام في سجل الضحايا، او ان تكون سبباً للتباكي امام العالم الذي يكاد يلحظنا، بل هي تضحيات لها من السمو معنى، ان نكون امةً تعمر الارض وتبنيها، وبالعدل تحميها، وبما اننا اخترنا مسميات تلك الدولة مسبقاً فلزامٌ علينا ان نحضر انفسنا وشعبنا لها، دولة يحكمها القانون، تلك النصوص المكتوبة الموضوعة في الكتب، والتي لا تعرف في طياتها على من تقع، فلا دخل لها بالجاه والعز والسلطان، ولا بالمال والشركات او النسب، قانون يجعل من اهل هذه الارض سواء، لا كبير فيها الا من سمى بعلمه، ولا خيًر فيها الا من كان خيراً، دولة يعدل القائمين عليها بين اهلها فيعمرونها ويعيشون فيها وينقلون ارثهم وتراثهم وحضارتهم وعلمهم الى من بعدهم، فنعيش نذكر الاخير الى الابد والا ننسى كأن لم نكن، فهذه الدولة هي التي نريد او لا شئ، لا لنقصٍ في انسانيتنا او احلامنا، بل لأن التاريخ ينصف من ينصف نفسه ويترك من لا يستحق على قارعة التاريخ يصارع نفسه، وكل خساراته لا معنى لها الا الالم..
رابط قصير:
https://madar.news/?p=8361