رنيم الصفدي : أول إمرأة فلسطينية تعمل في مهنة الحدادة
ميرفت نزار : اعتادت ان تستيقظ الساعة الثامنة صباحاً يومياً حتى تذهب الى ورشة الحدادة التي تساعد فيها زوجها على العمل . وينتهي الدوام بالنسبة لها وقت الغروب . يراها المارون من أمام ورشة الحدادة وهي تمسك الأبواب والشبابيك وتعمل على العدة التي يستخدمها العاملون في مهنة الحدادة .
رنيم الصفدي من عوريف عمرها 30 سنة . أنهت دراستها للصف الثالث الإعدادي . رزقت ببنت وثلاث أولاد .
وعن سؤالها عن الأسباب التي دفعتها للعمل في مهنة الحدادة وهي مهنة ذكورية تقول : ” بدأت التفكير في العمل في الحدادة بسبب مرورنا ببعض الظروف حيث كانت حالة زوجي الصحية لا تسمح ان يذهب للعمل عند احد أو يشتغل في الخارج . فقد تعرض لحادث وهو يعمل داخل الخط الأخضر . حيث قام أشخاص بضربه وأصبح معه عجز 70% . واصابته حالة نفسية . وكانت هناك محاكم وقضايا . وعانيت بسبب ذلك قبل ان اعمل بمهنة الحدادة . فقررنا أن نفتح ورشة حدادة عندنا في البيت . في البداية وجدنا صعوبة في عملنا بسبب عدم وجود زبائن “.
وتضيف : “كان زوجي يعمل في الحدادة أيضاً قبل ان يمرض . حيث كان يعمل عند أشخاص داخل الخط الأخضر . وفي بداية عملنا لم تكن هناك امكانية أن يأت بعامل ليعمل معه . فقط كنا نأت بمصروف بيتنا فقط . لذلك فكرنا ان نفتح ورشة في بيتنا لأنه لا يوجد مجال غير ذلك . ظروفنا لا تسمح ان يعمل عند أحد . في البداية عملنا أفران وكوانين أي شغلات بسيطة . حتى تطور شغلنا بعد ذلك وأصبح يأخذ أبواب وشبابيك . وبعد ذلك أصبح له سوق . كنت اعمل معه اساعده في شغلات بسيطة أمسك متر أو حديد . كنت أساعده بسبب وضعه الصحي . وكنت اعمل له الشاي والقهوة وأرى ماذا يشتغل وكان يقول لي ساعديني في شغلات معينة . وبعد ذلك حبيت انا اساعده في عمله وتعلمت على كل شيء . ولي في هذا المجال أربع سنوات “.
وتشير أنها من بداية زواجها وهي متعاونة مع زوجها . حيث قاموا بعمل ما يلزم البيت من تبليط ودهان وقصارة مع بعض . وهو يعمل في أي مجال الحمد لله رب العالمين . في القصارة والطوبار وغيرها . وكانت تساعده في كل شيء .
وعن بداية عملها تقول : ” علمني على جميع الأجهزة . وهذه المهنة ذكورية والأجهزة صعبة أخذت وقت حتى تعلمت . لكن اليوم الحمد لله بقص وبجمع وبلحم وأعمل أبواب وشبابيك . واعرف قياسات الحديد وأساميهم وأصنافهم . والورشة التي تأت أنا أحسب لها ماذا يلزمها حديد وماذا نربح فيها . وهو يذهب ليشتري الحديد تكون الطلبية جاهزة . واطلع اركب انا وهو الورشات خارج العمل . احمل معه الأبواب وكل شيء . وانا جسمي تعود على حمل الأشياء الثقيلة . احمل معه الأبواب والشبابيك ونحملهم على السيارة ونطلع نركبهم في الاماكن المطلوبة “.
وتضيف : ” فيما يتعلق بنظرة المجتمع . هذه مشكلة المجتمع . وقد واجهتني صعوبة انهم يقولون لي لماذا تشتغلي معه . ولماذا اخترت هذا العمل . ولماذا لا يأت بعامل يساعده . ولكن انا مقتنعة انني اريد ان اعمل معه وأساعده . حتى أؤمن لعائلتي مستقبل وأقف معهم . وهذه نظرة الناس لا استطيع أن ارضي كل الناس “.
في قرية عوريف المجتمع محافظ ، كيف واجهتي نظرة الناس . تقول : ” الجميع مستغرب ويعلقون على عملي . فكل بيت أذهب إليه يسألوني لماذا تشتغلي . هذا العمل ليس للمرأة . فاليأت زوجك بشخص معه . أنا فهمت الشغل ولا نستطيع أن نأت بأحد . وأعتدنا أن نعمل مع بعض ومقسمين الشغل بيننا . وكنت قد توجهت للشؤون وارسلت تقارير طبية اننا نحن بحاجة . وكلما اسأل يقولون المبلغ موجود ولكن ينتظر الموافقة . وعندما سألنا عن السبب لعدم الموافقة كان الرد انه يوجد عندنا بيت واهله يدعموه . مع أننا لم نجد دعم من أي أحد ” .
ولكن كيف كانت ردت فعلك تجاه تعليقات الآخرين . تقول : ” لم أكن أهتم لكلامهم ولكن الشخص إلا يتأثر قليلاً . فأنا أقول لهم أنا أساعد زوجي وانا مقتنعة بذلك وهو راضي أيضاً ونحن مستمرين في حياتنا ” .
وعن اماكن عملهم ، تقول : نركب في أي مكان حتى خارج قرية عوريف “.
وعن رأي أولادها ، تقول : ابنتي الكبرى عمرها 13 عاماً . أما الأولاد 12 و9 و5 سنوات . اولادي الذين اعمارهم 12 عام و9 اعوام يشتغلان معنا ايضاً . فإذا عندنا ورشة تركيب نجهز أغراضنا ونطلع جميعاً مع بعض . وأولادي في المدرسة جيدين . الكبير ان شاء الله سأعلمه مهنتنا . والصغير يهتم بدراسته وابنتي أيضاً أساعدها في دروس تقوية . وجميعهم يساعدوني في عمل البيت . فنحن مقسمين عملنا في البيت . فالبنت عندما تعود من المدرسة تساعدنا في عمل البيت وهم مسؤولين كل واحد يرتب أغراضه . وهم يعلمون أنه لي عمل خارج البيت فيتعاونوا في عمل البيت “.
ولكن هل كان العمل على حسابها كإمرأة وعلى أمومتها أي على حياتها ككل . تقول : ” لا أعلم . أنا الظروف التي مريت بها أنا وعائلتي وضعتني في هذا العمل . ولم أكن قد خططت للعمل في هذه المهنة . لأنشل عائلتي وأحسن مستوى معيشتهم . فلم أفكر إلا أن أؤمن حياة جيدة لأولادي “.
وكيف تتفادى المخاطر التي ممكن أن تتعرض لها أثناء العمل ، تقول : ” لا يوجد عمل بلا تعب أومخاطر . فقط مرة واحدة حدثت معي إصابة . عندما كنت اعمل على الصينية . فاحياناً يبيعون صواني لا تكون نوعيتهم جيدة فانجرحت منها والحمد لله سليمة . وانا استخدم كوقاية في عملي النظارات والكمامة . واحياناً من اللحام وخاصة في الصيف أشعر بألم في عيني “.
وما هو رأي أهلها ، تقول : ” طبعاً لا يوجد عندهم اي مانع . فأمي شجعتني من البداية وقالت لي قفي بجانب زوجك . وزوجي ما عنده اعتراض ويقول ان المرأة وزوجها يجب ان يقفوا بجانب بعض . ومن الجميل أن تشتغل المرأة مع زوجها . مع العلاقة الزوجية تكون علاقة صداقة . انا افهمه وهو يفهمني وأعلم ماذا يريد “.
وعن وجود حلم خاص لها تقول : كجو قرية إلى اليوم يتم تزويج البنات في سن مبكرة . فتعلمت للصف التاسع ثم تزوجت . لم يكن يوجد طموح لشيء عندي “.
وعند سؤالها عندما تتزوج ابنتك هل تشجعيها ان تعمل في مهنتك . تقول : ” أنا أفضل أن تدرس . فالفتاة يجب أن تدرس . لأن الانسان لا يعرف ماذا يخبء له الزمن . مفاجآت الحياة كثيرة ” .
وعن مساعدتها لغيرها لتعليمهن المهنة إذا أردن ذلك . تقول : نعم أدربهن . لأنها مهنة لا يوجد فيها عيب . مهنة كأي مهنة . لكن الناس تراها شيء كبير . مهنة ذكورية متخصصين فيها الرجال . لكن أنا أراها مهنة عادية “.
ولكن ماذا تقولين او تصفين للآخرين مهنتك ، تقول : ” من يضع في باله أن يتعلم مهنة يتعلمها . وليست صعبة كثيراً هذه المهنة . فقط القليل من التركيز والإنتباه . فأهم شيء الإنتباه . لأن الأجهزة التي نستخدمها في العمل خطيرة قليلاً “.
وعن ألأجهزة التي تعمل عليها تقول : ” نشتغل على الفيبر . وماكينة اللحام ، وديسك صغير ، وديسك كبير ، وبطشان ، ومقدح ثابت ، والمفركا ، وكمبريصة الهوى للرش .
وعن وسائل الوقاية التي تستخدمها ، تقول : نستخدم الكمامة عند الدهان . وعند القص في الديسك نستخدم النظارة الواقية . والكفوف .
وعن وجود هوايات خاصة بها ، وكيف تصف نفسها كسيدة بيت . تقول : ” كسيدة بيت وضعت في ذهني مهنة الحدادة . فانا من الساعة ثمانية صباحاً أبدأ إلى المغرب . أغلب وقتي في مهنة الحدادة أقضيها . فقد أدخل البيت خلال النهار لعمل وجبة الغذاء . وبعد المغرب يبدأ شغلي في البيت . الطبيخ والغسيل وأدرس أولادي الإثنين . أما الكبيرة فتدرس لوحدها . أنظم وقتي على ذلك . أما يوم الجمعة فأحياناً نعمل وأحياناً لا . وأنا أحب يوم الجمعة يكون إستراحة في البيت “.
وماذا عن الواجبات العائلية . فالسيدات يقمن بتبادل الزيارات فيما بينهن . تقول : أزور أهلي لكن قليلة هي زياراتي . لا استطيع ان اذهب زيارات كثيرة لأني مرتبطة في شغلي . لا يوجد عندي تبادل زيارات . فأنا أخواتي أراهن عند أهلي . نذهب يوم مخصص نرى بعض .
وعن إمكانية اختيارها لمهنة أخرى غير الحدادة ، تقول : تعودت عليها لي أربع سنوات في هذه المهنة . وتأقلمت على أجواء العمل .
وعن وجود خطط مستقبلية لعملهم تقول : ” نتمنى ان نكبر مشروعنا ونوسعه . ونبني في مكان اوسع . واشترينا قطعة أرض . لكن المشروع يحتاج الكثير من المال ” .
وعن موافقة زوجها أمجد الصفدي على عملها يقول : ” كان لا يوجد عندها خيار أخر . فقد كنت عاجز عن عمل أي شيء . كنت مريض وأتناول دواء ووصل العجز عندي 70% . وقد وجدت الرفض من عائلتي لعملها لكن ماذا نفعل . واهل زوجتي لم يعترضوا ولكن لا يستطيعوا أن يقدموا شيء . وانا بعد ما تعرضت له ابتعدت عن الجميع ولا أزور أحد ” .
وعن الحادثة التي تعرض لها أثناء عمله في أراضي فلسطين 48 . يقول : ” اعتدى علي أشخاص من قريتي بالضرب ونقلوني الى مستشفى داخل الخط الأخضر . وقاموا بعمل اسعافات أولية لي ولم يكن معي تصريح . واتيت هنا للذهاب الى المستشفى . وحينها لأننا كنا جاهلين بالقانون ولم يكن لنا واسطات . تقاجأت ان من ضربني لهم معارف كثيرين وسجنت عشر أيام بدون علاج وتعرضت للضرب ايضاً . وبدأت الأمور تسوء معنا واصبحت لا استطيع التركيز في شيء . وتوجهت إلى الأطباء والعيادة النفسية وعلى الطبيب الشرعي الذي قال بعد الكشف علي انه عندي 70% عجز . كانت تأتيني نوبة صرع وتشنجات ومضطر ابقى في البيت . لم أكن استطيع التركيز في أي شيء . بدأنا في ال2008 واصبحت اتحسن قليلاً . واصبح العجز 30%” .
ويضيف : ” صحيح انا اعمل الآن ولكن لا استطيع ان اعمل مع أي أحد . لا اتحمل . فإذا شعرت نفسي تعبان ادخل الى البيت وانام . حتى لا استمر بأخذ الدواء الذي يأخذ كل قوتي . اريد ان ابتعد عن الدواء واعتمد على العلاج الذاتي . اريد ان اتعالج تلقائياً ولا اعود لما كنت عليه . وحاولت ان اذهب للعمل في كفر قاسم لكن لم استطع التحمل . ولكن بعد الحادثة اصبحت لا اتحمل الضغوطات النفسية او يأت إلي صاحب العمل ويقول لي عملك خطأ . ولا أتحمل المزح أيضاً “.
وعن بداية عملها في هذه المهنة ، يقول : ” عند وصول القضية الى المحكمة كانت زوجتي تتابعها وهي صغيرة لم تتعدى ال14 عاماً ولا تعرف شيء بالقانون . وقمنا ببيع كل شيء بالبيت وباعت ذهبها . ما نستطيع ان نبيعه نبيعه . وكنت اجمع العدة حتى افتح بالمستقبل محددة . وايضاً الأخرى قمنا ببيعها . ولم يبق شيء . فهي قررت تشتغل في هذا المجال وبدأت بعمل الأفران . فقد كانت تتعلم ماذا افعل وتفعل . وبعد ذلك بفترة اصبحنا نأخذ عمل لأقاربنا ونشتغل فيه . فهي تفهم في كل شيء . وإذا ربنا رزقنا سأقوم بفتح محل واعلم ذوي الإحتياجات الخاصة حتى لا يبقون في الشارع لأني هذا الشيء تعرضت له . لأن هذه الشريحة في المجتمع مهمشة ولذلك اشترينا دونم ارض وساعمل ان شاء الله مشروع عليها . كل ما حدث معنا كله على حسابنا وحساب بيتنا . فلما باعت ذهبها ودبلتها كان على حسابها . ولما ضرب زوجها كان على حسابها . وعندما تابعت قضيتي في المحاكم كان على حسابها أيضاً “.
رابط قصير:
https://madar.news/?p=24217