شخصي جداً وعام إلى أبعد الحدود ..امل جمعة

الخوف حالة ذهنية أكثر من كونها حالة سلوكية أو مظهرية ، وبعكس ما يشاع عن الخوف أنه حالة فردية أظنّ أن الأمر أعمق من ذلك ، فأنت لا تشعر بالخوف لأنك تريد ذلك ، بل لأن هناك أسباب تتراكم في نفسك تجعلك تصلُ لهذه الحالة وتجعل سلوكك مضطرباً يفترض بك دوماً أنك ضحية ولا بدّ من وجود جلادين .
ما أريد قوله لا يعني شعورنا بعدم الجدوى أن لا حلول ستأتي أو أننا أصبحنا عاجزين ،بقدر ما تشير أن الأمور تفاقمت لدرجة بات الترقيع بها واستخدام الحلول الساذجة والفردية لا يجدي .
في قرية فلسطينية لا زالت تحتفظ بأزقتها وبيوتها ذات الطابق او الطابقين ( هذا بالنسبة لي قمّة الجمال) ولا زالت البقاع الخضراء تطلُّ من بين المنازل والدكاكين بقالات صغيرة ، مع غزو صغير لمحلات السوبر ماركت ذات أسماء رنانة ، بدت القرية مبشرة قليلاً وبدأ قلبي يترقب لرؤية وسماع ما هو مختلف ( أتحفظ على ذكر اسم القرية لسبب بسيط أنها نموذج للمدينة والمخيم وربما في مضارب البدو فهي حالة عامة هنا ولست في وارد التخصيص .
جاءت النساء والرجال وطلبة المدارس للإستماع لورشة حول الجرائم الإلكترونية وبدأ الجميع شديد الإنتباه متحفزاً للمعرفة ، جميل ذلك ويجعلني أمرن صوتي الذي أطاره الزكام بكأس شاي ساخن ، ليليق بهذا الحضور المهتم .
على مدى ساعتين كان الكلام لا يتوقف حول هذا الخطر الجاثم الأستعماري ، الذي ضجّ مضاجعنا وجعلنا لا ننام ولا نصحو مرعوبين “الفيس بوك” وأفاته ومخاطره وكل ما يحمله من دمار وتخريب تقصد به فتياتنا بالدرجة الأولى.
قد يبدو بالكلام شيئاً من الصحة ، ولكن ما الحلّ؟؟
ما دمنا نعالج مشاكل التكنولوجيا بنفس المنطق الذي نعالج بة سيلان السقوف، ندسّ خرطة في السطوح وعلى المطر أن يفهم ، وما دمنا نتعامل مع كلّ ما هو جديد كأداة صنعها الغرب لهدم ترابطنا الفريد وتخريب عقولنا لن نصل لحلّ، علينا المواجهة ، لا نريد أن نمنح التجربة لنتعلم ، وعلى هذا الكمّ من الفتيات والشبات أن يجدّ طريقه وحيداً وممنوع أن يخطىء ونحن سنعاقب بشدة ، ببساطة لأصل بأمان آخر شارع بالمدينة عليّ معرفة الطريق وعلي السؤال وعلي ّ أن أدرك منطق الأشياء ، وقد أصل إرتجالاً ولكن سأمر حتماً بكلّ التيه واحتمال الوصول الخاطيء .
أسئلة كثيرة دارت برأسي ، شعرت بالغضب والملل واللاجدوى وعدت للبيت وقد زاد مرضي ،من يطالب بمقاطعة هذا الإختراع الصهيوني ، ومن يطالب أن تراقب الشرطة الفيس بوك، من يطالب بتشكيل لجنة لحلّ الأزمات ، من يطالب ومن ومن .
السؤال الذى لم أتلقى له إجابة : لماذا لا نعترف بأن التكنولوجيا أداة ، نحن نُحملها ما نشاء ونحن من يتحكم بها ؟ لماذا نصرُّ على التعامل مع هذا السيل من وسائل الإتصال الإجتماعي بنفس منطق :”البنت زيّ الجاجة بعد المغرب ما الهاش حاجة”.
لم يعد هناك من حاحز ملموس وباب نستطيع إغلاقه ونمتلك المفتاح ، بكل الوسائل سيتمكن الناس من الوصول لطرق لإستخدام وسائل التواصل الإجتماعي ، فلم يعدّ مجدياً أن نمنع الأبناء من مشاهدة فيلم السبت حتى لا تفسد أخلاقهم ، ولم يعدُّ مجدياً أن يخفي الآباء رموت التلفزيون حتى لا يشاهد أولادهم ما لا تحمد عقباه .
علينا المواجهة ، ولا شيء غير الوعي والحوار والقيمة ، لا طريقة أخرى ، من لديه طريقة منع نهائية فليقل لي .
نعم لا نريد التورط بالإبتزاز او الجرائم الإلكترونية ولا نريد لأحد أن يقع ضحية لعدو أو صديق أو شخص بلا أخلاق ولكن الحلول بحاجة لأن نكون صريحين مع أنفسنا جداً وأن نتعلم كيف نسير بالدروب بشكل علمي قبل أن نفرض وسائل العقاب والمنع .
هنا لبّ الحكاية لم يشكل المنع يوماً رادعاً لشيء ، ولكن استطاعت البنية التربوية والقيم المتصاعدة والوعي أن يغير مسارات ، أدرك أن الأمر شائكاً لدرجة كبيرة لكن أدرك أبضاً أن عبارة ابنتي تقول الصدق دوماً ولا تخاف كانت الحاسمة في تربيتي مقابل ابنتي لا تكذب .
نخاف من كل ما هو جديد، مشروع هذا الخوف لكن لا حل له سوى المعرفة المتكاملة المتفق عليها تماماً مثل إشارات المرور.
رابط قصير:
https://madar.news/?p=27207