شهادة اهم مؤرخ عسكري إسرائيلي : هذه تفاصيل فضيحة الهغاناه في كفركنا

نابلس \ مدار نيوز \ تقرير وديع عواودة \ يواصل دكتور أوري ميليشطاين،أحد أبرز المؤرخين العسكريين في إسرائيل وأكثرهم نقدا فتح ملفات الماضي من قبل 1948 وهذ المرة توقف عند كفركنا مقدما رواية يعرفها الشيوخ من أهاليها.
ويقول ميليشطاين في دراسة جديدة أن الضابط دان لينر أحد قادة ” البلماح “( القوات الضاربة لـ الهغاناه) قد أوكل الضابط أساف سمحوني قائد سرية ” أ ” من الكتيبة الأولى لـ ” البلماح ” مهمة مهاجمة كفركنا في ربيع 1948 لاحتضانها مقر القائد أبو إبراهيم الصغير وتفجير المقر وعدد من بيوتها.
موضحا أن مجموعات مسلحين بقيادة أبو إبراهيم وضابط ألماني نازي يدعى ماكس كانت تنشط في قرى الجليل وفي كفركنا وقتها تم تقدير عددها بـ 60 مسلحا.
ويزعم ميليشطاين أن أبو إبراهيم اختار كفركنا لاعتقاده أن الهغاناه لن تجرؤ على مهاجمة البلدة كونها بلدة مسيحية مقدسة وهذا اعتقاد ضعيف لأن مقر قوات الثوار كانت بعيدة عن الكنائس وثانيا لأنه اتخذ من بلدات أخرى ” غير مسيحية مقدسة ” مراكز لنشاطه في الجليل.
وحسب دراسة ميليشطاين فقد استخف سمحوني بالمهمة ولم يعد لها حيث قام قام قائد سرية ” أ” في الكتيبة 12 التابعة لـ ” جولاني ” بقيادة عامنوئيل يارديني معززة بدورية الكتيبة بقطع طريق كفركنا- الناصرة وتفجير الجسر المقابل لقرية المشهد للحيلولة دون وصول مساعدات.
والتقى يارديني وسمحوني لتنسيق الهجوم واقترح الأول اصطحاب أشخاص يعرفون البلدة يقودون القوات ويرشدونها لكن سمحوني رفض لأسبابه الخاصة فكان هذا أحد أسباب العار الكبير( هكذا فعل قائد وحدة المظلات 55 موطا غور في القدس عام 1967 مما تسبب بدفع جنوده ثمنا ثقيلا”.
ويوضح ميليشطاين أن هذه كانت أول غزوة في ” حرب الاستقلال ” بالنسبة للسريتين المذكورتين فخرجت من قاعدتها سرية ” البلماح” ( نحو 150 جندي) في حافلات عند الثامنة إلا ربع مساء وفي الطريق أخذت سرية ” عيمق هياردين ” وعند كيبوتس ” دوفرات ” انطلقت كل القوات مشيا على الأقدام مسافة 12 كيلومتر نحو الهدف وقبيل بلوغ كفركنا بكيلومتر ونصف الكيلومتر انشطر القوة لقوتين وخلال التقدم الليلي أطلق جندي رصاصة بالخطأ ففقدت القوات المهاجمة عنصر المفاجأة.
وينقل ميليشطاين عن عضو ” البلماح ” أفرهام أفيغدورف قوله في شهادته ” انطلقنا بباصات من كيبوتس بيت كيشت نحو كيبوتس ” دوفرات ” ومن هناك واصلنا سيرا على الأقدام وقبل وصولنا الهدف بـ 60 مترا كشف أمرنا بسبب رصاصة أطلقها جندي بالخطأ وعندها تعرضنا لنيران شديدة وأصيب كثيرون منا ويتابع ميليشطاين ” بتلك المرحلة أمر سيمحوني عدة مرات بالهجوم لكن أحدا من الجنود لم يفعل ذلك عدا هو نفسه كما يؤكد ضابط آخر شارك في العملية الفالشلة،طيبي شبيرا.
وقام قائد الخلايا الأمامية بتبليغ سمحوني بأنه لا ينجح برؤية البيوت المستهدفة رغم إطلاق نار منها وعندئذ أمره بالانسحاب.
ونقلا عن كتاب زئيف وتهيلا عوفر حول ” الكتيبة الأولى ” قامت فزعة عربية باقتحام حواجز ” غولاني ” وهاجمت قوات سمحوني من الأمام والخلف معا.
ويتابع ” طلب سمحوني إذن الضابط الأعلى منه دان لينر بالانسحاب لكن عوفر يارديني يروي رواية مختلفة : ” عندنا لم يحصل شيء لأن أي مساعدات لم تصل. في اللحظة التي أبلغني بها أنه جاهز للانسحاب كان قد قتل عدد من جنوده وأخذ يلملم قواته على تل وأنا من جهتي بدأت بالتراجع.
لم نفجر الجسر لأن التعليمات كانت أن نفجره فقط عند بلوغ مدد عربي فأخنا المتفجرات معنا وعدنا بل لم نطلق رصاصة واحدة خلال العملية.
ويميل ميليشطاين لتصديق رواية يارديني لأن الزوجين عوفر رغبا بتقليل حجم فضيحة ” البلماح ” في كفركنا وينقل عن أفيغدوروف : سمعنا تعليمات بالألمانية والكثر من الصراخ.
أطلقوا فوقنا مصابيح إضاءة وأمطرونا بنيران الجحيم وخشينا أن نلقى مصير القافلة في منطقة غوش عتسيون. خلال الانسحاب تعرضنا عند كل منعطف بقوة معادية أطلقت الرصاص علينا وأصابوا المزيد من الجنود. بنهاية المطاف وجدنا ثغرة في الوادي وتسللنا منها”.
وينقل عن عاموس هرباز ضابط الاتصالات في وحدة سمحوني قوله ” لو لم ننسحب فلا شك أنهم كانوا سيقتلوننا كافتنا في كفركنا”. كما ينقل ميليشطاين عن بنحاس زوسمان قائد أحد فصائل الكتيبة قوله ” لاحقونا نحو عشر كيلومترات”.
أما سمحوني فيقول ” القوة الأساسية المحيطة بالجرحى فقد تفتت وانقطع الاتصال البصري داخل قافلة الجرحى.. وطيلة الانسحاب هوجمنا من عدة اتجاهات”.
ويقول في الدراسة أفيغدوروف المذكور أعلاه ” قبيل الصباح كان في جانبنا جرحى كثر وسيارات الإسعاف ركنت بين السجرة وبين بيت كيشت.
أنيطت بي مهمة الهرولة نحو الإسعافات ودعوتهم للتقدم نحو موقفنا. هرولت عدة كيلومترات حتى وصلت وشاهدت سيارات إسعاف عسكرية بريطانية. عندما بلغتها عرفت شخصا من معارفي وقدت الإسعافات نحو موقع قريب من القوة المنسحبة فحملنا الجرحى حتى بيت كيشت. قتل منا جندي يدعى أفنير غروزمينسكي وأصيب أربعة جنود”.
ويوضح ميليشطاين بمراجعته النقدية لدفاتر المعارك الإسرائيلية أن سمحوني كتب في تقريره التلخيصي أن العدو تكبد عدد من القتلى والجرحى ولكن لم يكن لذلك صلة بالحقيقة بل كانت هذه شهوته ويتابع ” لاحقا برر سمحوني فضيحته في كفركنا بالقول :” لقد منعنا من المساس بسكان كفركنا كونها بلدة مسيحية مقدسة وهذا قيدنا لأننا اكتشفنا صعوبة التمييز بين بيوت المسيحيين وبين البيوت التي استخدمت كمقرات لرجال عصابة أبو إبراهيم الصغير.
وهذا التباطؤ في الهجوم سبب انكشاف أمرنا مما أتاح للعصابة فرصة استدعاء المدد من كل المنطقة. شهدنا معركة قاسية جدا استمرت نحو الساعة ونصف الساعة. أبدى جنودنا شجاعة كبيرة وحسن تدبير وحيلة حكيمة “.
ويوضح المؤرخ معدة الدراسة ميليشطاين أن سمحوني روى لـ زميله في ” البلماح ” بروفيسور غابي كوهن خلال عملية ” كاديش”( العدوان الثلاثي على مصر عام 1956) أن القادة في حرب 1948 لم يمتحنوا في عمليات هجومية بل بالذات في عمليات دفاعية أو انسحابات”.
ويرى ميليشطاين أن مثل هذه الذرائع التي ساقها سمحوني المعدود على ضباط أسسوا الجيش الإسرائيلي بعد 1948 تهدف للتغطية على أدائه المختل. وتابع ” ليس غنيا عن القول الإشارة أن سمحوني كان عضو كيبوتس ” تل يوسيف ” وعضو ” مباي ” بل انتخب نائبا في الكنيست الأولى بعد الحرب.
كما أن والدته انتخبت عضوا في الكنيست عن ” مباي ” وكانت مقربة من دافيد بن غوريون. كان لـ سمحوني ولـ ” البلماح ” ولـ بن غوريون ولـ ” مباي ” مصلحة شخصية وجماعية بالتستر على عار وفضيحة الغزة على كفركنا.
لو كشف عن هذه المهانة ربما تكشفت حقيقة مهنية سمحوني وتم المساس بهيبة ” البلماح ” مثلما كان سيتبين أن ” مباي” و بن غوريون لم يعدوا كما يجب الاستيطان اليهودي للحرب. بسبب مصلحة الطل بإخفاء الفضيحة تم طمسها”.
ويخلص ميليشطاين للقول إن عملية الهجوم على كفركنا وتحويل الجبن في ساحة المعركة لـ ” شجاعة كبيرة وحسن تدبير ” قد حال دون استخلاص الدروس الفورية بل صار جزء من الثقافة الأمنية الحبلى بالمخاطر بالنسبة لإسرائيل والتي جبت أثمانا غالية،بحياة الجنود خلال حرب الاستقلال وفي الحروب اللاحقة”.
وتتطابق رواية ميليشطاين مع ما رواه بعض شيوخ أهالي كفركنا منذ سنوات. ويؤكد ااشيخ يوسف عبابسة ابو الوليظ ان قوات ابو ابراهيم كانت تبيت في خيام على بيادر عائلة طه فيما كانت قوات المجاهد صبحي شاهين من طبريا ونحو عشرين فدائيا يبيتون في بيت محمد لافي حمدان في تلك الليلة.
منوها لفضل المناوي حسين عطا الله الحارس المناوب للجهة الشرقية من كفركنا ويضيف ” اكتشف حسين عطا الله امرهم فالقوا عليه قنبلة واطلق النار عليهم واخذ يصرخ مناديا اهل البلد الذين عبوا بما لديهم من مسدسات وبنادق وبنادق صيد هم وقوات الثوار وصدوا الهجوم”.
في كتابه ” كفركنا : قانا الجليل بين الماضي والحاضر” جمع الكاتب الكناوي اللاجئ في الإمارات مطر خشان عباس شهادات حول ما جرى ويستذكر أن الهجوم المذكور على كفركنا تم في ليلة العاشر من مارس اذار 1048 وذلك بعد مشاركة أهالي كفركنا في واقعة عرب الصبيح في 03.01.1948 والتي قتل فيها سبعة جنود صهاينة( منهم ابن رئيس إسرائيل الأول يتسحاق بن تسفي) بقيادة علي النمر ابن عرب الصبيح الذي استشهد في عملية لحركة فتح في سبعينيات القرن الماضي في الجليل الأسفل.
على خلفية ذلك رغبت الهغاناه الانتقام من أهالي كفركنا ومن قوات أبو إبراهيم الصغير التي عسكرت في بعض بيوت كفركنا.
لكن شباب كفركنا وجنود أبو إبراهيم كانوا قد علموا بالهجوم مسبقا وهاجموا قوات ” البلماح ” شرقي جبل خويخة وساندتهم مساعدات من عين ماهل وطرعان والمشهد وظلوا يطاردون هم حتى كيبوتس كيشت كما يؤكد ميليشطاين أيضا. وفي الصباح شاهد عدد من أهالي البلدة آثار دماء على الأرض بطول طريق الانسحاب شرقا.
الجهاد المقدس
يشار أن بعض شباب كفركنا وقتها انتظموا في ” الجهاد المقدس” الذي أسسه الشهيد عبد القادر الحسيني، بقيادة توفيق الإبراهيم( أبو إبراهيم الصغير) من بلدة ندور قضاء الناصرة( كيبوتس عين دور اليوم) وشاركوا في الدفاع عن طبريا ومحاولة إنقاذها وهم فياض نمر خطيب، حسن حمزة، يوسف لافي امارة والحاج محمود مطر عباس، افندي دخيل عواودة توفيق دخيل عواودة، احمد دخيل عواودة، حسين عبد الفتاح عبد الله، عرفات محمد عواودة( العكاوي)، فايز ذياب عباس، محمود حسن قاسم عواودة، علي داوود صقر وسعيد قاسم حنيفة( استقر في كفركنا).
في شهادة تاريخية أوضح الشيخ رضوان سعيد أن كفركنا هوجمت من جهة الشرق(منطقة منزل عرار) فتصدينا لليهود بعدما فزعنا واستدعانا الحراس المناوبين.
وتابع” كنت أنا وصدقي سليم طه ومحمد محمود خمايسي وفيصل تركي طه مجموعة حراسة واحدة وكانوا في الليل يكثرون من فتح النار على أي شيء يتحرك أو يظهر وكأنه إنس.. حتى حذرتهم من قلة الفشك.
ضمن شهادة موسعة قال الراحل الشيخ سالم صقر إنه سافر إلى دمشق عام 1938 برفقة ياسين خشان عباس من أجل شراء سلاح وتابع ” سبقنا إلى دمشق بواسطة القطار من الحمة هو وتركي طه لذات الغرض.
في الترين السوري سألنا رجال بوليس سوري عن أسمينا فأنكرنا كوننا فلسطينيين لكنهن عرفوا بس تغاضوا عنا. وصلنا درعا واشترينا أكل وكملنا حتى ” دار الأمة ” في دمشق ومعنا واحد من جماعة الشيخ نايف الزعبي كدليل فدفعنا أجرة الترين عنه.
وصلنا بوابة الله في دمشق وبعدين نمنا في دار الأمة والصبح التقينا بأبو إبراهيم الصغير وقدم لنا الحليب وسألنا عن سبب قدومنا.. بعدين قالوا لنا إنو الطلب على السلاح كثير فقلت : بلدنا متحمسة للثورة وبدنا سلاح وإلا بتموت الثورة.. وكان هذا في العام 1938. عند الأمة كانت البارودة بثماني ليرات ونص وفي السوق السودا ب16 ليرة.
من الاستنتاحات : حيوية وصدقية الرواية الشفوية مقابل الارشيفات كمصدر للكتابة التاريخية والدور الحاسم للاستعمار البريطاني في نكبة فلسطين.
رابط قصير:
https://madar.news/?p=134118