عكا ..بعيون هالة ..اول مرة اشاهد البحر

هالة الوزني \ طالبة اعلام في جامعة النجاح ..
لم يخطر في بالي حينما وضعت منشور على موقع التواصل الإجتماعي الفيسبوك
” شعور بوجع تشتاق لمكان ما زرته بحياتك، يا عكا الروح، يا عكا..”
أنني سأزور عكا قريبًا من خلال تصريح سمح لي به كيان الإحتلال الإسرائيلي يحدد لي ساعة دخولي وخروجي من البلاد.
لهفة اللقاء والشوق الذي يسكن القلب لبلاد لم أرها منذ ولادتي كادت أن تبتلع كل من حولي، رجفة الروح لأزقة قديمة عانقتها أخيرًا بعد غياب، وصلنا معبر قلقيلية في الساعة الثامنة من صباح يوم الأحد لنواجه إنتظار طويل تحت سقف زينكو ممتلئ بالبوابات المؤمنة جيدًا، وجنود إسرائيليين تعتريهم نظرات قلق وترقّب لأي حركة فلسطينيّة غير اعتياديّة وأصابع ثابتة على الزناد، ساعتان ممتلئتان بمناوشات عمال فلسطينيين كلٌ منهم يريد أن يأخذ دور غيره ليصل إلى عمله أولًا، درجات حرارة مرتفعة جعلت المكان ممتلئ برائحة عرق لا تستطيع النفس تحمُّلها لكنّك مجبر على شمّها، لتفتح لنا المجندة الإسرائيليّة أخيرًا الباب الحديدي الإلكترونيّ وهي تصرخ غاضبة “وخدة وخدة” لنكمل السير داخل متاهة طويلة للتفتيش لتطلب منّا مجنّدة أخرى أن نرفع التصريح وهُوياتنا الخضراء كـ حبات الزيتون في موسم نضوجها للتأكد من المعلومات لديها وتبتسم لنا أنّ كل شيء على ما يرام ويمكننا العبور الآن.
سارت بنا الحافلة لنصل أخيرًا إلى شط طولكرم “هرتسيليا”، لم أعي حقيقة ما أراه وكأنني للتو صُفعت من أمي لكسري فنجان من الطقم الجديد الذي تنوي إهدائه إلى جارتنا لنجاح ابنها في الثانويّة العامة!
ركضت بملء الطفولة فييّ لتقبّل قدميّ رمل البحر الذي أراه لأول مرّة منذ تسعة عشر عامًا، الدهشة على وجهي كانت واضحة لجميع من هم حولي، تلعثم كلامي رغمًا عني، ضحكت، سرحت، صرخت، احتضنت ابنة عمي وامتلأت بالدموع لتلخص المشهد كاملًا.
لم أرد حينها فعل شيء سوى الجلوس أمام البحر والإستماع إلى موجه جيّدًا الذي صفعني بقوّة عدة مرات واستمررتُ في التقاط الصور تلك وحدها التي ستغادر إلى المنزل معي.. احتضن البحر جسدي جيّدا وملوحته بقيت في فمي وأشعر أنني أتذوقها الآن وأنا أترجم حسرتي هذه إلى حروف.
لا أعلم لما تمتلك تلك البلاد رائحة خاصّة بها تجعلك تستنشقها مرات عدّة، ولا تكفّ ع التأمل في شوارعها الحديثة على رغم قِدم المنازل في عكا الشاهدة على هُوية المدينة الفلسطينية جيّدًا، بخطى متعبة جدًا، صدر يعلو ويهبط دون توقف وأعين تترقب ما بعد الطريق صعدت نحو سور عكا وأنا ألهث وأخذت أعد واحد، اثنان، ثلاثة، أرب.. وصلت
حينما وقفت على السور لم أستطع التفوّه بشيء سوى “يا الله” ويداي تعتصران رأسي ورئتاي تعملان بشكل أكبر في استنشاق أكبر قدر ممكن من هواء هذه المدينة الممتزج برائحة السمك،
بقيت أردد “يا الله” وأنا أحفظ في ذاكرتي قدر المستطاع من جمال عكا، بحرها، مينائها، باعة السمك، كل شيء يدعوك لأن تسترق النظر إليه. سرقت عكا آخر ما تبقى من أنفاسي، السير في أزقتها الضيقة ليلًا وبين جدرانها الدافئة لا يجعلك تشعر بغربة المكان عليك، انتهى الوقت المحدد لنا في التصريح، أخذنا نسير جماعة بخطى متثاقلة جدًا بإتجاه الحافلة التي شهدت على طاقتنا ودهشتنا وضحكاتنا قبل الوصول إلى الشاطئ وهي ذاتها التي شهدت تنهيدات مليئة بالحسرة والتعب تنقلت بين مقاعدها المختلفة، الشاهدة على لحظات صمت خيّمت على الجميع، سارت الحافلة وصوت العجلات لا زال يتردد إلى الآن في أذني، أحسست بأن جزءًا مني بقيَّ في هذه المدينة ولن أستطيع استرجاعه..
غفوت ورائحة المدينة عالقة في ثيابي وصوت الموج لم يفارقني إلى الابد.
13/8/2016
10:48 مساءً
هرتسيليا-حيفا-عكا
رابط قصير:
https://madar.news/?p=3277