علاج الفلتان ليس امنيا… العلاج سياسة شعبية
جبريل محمد\ كثرت في الفترة الاخيرة احداث الفلتان واستعراض السلاح في غير موضعه، اضافة “للطوشات العمومية” والشجارات الفردية لاتفه الاسباب، وباتت روح المجتمع في رأس انفه كما يقولون، لدرجة بتنا امام حالة اخذ القانون باليد، او التطوع في اي مشكلة وتجميع الاصدقاء من خلال رنات الهاتف السريعة، لدرجة امتلأت المخافر بمحاضر المشاكل المتفرقة هنا وهناك خصوصا بين قطاع الشباب واليافعين، الامر الذي يشير الى ظاهرة خطيرة اذا ما تطورت واتسعت، وبما يحرف اهتمامات الشباب وقطاعات اجتماعية اخرى عن مهمات ذات بعد وطني واجتماعي حقيقي.
الغريب في الامر ان التعامل مع هذه المشاكل يتم من خلال المعالجات الامنية البحتة، والنظر اليها باعتبارها مشكلات امنية خالصة، دون النظر الى اسبابها واصولها ومنابعها المجتمعية والسياسية والاقتصادية ، وعلاقتها بمستوى الثقافة السياسية القائمة على المحسوبية والاستزلام ونظام الزبائنية، والهرمية التي انتجها اقتصاد الريع الهش الذي لا يبني علاقات مجتمعية وسياسية على اساس من الاحترام المتبادل، بل على اساس الخضوع لسلطة قائد محلي، او صاحب تيار او شلة في صراع مع تيار اوشلة اخرى.
فالامر ليس مجرد خروج الفاعلين المباشرين عن القانون، بل انه يكمن في اسلوب ادارة المجتمع، سواء من قبل السلطة والحكومة او من قبل الفصيل الذي يمسك بهذه السلطة ويتكيء عليها ويستخدمها في فرض سطوات تخرق القانون، وتصبح فوقه، بحيث يبدو القانون عاجزا امام سطوة المتنفذين.
لقد جرب العلاج الامني لهذه المظاهر اكثر من مرة، وربما احرز انجازات لكن هذه الانجازات بقيت مؤقتة تنتهي بانتهاء شدة الغربال الجديد وتعود الكرة مرة اخرى في حالة اشتداد التنافس على قنص المغانم سواء في انتخابات عامة او في اعادة تقسيم المسؤوليات او غيره من الامور التي يستنفر فيها كل صاحب سطوة “عزوته” في مواجهة الاخر.
لنكن صرحاء جدا في مكاشفة شعبنا بهذه الحقيقة حيث تبدو الحكومة عاجزة عن تطويع اصحاب السطوة من جهة، وحيث هي لا تدير سياسات اجتماعية واقتصادية وثقافية، قادرة على توفير نوع من التسامح الاجتماعي الذي يخفف الى اقصى حد حالة التشرذم التي لم تعد فصائلية ولكنها ضمن تيار يدعي نفسه المركزي في هذه البلاد، هنا يجب وضع النقاط على الحروف، ويجب ايضا ان يوضع هؤلاء عند مسؤولياتهم.
فالشعب الحامل لكل الاعباء والمثقل بالهموم والمهمات غير جدير بان يكون ضحية اقتتال جماعت تحاول تعديل موازين قواها على حساب الناس، وتخلق حالة من الفوضى وانعدام الامن، وتهميش حضور الحكم لصالح كل الاشكال العشائرية والقبلية في حل النزاعات الداخلية.
اننا لا نرى برنامجا حكوميا يحمل شعارات ملهمة للناس في هذا المجال، ولا نجد حكما ديمقراطيا يؤمن تكافؤ الفرص، كما لا نجد عدالة في توزيع الدخل في هذه المنطقة المحصورة والمحاصرة والممنوعة من التنمية، ولهذا يلجأ المهمشون الى تقديم الولاء لاصحاب السطوة حتى ينعموا بفتات مهما قل، حيث لا يوجد مثل هذا عند غيرهم واقصد الحكومة التي من مهمتها الضبط الاجتماعي وبناء الاستقرار، لا التفكير في اتجاه واحد وهو سياسة الحملات الامنية المتعاقبة والتي لا جدوى منها اذا لم ترافقها سياسة اجتماعية اقتصادية تؤمن الحياة الكريمة للمواطنين.
ان المطلوب هو سعة افق لدى الحكومة، وسياسة واضحة في مجال السلم الاهلي، كما المطلوب من امراء التكتلات المختلفة ان يلعبوا خارج المجتمع وباساليب حضارية، لا ان يسفحوا دماء الشباب على مذبح امتيازاتهم وطموحاتهم التي تكون غالبا غير مشروعة.
رابط قصير:
https://madar.news/?p=4133