عند حافة قبر ..بقلم : بدر القريوتي

على مقربة من حافة القبر الفارغ حينها، وقف الجمع الغفير من الناس ينتظرون دفن فقيد ، كانت روحه قد عانقت السماء إلى حياة أخرى لا نعرف عنها إلا رؤوس أقلام فقط .
نعتني بالجسد المكفن الذي لا يملك الحيلة ملفوف بقطعة قماش بيضاء ملقى على نقالة بلاستيكية .
يقول أحدهم لمن يحمل الميت : تأنى بوضع رأسه بين اللحدين،ويقول آخر بجملة عابرة ضع هذا الحجر جانبا ، يرتبون ما حول الميت كما يرتبون غرفة طفل حديث الولادة طال انتظاره ،يأتون بسرير صغير ويدثرونه بالقماش بتأني وحذر شديدين ، يرتلون على جانبيه للتأكد من عدم شعور هذا الطفل بالبرد .
هنا يكتمل المشهد عند حافة القبر ،يرتلون على كفنه بتأني شديد وكأن الميت يشعر أو يتألم ، يضعونه فوق التراب المبسط بروية وخفة .
على حافة القبر يتبادل من هناك الآراء حول كيفية الدفن بخطوات صحيحة سيما أن حافة القبر تضم بعض أناس معروفين غالبا بقيامهم بالدفن بحرفية تامة فهم لديهم الخبرة الكافية لذلك ليحصلوا على الأجر والثواب .
قد ترى في ذلك الموقف الوجوه العابسة أو دخان التبغ يحلق عاليا ،وآخرين ينكسون رؤوسهم تعبيرا عن الحزن بهذه الطريقة اليتيمة كأنهم فقدوا شهوتهم في الحديث .
بعد أن تقبل التعازي تمضي الأيام كأشرطة ذكريات تعيدها كلها أمامك تسترجع كل حدث ومشهد كانت تخص الميت ، وتمضي الأيام كما سابقتها وننغمر ببحر الحياة وننسى لحظة ما كنا نريد أن نتخذ كثيرا من الأمور حين كنا على تلك الحافة من القبر وكأنها لم تكن …
النسيان نعمة وهذا ما يهون علينا المصائب ، لكن أي نوع من النسيان الذي يجب أن ننساه فعلا وما الأمور التي يجب أن ننساها ؟ … للأسف نحن ننسا كل شيء وهذه بحد ذاتها ليست نعمة.
يروي أحدهم قصة كان يذهب مع أخيه الأكبر إلى المدرسة عندما كان في المرحلة الثانوية وكان لا يحب سماع الأغاني على عكس أخيه الأكبر الذي كان مهووس بسماعها في غالب الأحيان… وفي كل صباح كانا يمران بالقرب من مقبرة ، وكان يغلق الصوت عند مرورهم بها .
وفي أحد الأيام سأله الأخ الأصغر لماذا تغلق الأغاني عند مرورنا بالمقبرة؟ فقال نحترم الأموات، قال شقيقة الثانوي : والحي الذي بجانبك ، لماذا لا تحترمه وتغلقها طوال ما هو معك ؟ هنا يكتشف الأخ الصغير أن الناس تحترم الأموات ولو لم يعرفوهم، ولا تحترم بعض الأحياء وهي تعرفهم .
أكان لزاما منا أن يحتاج الناس للموت ليخرج الذين حولهم من مشكلة الخرس العاطفي او هذا الجفاف العاطفي على نقيضه كما يصفه البعض.
للأسف ما زلنا وسنظل نقدس الميت الذي كان مهملا وهو حي والأمثلة كثيرة من حولنا على هذا المشهد المتكرر كأن تهدي ميت باقة من الورود على قبرة في حين لم تفكر مرة بإهدائة وردة واحدة في حياته فماذا ستنفعة الباقة وهو ميت ، أو كما يسخر أحد المفكرين في روايته عندما مات جاره من الجوع وفي عزائه ذبحوا كل الخراف .
منذ طفولتي وانا اسمع الخطيب يقول عند الانتهاء من دفن الميت تذكروا محاسن موتاكم … فلا تنسوا أن للأحياء أيضا محاسن تذكر وتشكر ، فتحدثوا إليهم وعبروا عن مشاعركم الآن قبل فوات الأوان….. فكلنا راحلون
رابط قصير:
https://madar.news/?p=29845