فتاة البحر …غزاوية تتحدى الموج

مي زيادة: منذ كانت طفلة صغيرة ومنذ نعومة اظافرها لم تعرف ، مادلين، سوى لملمة شباك صيد والدها، لم تكن تعلم بأن موج البحر بشراسته، سيواجهها ويجعل منها ” فتاة البحر” حبيسة قارورة زجاجية ألقت بها الحياة إلى جوفه.
كثيرًا ماكنا نسمع قصة “العجوز والبحر”، لم نكن نعلم ان للبحر فتاة، لكننا شاهدنا في صغرنا فيلم الكرتون “ابنة البحر”، والمقتبس من سلسلة قصص عالمية، لكن ابنة بحر غزة حياتها مختلفة، ففيها الطموح والحزن والمغامرة والحب والتعب كلها مختلطة في شباك صيدها.
مادلين كلاب ابنة العشرين عاما، تهمس للبحر وللموج الهائج، تضحك للسمك حتى ينجذب الى صنارتها وتصطاده. كبرت على بحر غزة، بين الصيادين وصيدهم، اعتادت منذ ان كانت في سن السادسة ان تذهب مع والدها الى البحر كل يوم تساعده في الصيد، إلى أن اصبحت في الثالثة عشر من العمر كان والدها يعاني مرض التهاب في النخاع الشوكي وحينها لم يعد باستطاعته ان يمارس مهنة الصيد مااضطرها لأن تأخذ مكانه فتعتلي مركب الصيد وتمسك الصنارة وترمي بها الى عمق البحر.
اعتادت على البحر وارتطام أمواجه الهائجة احيانا والساكنة احيانا اخرى، تخرج الساعة الرابعة فجرا الى البحر حتى السابعة صباحًا، واحيانا اخرى تخرج وقت الغروب من السادسة مساءً حتى الثانية عشر ليلاً، فوقت الصيد عندها، كما عند كل صيادي بحر غزة، على فترتين قد يكون وقت الشروق او وقت الغروب، وماتبقى من الوقت تقضيه في بيع ما اصطادت او تخرج في مركبها السياحي بجولات تتقاضي مقابلها القليل من المال مايعادل 30 شيقلا من كل راكب ، او تذهب لكليتها لتننظم كطالبة، فهي تكمل دراستها الى جانب عملها في الصيد.
كبرت بين المراكب والشباك
تقول مادلين لـ “وطن للأنباء“، كَبِرتُ بين الصيادين، من صغري وانا معهم بين المراكب والشباك، لا اواجه اي مشاكل اجتماعية سواءً معهم او مع اي شخص اخر، كوني الفتاة الوحيدة التي تعمل في الصيد بغزة، فالصيادين يعاملونني كأخت لهم، واقاربي واصدقائي اعتادو على وجودي وعملي كصيادة.
وتجد مادلين ان الصيد يشكل عائقا في بعض جوانب حياتها، فهي تتحمل مسؤولية عائلتها المكونة من والديها وثلاثة اخوة، تضيف، “ان فكّرت بنفسي وحياتي الخاصة، فأنا لن اتزوج وانا في البحر، ولن استطيع ترك العمل لأتزوج بسبب اهلي فأنا أُعيلهم ويعتمدون علي، رغم ان اخوتي كبار في العمر لكن غلطتي كانت اني عوّدتهم بأن يحصلو على كل شيء دون تعب، فأنا لااستطيع ان اعتمد عليهم في الصيد او في البحر بشكل كلي، لذلك أنا اكمل تعليمي حتى اجد وظيفة، واستطيع إكمال حياتي والتفكير بأموري الخاصة كالزواج”.
طموح متواضع ومرتبط بالصيد: مسمكة صغيرة
وتدرس مادلين دبلوم سكرتارية وادارة اعمال في كلية بيت المقدس بغزة، لكنها في الوقت ذاته تفكر في مشروعها الخاص فطموحها كبيرة واحلامها لا يتسع البحر لها، وتقول في هذا الخصوص، افكر بمشروع “مسمكة”، زبائني كُثر والكل يثق بي، فأنا لااخدعهم كما يفعل بعض الصيادين الذين يبيعون الناس سمكًا قديمًا على انه صيد اليوم، لكن المشكلة تكمن في ان المشروع مكلف جدا، فكرت في موضوع ان اخذ قرض من البنك لكني سبق واخذت قرضًا لأشتري به مركبي السياحي الخاص وحاليًا أسدد أقساطه.
وتشير إلى أنه اضافة الى ذلك، فإن موسم الصيد للسنة الثالثة على التوالي سيء، وليس وفيرًا كما كان سابقا، وهذا ما دفعني لأشتري مركب رحلات بحرية، ليكون مصدر دخل اخر لي ولعائلتي، ولكن بسبب بدء العام الدراسي فإن موسم الرحلات اوشك على الانتهاء تقريبا.
الاحتلال صادر شباكي
وعن مضايقات الاحتلال، تؤكد انها كغيرها من الصيادين تتعرض لمضايقات كإطلاق النار ومصادرة الشباك ومنع الصيد في البحر، فمنذ 4 شهور تقريبا تعرضت لإعتداء من قبل بحرية الاحتلال المتواجدة بشكل يومي في المكان اضافة إلى مصاردة الشبك الخاص بي.
خلال حديثها لنا لم تكف مادلين عن وصف البحر وحبها له، “هو بيتي الثاني وحياتي، أقضي كل وقتي فيه، هو الذي كبّرني فأنا أأخذ منه لأعيش، هو مهنتي وهوايتي ايضا، اتكلم مع الموج والبحر في اوقات كثيرة، أحب ان اذهب الى البحر بغير لباس الصيد وبشخصية غير تلك التي ترتدي زيها الجلدي الاسود وتدخل عمق البحر لتعمل عمل الرجال متحدية كل الاعراف والتقاليد، احب أن أجلس في مكان اخر غير الذي اكون فيه اثناء الصيد وكأني كأي فتاة في مثل سني جئته في رحلة”.
وتقول عن موقف حصل معها في صغرها: “اذكر مرة وانا في الروضة بحثو عني ليومين متتاليين حتى يسلموني شهادتي، واخيرا وجدوني على البحر مع والدي فسلّموني اياها حينها”.
التقرير مشترك لـ وطن للأنباء ومدار نيوز
رابط قصير:
https://madar.news/?p=5461