فيديو.. أصبحت ذكرى.. القصة الكاملة لهدم مبنى سينما جنين
وقف الشاب لؤي بلعاوي (22 عاما) من سكان مدينة جنين شمالي الضفة الغربية، عند مبنى “سينما جنين”، أقدم صرح ثقافي في المدينة، يرتجل معزوفته الموسيقية الأخيرة، قبل هدمه.
مالك مبنى سينما جنين الجديد، أقدم مساء أمس الإثنين، على هدم مبنى السينما، كي يبني سوقا تجاريا مكانه. فأصبحت السينما بعد الهدم مجرد ذكرى، وطُويت معها حقبة ضمت معلما تاريخيا في جنين.
الفنان لؤي عزف على مدى ساعة كاملة مقطوعة موسيقية على العود عبرت عمّا في داخله، كما قال. هي مقطوعة الوداع الأخير لصرح طُبع في ذاكرته منذ أن كان طفلا، كونه معلما ثقافيا وجزءاً هاما في جنين.
من بين أصوات الجرافات التي تهدم أجزاء مسرح سينما جنين الخارجي، علت أصوات العود الحزين، مودعة الصرح الثقافي، الذي كان موطنا وحاضنا لروافد الفنون المختلفة، بدون أن يتمكن أهل الثقافة والغيورون عليها أن ينقذوا السينما قبل فوات الأوان.
امتزجت موسيقى عود لؤي الحزين مع آثار الخراب الذي حلّ بسينما جنين. وتخيل حطام الأثاث جمهورا يبكي لحظة الوداع.
لم يتألم لؤي بلعاوي وحده، بل شاركه الألم كثيرون من أهالي المدينة، وعشرات الشبان والشابات في جنين الذين فشلت جهودهم طوال الأشهر الماضية في إنقاذ سينما جنين من الهدم. ولم يشفع لهم تواصلهم مع جهات رسمية عدة، وتنظيمهم وقفة احتجاجية أمام المبنى رافضين هدمه، وصارخين لإنقاذ حاضنتهم الثقافية، وتراث مدينتهم العريق، فالمستثمر نجح في هدم المبنى.
الصحافية مجد حثناوي، ومنسقة حملة “جنين تهدم”، وهي حملة شبابية نظمت الحراك الأخير رفضا للهدم، أكدت أن “هدم السينما قانوني، لأن أحد المستثمرين اشتراها من ملاكها، وهي مشروع خاص، لكن الحملة حاولت وقف قرار الهدم لما تمثله من رمز ثقافي في المدينة”، مؤكدة أن الحراك يسعى حاليا إلى إيجاد صرح ثقافي بديل يكون حاضنة ثقافية كما كانت سينما جنين.
وأوضحت مسؤولة العلاقات العامة في سينما جنين ميساء الأسير أن “إدارة السينما استنجدت بمؤسسات رسمية فلسطينية عدة، من أجل تبني السينما، أو إنقاذها بعد تخلي مؤسسة ألمانية عن تمويلها، وبعد أن أصبح مشروع السينما عبئا على ملاكها، لكن دون جدوى، إلى أن اشتراها مستثمر من جنين، بنحو مليون وربع المليون دينار أردني، قبل ثلاثة أسابيع.
وأشار مدير مكتب وزارة الثقافة الفلسطينية في مدينة جنين، عزت أبو الرب، إلى أن سينما جنين هي ملك خاص، والحفاظ عليه مسؤولية الجميع، وإنقاذها يتطلب جهودا جماعية متشابكة وليس وزارة الثقافة فقط، وهو ما أكده أيضاً مدير مكتب وزارة السياحة والآثار الفلسطينية في جنين خالد ربايعة.
ربايعة أكد أن مكتب السياحة في جنين أوقف عملية الهدم في مراحلها الأولى قبل أيام، وأحيل الموضوع إلى الجهات المختصة في الوزارة من أجل تشكيل لجنة لدراسة ما يجري، لكن السينما لا تصنف معلماً أثريا تاريخيا، وهذا أضعف الموقف القانوني للوزارة لأن البناء خاص.
ورأى أنه كان من المفترض أن يعطي ملاك سينما جنين والمؤسسات المعنبة فرصة وفترة كافية لكل محبيها، من أجل العمل على إنقاذها من الهدم.
بُنيت سينما جنين في عام 1958، وافتتحت في عام 1960، وتملكها أربع عائلات من جنين. قدمت عروضا سينمائية متعددة، إضافة إلى استخدامها صالة للأفراح والفعاليات المتنوعة آنذاك، ثم أغلقت مدة 20 عاما أيام الانتفاضة الأولى التي اندلعت في عام 1988.
وأعاد ورثة البناء افتتاح السينما في عام 2008، بالتعاون مع مؤسسة ألمانية. واحتضنت على مدى سنوات أعمالا ثقافية متنوعة، وعروضا مسرحية، ونقاشات عن أفلام وثائقية ودرامية. كما قدمت عروضا تعليمية، ومهرجانات ثقافية متعددة، إضافة إلى برامج تعليمية من فنون التصوير، والمسرح، والدبكة، والرقص الشعبي. لكن هذا الدور انتهى الآن، بعد أن أصبح حطاما، وذكرى.
العربي الجديد – محمود السعدي
رابط قصير:
https://madar.news/?p=19324