الشريط الأخباري

في الضفة.. أبحاث مدرسية مصيرها سلة المهملات

مدار نيوز، نشر بـ 2017/01/24 الساعة 10:21 مساءً

التعليم الذاتي منهجيةٌ جديدةٌ تتبعها التربية والتعليم في الضفة الغربية للتعلم في المدارس، تسعى من خلالها إلى التخلص من النمط التقليدي في التعليم وتعريف الطالب على مصادر المعرفة خارج الكتاب المدرسي والمعلم، إذ تتضمن أنشطةً طلابيةً مختلفةً للوصول إلى المعلومة كالبحث في المكتبات أو الإنترنت أو المناقشة الصفيّة، أو زياراتٍ ميدانيةٍ لأطباء وأماكن أثريةٍ وخبراء تغذيةً مثلاً.

إلا أن ما يحدث في الواقع يختلف تمامًا في كثيرٍ من المدارس، خاصةً في القرى الصغيرة والمناطق البعيدة عن مديريات التربية والتعليم، حيث يستبدل المعلم هذه الأنشطة المنوعة ببحثٍ صغيرٍ حول موضوعٍ معينٍ ينفذه الطالب دون أن يتعلم كيفية إجراء هذا البحث أو طرق الوصول إلى المعلومات المطلوبة، ما يدفعه للجوء إلى المكاتب التجارية ومراكز الانترنت لشراءه.

“مطلوب منكم أبحاث، هذا ما قالوه لنا فقط”. يقول محمد عطية طالبٌ في الصف التاسع.

المدرسون لا يكترثون

الكثير من الطلاب أفادوا بأن إعدادهم لهذه التقارير أو “الأبحاث” كما يطلقون عليها لا يتم مناقشتها في الفصل، وأكد عددٌ كبيرٌ منهم أن نسبةً عاليةً من المدرسين لا يقرأون هذه الأبحاث أصلاً، بل المهم بالنسبة لهم أن يحضر الطالب واجبه البيتي، الأمر الذي دفع الكثير من الطلاب إلى إهمال هذا الموضوع.

“كنت في البداية متحمسة أذهب إلى المكتبة والإنترنت وأبحث باجتهاد، ثم اكتشفت أن المعلمة لا تقرأ ما أكتب، وآخذ أنا وزميلتي التي اشترت البحث نفس العلامة، وأن مصير بحثي كبحثها في سلة المهملات! فلماذا أتعب نفسي في إعداده؟”. تقول إحدى الطالبات في الصف السادس.

الإقبال الكبير من قبل الطلاب على شراء الأبحاث المدرسية دفع العديد من أصحاب المحلات التجارية في القرى الصغيرة إلى وضع حاسوبٍ وطابعةٍ في محلاتهم، فتقول صاحبة أحد هذه المحلات: “أشفق على الطلاب بسبب الطلبات المتكررة من قبل المعلمين وغير المنطقية أحيانًا. والمشكلة أنه لا يوجد في كل بيتٍ حاسوب، وإن وجد فلن تجد إنترنت أو طابعة، ما يدفع الطلاب لخسارة الكثير من العلامات أو التوجه إلى المدينة لطباعة البحث، لذلك قررت أن أطبع هنا في محلي”.

وتضيف، “في البداية كنت أحاول أن أنوع وأغير كي أبتعد عن التكرار، ولكن أحيانا يأتي إلي خمسة طلاب من نفس الصف يريدون الموضوع ذاته عن شاعرٍ معينٍ مثلا، من أين أحضر لهم معلومات متنوعة؟ لذلك أطبع منه نسخًا مكررةً وأسلمهم إياه، الغريب أنه لم يراجعني أحد الطلاب يومًا”.

وتقول الطالبة في الصف التاسع أثير حنايشة، إن “المعلمة لا تهتم إن كان البحث مكررًا أو لا، بل إنها لا تنتبه لذلك”، مضيفة، “جزءٌ من الطالبات يبحث عن شيءٍ مختلفٍ وجديدٍ لأنه مهتمٌ، وجزءٌ آخر لا يكترث. وأحيانا بعض المعلمات يحاولن تطبيق أسلوب النقاش في عرض البحث وتطلب منا المشاركة، هذا الأمر ساعدنا على ترسيخ المعلومة في عقولنا”.

وخلال امتحانات نهاية الفصل الدراسي الأول، التي انتهت الأسبوع المنصرم، تم رصد توقف طلبةٍ عن الدراسة لامتحاناتهم، والتوجه لمكتبةٍ تجاريةٍ أو مقهىً للإنترنت لشراء مشروعٍ بحثيٍ عن مواضيع لمادة اللغة العربية مثلاً، أو صور حيواناتٍ طلبها منهم أستاذ العلوم قبل الامتحانات بأسبوع، وأخبرهم أن موعد التسليم يستمر حتى يوم الامتحان.

الطالب في الصف السابع علام عبد الرحمن توجه ليلة امتحانه إلى أحد هذه المراكز من أجل شراء بحثٍ مدرسيٍ يسلمه لأستاذه، دون أن يعرف حتى عنوان البحث. وعند سؤاله قال: “بحث جغرافيا، لا أعرف أي شيء له علاقة بالجغرافيا”.

وأضاف، “الأستاذ قال لنا لا يهم ما هو موضوع البحث، المهم أن تسلمني إياه قبل الامتحان، فقط لأن المدير يريد أن يعرف أن الاستاذ طلب الأبحاث منا”، مشيرًا إلى أنه لم يتعلم يومًا كيفية إجراء البحث ولا استخدام الإنترنت أو المكتبة لإيجاد موضوعٍ ما.

الطلاب لا يفهمون ما يريدون

يقول أحد أصحاب المكاتب حول أكثر المواقف غرابةً إنه “حدث مع طالبٍ أتاه طالبًا بحثًا عن الشاعر وليد جيلاني، وعندما أخبرته بعدم وجود شاعرٍ بهذا الاسم، انصرف ثم عاد بعد ساعاتٍ قائلاً إنه يقصد الشاعر وليد كيلاني من نابلس، وقد التبس عليه الاسم بسبب تشابهه مع اسم وليد جيلاني الذي كان أحد المشتركين في أحد مواسم برنامج أرب آيدول!”.

أما أحمد علاونة وهو صاحب مركزٍ لطباعة الأبحاث التجارية، فيقول: “أحد الطلاب جاء طالبًا مقدمةً وخاتمة، وعندما سألته عن عنوان الموضوع قال لي العنوان هو مقدمة وخاتمة! كررت عليه السؤال فقال إنه لا يعرف، وأن الاستاذ طلب منه أن يحضر مقدمةً وخاتمة فقط”.

وعند السؤال لعدد من الطلاب إن كان قد تعلموا آليةً معينةً لإجراء الأبحاث عبر الإنترنت أو في المكتبات، أو الطريقة المبسطة لكتابة بحثٍ يتكون من مقدمةٍ وعرضٍ وخاتمة، كانت معظم إجاباتهم بأنهم لم يتعلموا شيئًا من هذا كله، وبعد الاستفسار لوحظ أن الكثير منهم غير قادرين على التمييز بين الإهداء والمقدمة والفهرس والخاتمة.

تقول الطالبة رغد ماجد إن معظم المعلمات يطلبن الأبحاث دون أن يخبرن الطالبات كيفية عمل البحث، “هناك معلمات علمننا وهذا ما ساعدنا في عمل بقية الأبحاث، لكن ما فهمناه أن المعلمات أنفسهن غير مقتنعات بعمل الأبحاث، وقلن لنا إن الأبحاث تخفض معدل المتفوقات”.

ويشير خليل بشارة صاحب أحد مراكز الطباعة في مدينة جنين، إلى أن الكثير من الطلاب تعلموا طريقة البحث الصحيحة عبر الانترنت، وكيفية كتابته وتنسيقه.

ويضيف، “بعضهم يأتي لاستخدام الأجهزة لأنه لا يوجد لديه جهازٌ في البيت، ومنهم يأتي ليطلبه جاهزًا، ومنهم من ينفذه في المنزل ويأتي لطباعته، النسبة الأكبر منهم تأتي طالبةً موضوعًا معينًا فقط من أجل أن ترضي مدرسيها دون الاهتمام في التفاصيل”.

تكاليف باهظة

محاولة إرضاء المعلم وصلت بالطلاب إلى التوجه لرسامين وخطاطين لتنفيذ مشروعٍ عمليٍ ما أو لوحةٍ فنيةٍ أو لكتابة أبياتٍ شعريةٍ محددة. حتى أن بعض المعلمين يرفضون استلام بعض هذه المشاريع لأنها غير منفذةٍ من قبل شخصٍ محترف، ما دفع هؤلاء الأشخاص إلى فرض أسعارٍ تتجاوز الـ50 شيكل مقابل العمل الواحد، كما تقول الطالبة وفاء أبو عرة.

ويعترض الكثير من الأهالي على الطلبات المتكررة التي لا تتوقف من قبل المعلمين. فتقول أم فؤاد من بلدة قباطية جنوب جنين، إن لديها أربعة أولادٍ في مراحل مختلفةٍ في المدرسة، ومنذ بداية الفصل الدراسي الأول وحتى الامتحانات لم تتوقف طلباتهم من أبحاثٍ ومشاريع ورسومات، وهذا كله تدفعه لأنه لا يوجد في بيتهم لا طابعةً ولا حتى إنترنت.

ويحدثنا أحد أولياء الأمور أنه يصرف ما يقارب 30 شيقل كل يومين على الأبحاث المدرسية التي يطلبها أولاده الخمسة، على الرغم من أن أجرته اليومية لا تتعدى الـ50 شيكل يوميًا.

كما أن “الطلبات الغريبة” التي يطلبها المدرسون في بعض الأحيان تدفع أصحاب مراكز الإنترنت والمكتبات إلى رفض تنفيذ البحث أو طباعته، وفقًا لما أفاد به أحمد علاونة، الذي أكد أنه رفض طباعة بعض الأبحاث بسبب تكلفتها المرتفعة.

“أحيانًا يأتي الطالب يريد بحثًا ملونًا أو يريد 10 صورٍ ملونةٍ بحجمٍ كبيرٍ للاعبي كرة قدم، والصورة الواحدة تكلفه 4 شواقل، يعني 40 شيقل لصورٍ يريد أن يعلقها الطالب على مجلة حائط، هذا جنون!” يقول علاونة.

ماذا تقول الوزارة؟

توضح شهيناز الفار مدير عام الإشراف في التربية والتعليم أن الهدف من الأنشطة الطلابية بشكلٍ عام هو تشجيع التنمية الشمولية للطالب، “بمعنى تنمية أدائه ومهاراته ومواهبه وقدراته في التعليم وفي الحياة اليومية”.

وتضيف، “أما الأبحاث ليس بمعنى أبحاثٍ حقيقيةٍ، بل الحصول على المعلومات عن أمورٍ مرتبطةٍ بمنهاجهم، وليس من خلال الإنترنت فقط، بل من الكتب والزيارات والرحلات والأنشطة التطوعية، حتى يكون عندهم القدرة على عرضها أمام الطلاب”.

وتشدد شهيناز على أن ما يحدث في بعض المدارس “غير مقبولٍ إطلاقا:، وأنه، على الأقل، يجب عرض البحث أمام الطلاب، مضيفة، “هذه الممارسات غير دقيقةٍ وغير مقبولة، الموضوع ليس بمعنى كتابة بحث طويل عريض، بل ممكن أن لا يتعدى الفقرة ويكون مفيد وبالتالي يتم نقاش”.

وأكدت أن الأبحاث التي تطلب من المكاتب ليست للطلاب، وأن المشروع يركز على العمل التشاركي للطلاب وهدفه تحقيق أهدافٍ تعليميةٍ في المنهاج، وليس أن يذهبوا إلى مراكز الإنترنت، “نحن لا نقبل بذلك على الإطلاق”، تقول شهيناز الفار.

فيما تعلق معلمةٌ في مدرسةٍ بجنين بأن الوزارة تتحمل جزءًا كبيرًا مما يحدث من إهمال، مؤكدة، أن التدريبات التي أخذتها هذه المعلمات لطرق إعداد المشاريع والأبحاث لم تكن كافيةً، ولم تجب عن جميع أسئلتهن.

“في اليوم الأخير من التدريب كان لدينا تساؤلاتٌ كثيرةٌ، وعندما كنا نسأل المدربين كانوا يقولون لنا: دبروا حالكم”. تقول هذه المعلمة.

شذا حنايشة – ألتارا صوت  فلسطين

رابط قصير:
https://madar.news/?p=27063

تعليقات

آخر الأخبار

مصرع مواطن من بيت أولا

الخميس 2024/10/03 3:24 مساءً