الشريط الأخباري

في ذكرى رحيل الشهيد يوسف السركجي شذرات وآهات لصانع الأخبار العاجلة .. فؤاد الخفش

مدار نيوز، نشر بـ 2017/01/22 الساعة 11:35 صباحًا

حينما يكون الحديث عن العظماء يصعب عليّ أن أتحدث بصوت خافت مترجرج ويكون من الصعب أن يسكت الإنسان سكوتاً يؤدي إلى ارتعاد الأوصال ، حينما تكتب عن العظماء تكون على غير العادة أحاسيسك .. مشاعرك .. حركات وجهك … طريقة جلوسك … تفكيرك .

حينما تكتب عن العظماء ترى الدنيا من زاوية أخرى يملأها الأمل والحنين تصبح الطاولة التي تجلس خلفها تكتب وأنت تكتب عن العظماء مليئة بذكريات السنين ومن دون وعي ترى نفسك تكسر حاجز الخوف والصمت الذي يثقل القلب المثقل بالشوق والحب والأنين.

قدري وحسن حظي أن أكون في فترة من فترات تاريخنا الحالي بالقرب من مدينة حوت الكثير من العظماء وتنقلاتي في السجون والاعتقالات والجامعات جعلتني أتعرف عن قرب على بعض الرجال الذي رسموا ملامح الوطن وكانت غايتهم فقط الشهادة جيل فريد وأناس عظماء كل همهم فداء الوطن وأن يتخذوا شهداء .

شهداؤنا من أصحاب الدراسات العليا والشهادات الكبيرة وأوضاعهم المادية مستقرة وسعداء مع زوجاتهم وأولادهم … الأكثر تميزاً .. ولا ينقصهم شيء … وبالرغم من كل هذا كانت عيونهم تنظر للبعيد للجنان للنيل ممن احتل الأرض وقتل الشعب.

يوسف السركجي أبو طارق الأب الحنون والصديق الصدوق والفدائي المخلص والمقاتل الهادئ صاحب الثغر البسام والكلمات الرقيقة … لقياه بلسم للقلوب … ابتسامته تسرق اللب … عيونه كلها حب وحنان.

إنه أبو طارق يوسف السركجي عملاق فلسطين ليس لأنه طويل فحسب … عملاق لأنه الرجل المميز … عملاق بحبه لفلسطين … عملاق بعمله وجهاده … عملاق لأنه تحمل الكثير الكثير مما تنوء الجبال عن حمله … عملاق لأنه رجل وحده ويحب الوطن … استطاع أن يتجاوز جرح السنين وظلم ذوي القربى وقال عيوننا يجب أن تكون موجهة نحو فلسطين .

كان الشهيد يوسف السركجي من أوائل من اعتقل في الانتفاضة الأولى وهناك في سجن مجدو تعرض الشيخ لظلم شديد وأذى كبير تحمل وبقي يرتل آيات القرآن ويدعو إلى سبيل ربه بالحكمة وكان الخيمة التي يستظل تحتها الأسرى والمعتقلون.

رأيته بأمّ عيني يحضر الطعام لإخوانه في السجون ويجهز لهم فطورهم .. رأيته ومن حوله جلس الرجال وكان يطعم إخوانه بيده يقول له هذه من يدي ويعود ليطعم الأخ الآخر يقولون له كل أنت يا شيخ فيرد عليهم ويقول لا تخافوا عليّ … يعود يطعم الأخ الآخر ويستحلفه أن يقبلها من يده المباركة لفم الأخ الأسير إنه حنان الأب.

في غرفة التحقيق وأقبية الزنازين قال له المحقق عليك اعترافات أنك مسؤول عن حماس في الضفة عليك اعترافات من الخليل ومن نابلس وجنين وطولكرم وكل مدن الضفة فعدل الشيخ جلسته وقال له صحيح فأنا يدي طويلة تصل لكل مكان وأشار بيده لصدر الضابط الذي ارتعد وعلم أنها رسالة تهديد له.

بعد أن طورد من قبل المحتل واختفى عن الأنظار ونظم صفوف الرجال ولقّن المحتل درساً في المقاومة والفداء وأبكت عملياته جنود المحتل وكانت شاشات الفضائيات تتناقل كل ساعة خبراً عاجلاً أرسل الشيخ الأستاذ رسالة إلى جندي من جنوده وهو الشهيد قيس عدوان يقول له فيها ( يا من تصنع الخبر العاجل هل من خبر عاجل )

لم يكن يوم 22/1/2002 يوماً عادياً على فلسطين أبداً كان يوماً محمماً بالدم … استيقظنا على أصوات التكبير توجهنا إلى ساحة مستشفى رفيديا الكل يبكي من جسامة الحدث رجال كست الدماء وجوههم … أمر جلل قد حدث … توجهت ومن معي من ثلاجة إلى أخرى نبكي نسيم أبو الروس وجاسم سمارو جنرالات فلسطين وهناك بالقرب من المكان شخص لا يستطيع أحد أن يتعرف على جثمانه ومعرفة هويته دققت النظر فيه لم أعرفه كانت آثار التعذيب بائنة على وجهه وجسده وبعد وقت علمنا أنه الحبيب كريم مفارجة الذي قتل في الحمام وأضرج بدمائه .

وهناك كان مسجى الشيخ الجليل أسد فلسطين يوسف السركجي أبو طارق الوالد الحاني كالبدر وجهه … تزين محيّاه ابتسامة الشهيد … من حوله الرجال يبكون وينحبون شيخهم ورفاق دربهم لا أحد يقول لأحد لا تبكي … الكل ينظر للجسد الطهور ويبكي الفارس المسجى في دمائه يغسل وجهه من دم الشيخ يدعو له بالرحمة وفي القلب غصة وفي الصدر نار تشتعل .

أبا طارق … آه كم تفتقدك الميادين والفيافي … آه لو تعلم معزتك ومحبتك ومكانتك في قلوب أبناء شعبك … آه لو تعود عربة الزمان للوراء لكنّا طلبنا منك البقاء وعدم الرحيل … نعرف أنك عاشق ولهان للجنان لكننا نفتقد حكمتك رجولتك قيادتك هدوءك زمجرتك .

مواقف الشيخ يوسف السركجي لا يمكن لشخص مثلي أن يحصيها وأتوق لذلك اليوم الذي يخرج لنا من هو قادر على كتابة التاريخ وتسجيل هذه السير العطرة من أجل ذلك الجيل الذي أرقب خروجه … جيل تربى على سير الرجال الأسرى والشهداء.

الشيخ يوسف السركجي نجم خافق في سماء فلسطين يلمع من حين لحين في سماء الوطن المظلم ليله الممزقة أوصاله هو الدوحة التي يلجأ لها المسافر في صحراء هذا الوطن الذي اختلف بنوه فنجد في ظلاله السكون والراحة .

نعم يا سيدنا وإمامنا وربّان سفينتنا إن القافلة يجب أن تسير ونعلم أننا مجرد أشخاص في ركب هذه القافلة .. يسيّرها ربٌ مدبر … اليوم تركت العنان لقلمي أن يسجل شوقه وحنينه وجلست أروي حكاية معطرة بعبق الماضي وعطر السنين وآهات الحنين والحب وألم الأنين .

رابط قصير:
https://madar.news/?p=26652

هذا المقال يعبر عن رأي صاحبه فقط.

تعليقات

آخر الأخبار