الشريط الأخباري

قراءة في توصيات مؤتمر ماس الاقتصادي..جبريل محمد

مدار نيوز، نشر بـ 2016/09/01 الساعة 3:33 مساءً

بعد يوم طويل اختتم معهد ابحاث السياسات الاقتصادية الفلسطيني (ماس) عماله بتوصيات عديدة لمعالجة الوضع الاقتصادي الفلسطيني، والمعهد كونه مؤسسة شبه حكومية، عادة لا يخرج عن المنظور الحكومي تجاه ابحاثه وحتى في تركيبته والاشراف عليه يشكل جزءا من البنية الحكومية، بغض النظر اخذت الحكومة بمقترحاته وتوصياته ام لم تأخذ وبالتالي فان المؤتمر هنا لا يعبر عن سياسة الحكومة، ولكنه كان اصيلا لتوجهات الحكم العامة المكرسة لاوسلو وتبعاته.
وبالنظر الى المشاركين في المؤتمر، نجد انهم من نفس المدرسة الاقتصادية والخلاف بينهم هامشي وجزئي في التفاصيل لا في المنهج العام وبالتالي يكون المؤتمر ممثلا للاتجاه السائد فكريا ومقصيا لاية افكار أخرى تناقض هذا التوجه وفي ذلك نقيصة كان اجدر بباحث متميز ومختلف في ماس نسق اعمال المؤتمر ان يتجنبها.
فالفكر الاقتصادي في فلسطين لم ينشأ من هذه المدرسة حتى في اصعب الظروف بل ان نشأة الفكر الاقتصادي كانت مرتبطة اساسا بنقد الكولونيالية من منظور متناقض معها ليس على المستوى السياسي وانما على المستوى الاقتصادي ايضا، وهنا يشهد لعادل سمارة انه اول من ادار المفتاح في هذا القفل.
الموضوع الثاني وهو غياب الدراسات الاجتماعية المرافقة للموضوع الاقتصادي، حيث ومنذ اغلق ماس وحدته الاجتماعية التي ادارها بجدارة الباحث جميل هلال، بات المعهد مجرد مركز دراسات كمية لاستشارات اقتصادية دون دراسة الاثار الاجتماعية للمنظاظير الاقتصادية المقترحة ودون الربط بين الفعل الاقتصادي والاثر الاجتماعي له.
يعنون ماس مؤتمره ب “سبل النهوض بالاقتصاد الفلسطيني”، وهنا اعتراف بان الاقتصاد الفلسطيني يعاني مشكلة على الصعيد الذاتي وانه يمكن النهوض به، ولكنه يحاول التعميم واخلاء المسؤولية عن الاطراف المسببة لهذه المشكلة التي يعترف بيان التوصيات انها مزمنة وتعود الى لحظة قيام السلطة وانها تفاقمت في السنوات الثلاثة الاخيرة، فمن هو المسؤول عن ذلك، الاحتلال نفهم انه يريد اجلاءنا وليس انهاكنا اقتصاديا فقط، ولكن لماذا لم نؤسس لفكر اقتصادي يدرك ويتعامل مع الواقع الذي نعيشه في ظل الاحتلال؟ ومعهد ماس عمره من عمر السلطة.
ينتبه البيان الى خراب القطاعات الانتاجية دون ان يذكر سبب الخراب عدا الاحتلال مرة ثانية، الم يكن تعميم اقتصاد الوكالات التجارية، واقتصاد الريع المنتظر لهبات الدول المانحة والخضوع لشروطها ورؤيتها هو السبب وان ذلك انتج طبقة جديدة من رواد السمسرة والريع على حساب الانتاج؟ ليس المهم البكاء على اللبن المسكوب ولكن المهم محاسبة من سكب اللبن.
بالنظر الى المشاركين في المؤتمر فهم من لون وفكري سياسي واحد بحيث غابت النظرة الاخرة وبالتالي غاب اي تةجه نقدي يمكن ان يزعج المؤتمرين، مع انه يمكن ان يساعدهم على الطريق التي بدأوا يعونها بعد عقدين وهي الطريق الانتاجية، وبالتالي فالمؤتمر هو مجموعة تفاكرية من لون واحد تختلف في التفاصيل وتتفق غلى الانسجام مع السوق العالمي، لدرجة ان نقدهم لبروتوكول باريس كان خجولا، وغير جاد وان جل ما يسعون اليه هو تعديل اتفاق عفا عليه الزمن وبات قيدا ثقيلا في ساق الاقتصادج الفلسطيني، وولد مستقيدين ومتنفذين بات من الصعب اخراجهم من دائؤة الفعل الاقتصادي وهم الذين صنعوا اقتصادنا الحالي بكل صفاته، هنا لا بد من تجاوز هذا البروتوكول، والانتباه الى حاجات المجتمع الموضوعية، وهو امر لا زال خارج وعي المؤتمرين.
هل حقا كانت هناك محاولات جادة من الحكومات المتعاقبة لمواجهة التحديات الاقتصادية؟ اظن ان البيان هنا يجامل كل الحكومات ويحاول تبرئتها من خطايا ارتكبتها بحق الشعب الفلسطيني في هذا المجال، فاين الجد حين تكون موازنات القطاعات الانتاجية في الاقتصاد الوطني هي ادنى الموازنات؟ واين الجد حين يطلق العنان للاستيراد والقروض الاستهلاكية، والاستثمار العقاري على حساب سياسة احلال الواردات والتي معظمها من صناعة وانتاج الدولة المحتلة.
اين الجد في سياسة الحكومة حين تعلي من شأن الجبايةعلى حساب الانتاج وترسخ عقلية الريعية على حساب ثقافة الحرفة والصنعة والاستثمارة الفلاحية الصغيرة؟ اظن وكل ظني ليس اثم ان الحكومة لا تحتاج الى مثل هذه المجاملة بل تحتاج الى نقد جدي من مؤتمر يحاول النهوض.
اليكم هذه المصيبة وهي التوصية الاولى باستغلال “الهوامش المتاحة في اتفاق باريس” اية هوامش، وهل ندخل تحديا اذا تعاملنا مع الهوامش ام نبقى في الهوامش؟ بعد ذلك، ثم تأتي شماعة اخرى وهي تعذر التنمية الشاملة في ظل الاحتلال بسبب سياساته، وهل كان المؤتمر يعقد في دولة مستقلة؟ لماذا لم يطرح سبل مقاومة سياسة الاحتلال مثلا على الصعيد الاقتصادي، ام ان القطاع الخاص هذا الصنم دائما يريدها مقشرة؟
ما هو التعاون بين المستوردين؟ وهل يجب ان نقر ان الاستيراد سيبقى سداحا مداحا ام يجب تقنينه حتى لو باتت الحكومة هي المستورد للسلع الاساسية؟
انظروا… المؤتمر يريد زيادة مساحة الاراضي القابلة للتطوير عبر اجراءات ادارية كالطابو.. الامر يعني تسليع الارض وتفديمها فريسة للسمسرة العقارية ولغابات الاسمنت لا زيادة الرقعة المزروعة وزيادة الموارد الوطنية في الانتاج، هل الكلام السابق عن القطاع الانتاج مجرد ديباجة للاستهلاك؟
يا لمكافحة الفقر التي انشغل بها صندوق النقد وكل الصناديق الليبرالية العطوفة والرحيمة، هل يكافح الفقر بكل سياسات الحكم الريعي القائم؟ ولماذا لا زالت فحفرة الفقر تتسع اذا صرفنا كل هذه الملايين الممنوعة لمعالجته؟ وعليه قس في الصحة والتعليم والضمان الاجتماعي المفقود وقوانين العمل المراعية لنهم الرأسمال.
اليس هذه المؤتمر هو محاولة لمراجعة رأس المال في اساليبه بعد ان استنفذ كل مجالات القطاع الخدمي والسمسرة؟
وبعد الاطلاع على كل التوصيات نجد انها دوران في نفس الحلقة المفرغة، وارتهان لاقتصاد السوق الحر في بلد غير حر، والتعامل مع الطاقة الشعبية كموضوع للفعل لا كفاعل، بحيث لم نكن امام رأسمالية وطنية، (هنا لا نشكك قفي وطنية الموقف السياسي) ولكننا نضع كل علامات الاستفهام حول وعيها للموقف الاقتصادي الوطني، وذلك بفعل طبيعتها غير المنتجة.
لم يكن مؤتمر ماس شاملا وساعيا للخروج من التبعية والالحاق، ولا متفهما لارتباط الاقتصادي بالاجتماعي وبما يءدي الى كسر حلقة التخلف المفرغة، بل كان دورانا حقيقيا في فلكها، حتى وان وسع قطر مداره فانه لا زال منجذبا الى نواة الالحاق والتبعية.
لذا مطلوب حوار شعبي عام في المسألة الاقتصادية الاحتماعية تحاول وضع استراتيجية للصمود والاستقلال الوطني، لان الساحة تفتقر الى مثل هذا الصوت في مواجهة الصوت العالي للاقتصاد الطفيلي.

رابط قصير:
https://madar.news/?p=5654

تعليقات

آخر الأخبار