قطار استقلال الطاقة ينطلق من جنين
وفا- جعفر صدقة- في خطوة تؤذن بانطلاق عملية طال انتظارها لتحقيق قدر معقول من الاستقلال في قطاع الطاقة عموما، والكهرباء بوجه خاص، وضع رئيس الوزراء رامي الحمد الله حجر الأساس لمحطة توليد للكهرباء في مدينة جنين، اليوم الخميس.
المحطة، وهي الأولى من نوعها في الضفة الغربية، والثانية على مستوى فلسطين بعد محطة التوليد في قطاع غزة، بطاقة إنتاجية تصل إلى 450 ميغاوات سنويا، تشكل 40% من حاجة فلسطين للكهرباء وفقا للتقديرات الحالية، والتي تعتمد بنسبة 90% من حاجتها للكهرباء على الاستيراد من إسرائيل، بفاتورة سنوية تصل إلى 750 مليون دولار، تشكل حوالي خمس الموازنة الفلسطينية العامة.
وقال الحمد الله “في ظل هذه الظروف والصعاب، تعد محطة توليد الكهرباء التي نضع اليوم أولى أسسها، أحد أهم المشاريع الريادية والاستراتيجية التي نعول عليها، حيث تلعب دورا محوريا في توفير طاقة مستدامة ومرنة لجزء كبير من أراضينا وقطاعاتنا، وتوفر آلاف فرص العمل المباشرة وغير المباشرة، كما أنها تبنى على مقربة من منطقة جنين الصناعية الحرة، لتوسع النشاط الاقتصادي فيها وفي كافة أرجاء الوطن”.
وأضاف “نضع اليوم حجر الأساس لما سيكون أكبر وأول محطة لتوليد الطاقة الكهربائية في الضفة الغربية، والثانية على مستوى فلسطين، والتي تعمل بغاز فلسطيني طبيعي من حقل غزة، لتشكل بذلك لبنة أساسية في بناء قطاع كهربائي مستدام بل وبنية من بنى دولة فلسطين”.
وتابع: تواجه بلادنا صعوبات مزدوجة وتحديات كبيرة للارتقاء بقطاع الطاقة وتلبية الاحتياجات المتزايدة والمضطردة إليها، فبالإضافة إلى ما نواجهه كما الكثير من دول العالم، من خطر الاعتماد بشكل حصري على الطاقة التقليدية وأخطار التلوث والتغير المناخي، فنحن نواجه أيضا، سيطرة إسرائيلية خانقة على أرضنا ومواردنا، إذ تمعن إسرائيل في تشديد حصارها الظالم على قطاع غزة وتتوسع في استيطانها العسكري، وتنتهك وتنهك البيئة الفلسطينية بكافة مكوناتها وعناصرها، وتعرقل حركة البضائع والأشخاص والتجارة، وتمنع جهود التنمية والبناء والمأسسة في المناطق المسماة (ج)، هذا بالإضافة إلى ما خلفه العدوان الإسرائيلي المتكرر على غزة من دمار هائل في البنية التحتية وبمصادر الطاقة والمياه والأراضي الزراعية”.
وبحسب رئيس الوزراء “فقد أريد لهذا المشروع أن يكون وطنيا متكاملا بامتياز، فإلى جانب قيمته الوطنية والاستراتيجية، فإنه أيضا يمكننا من اتباع أفضل المعايير المتطورة والصديقة للبيئة، حيث صمم ليستخدم أحدث المعدات والتقنيات والمكونات لحماية البيئة والتقليل من الانبعاثات الكربونية والحرارية. كما سيعمل على نظام التبريد الهوائي بدلا من المائي، ما يساهم في ترشيد استهلاك المياه إلى الحد الأدنى، وصون الموارد المائية المحدودة في بلادنا. وقد سعت سلطة الطاقة، وبالتعاون مع مطور المشروع، لإعداد وتجهيز الوثائق المطلوبة اللازمة لطرحه دوليا”.
وبحسب رئيس سلطة الطاقة والموارد الطبيعية عمر كتانة، فإن “حاجة الأراضي الفلسطينية (الضفة الغربية وقطاع غزة) للكهرباء تقدر بحوالي 900-1000 ميغاوات سنويا، تزيد سنويا بنسبة 6-7%، نستورد 90% منها من إسرائيل، يضاف إليها 30 ميغاوات من مصر ومثلها من الأردن، فيما يقتصر الإنتاج المحلي على حوالي 140 ميغاوات هي الطاقة الإنتاجية لمحطة التوليد في غزة، إضافة إلى كمية محدودة للغاية تولد من الطاقة الشمسية”.
محطة توليد الطاقة في جنين هي باكورة برنامج متكامل للاعتماد على الكهرباء من إنتاج محلي، وتحقيق استقلال تدريجي في هذا المجال عن إسرائيل. وقال كتانة “نستهدف الوصول إلى إنتاج 50% على الأقل من احتياجاتنا من الكهرباء خلال خمس سنوات، عبر إنشاء هذه المحطة، ومحطة مماثلة في جنوب الضفة، إضافة إلى عدة محطات لتوليد الكهرباء من الطاقة الشمسية، على أن يصار في مرحلة لاحقة إلى توسيع الاستيراد من الدول العربية لتوفير النسبة الباقية (50%) من احتياجنا، وتقليل الاعتماد على إسرائيل إلى أقل حد ممكن”.
ويتوقع أن يصل حجم الاستثمار في المحطة إلى حوالي 600 مليون دولار، وتستبنى بشراكة بين صندوق الاستثمار، كمساهم رئيسي بنسبة 39.6% من رأس المال، وعدد من الشركات الرائدة، تشمل: “باديكو القابضة” بنسبة 20%، والبنك العربي بنسبة 10%، ومجموعه الاتصالات الفلسطينية بنسبة 10%، والشركة الفلسطينية للكهرباء بنسبة 5%، والشركة العربية الفلسطينية للاستثمار “أيبك” بنسبة 4%، وبنك فلسطين بنسبة 2.3%، وشركة الخليج للصناعات المعدنية بنسبة 2%، وصندوق التقاعد الفلسطيني بنسبة 1.3%، وبنك القدس بنسبة 1.1%، وبنك القاهرة عمان بنسبة 1.1%، وشركة فلسطين للاستثمار العقاري “بريكو” بنسبة 0.7%، وشركة التأمين الوطنية بنسبة 0.7%، وعدد من المساهمين الأفراد.
وستعمل المحطة بنظام التبريد الهوائي بدلا من نظام التبريد المائي، ما يساهم في ترشيد استهلاك المياه والحفاظ على الموارد المائية المحدودة في فلسطين، كما أنها ستضمن توربينين: أحدهما يعمل بالغاز وسينتج 300 ميغاوات، إضافة إلى توربين بخاري لاستغلال البخار الناتج عن عملية احتراق الغاز في انتاج 150 ميغاوات اضافية، في افضل استغلال للطاقة.
وقال رئيس مجلس إدارة صندوق الاستثمار، رئيس مجلس إدارة شركة فلسطين لتوليد الطاقة محمد مصطفى، مالكة المحطة، إن مجلس إدارة الشركة اعتمد توزيع وثيقة عطاء المشروع مطلع الشهر الحالي على أفضل 6 شركات عالمية متخصصة في تركيب وتشغيل محطات توليد الطاقة الكهربائية، والتي تم تأهيلها من أصل 29 شركة عالمية اهتمت بهذا المشروع، وتوقع أن يصار إلى اختيار الشركة الدولية المنفذة وبدء التنفيذ الفعلي لإنشاء المحطة قبل نهاية العام المقبل، على أن يبدأ التشغيل التجاري وإنتاج الكهرباء بحلول منتصف العام 2020.
واعتبر مصطفى أن مشروع محطة جنين لتوليد الطاقة الكهربائية “يكتسب أهمية وطنية واستراتيجية كبيرة، كونه أول وأكبر مشروع لتوليد الطاقة الكهربائية يعمل على الغاز الطبيعي الفلسطيني، فهو بذلك يساهم في استغلال وتطوير المصادر الطبيعية لدولة فلسطين، وسيضع فلسطين على خارطة الدول المستقلة في إنتاج الطاقة من مصادرها الوطنية، وسيساهم في تخفيض العجز في الميزان التجاري بحوالي 350 مليون دولار سنوياً، أي تخفيض استيراد الطاقة بقيمة مليون دولار كل يوم، عدا عن توسيع النشاط الاقتصادي على مستوى جميع محافظات الوطن”.
المشكلة الأبرز، التي أعاقت إنشاء المحطة حتى الآن، وهي مشكلة أيضا ما زالت قائمة في محطة التوليد في غزة، وترهق ميزانية السلطة، تتمثل في تأمين الغاز الطبيعي لتشغيلها، وهو مصدر أقل كلفة بكثير من الوقود الصناعي (الديزل)، وفي هذا بدا مصطفى متفائلا بتأمين حاجة المحطة من حقل الغاز الفلسطيني قبالة سواحل غزة.
وقال مصطفى لـ”وفا” “جميع الأعمال اللازمة لإنشاء المحطة وتشغيلها وتأمين الغاز اللازم لها تسير بالتوازي، ونأمل أن تكتمل هذه الأعمال معا بحلول الموعد المستهدف للتشغيل التجاري منتصف العام 2020″.
وأضاف: قبل نهاية العام القادم سنكون قد اخترنا الشركة العالمية المنفذة، ورتبنا عملية التمويل، بحلول انتهاء المشروع نأمل أن نكون قد استكملنا ترتيبات نقل الغاز من حقل غزة إلى المحطة”.
وكانت شركة فلسطين لتوليد الطاقة وقعت في وقت سابق مذكرة مع شركة “شيل”، صاحبة امتياز التنقيب واستخراج الغاز الفلسطيني قبالة سواحل غزة، لتزويد المحطة بالغاز، فيما تحتاج عملية النقل إلى ترتيبات مع إسرائيل.
وقال مصطفى: هناك ترتيب مع الجهات الاسرائيلية المختصة لنقل الغاز من البئر الفلسطيني إلى شبكة الغاز الاسرائيلية، ومن ثم مد أنبوب من هذه الشبكة إلى محطة توليد الطاقة في جنين مباشرة.
واضاف: بدأنا بالفعل اتصالات مع إحدى الشركات لتحديد مسار هذا الأنبوب. نأمل أن تسير الأمور وفق المخطط ليصار إلى استكمال ترتيبات نقل الغاز مع الانتهاء من بناء المحطة.
وسيباع كامل انتاج محطة توليد الكهرباء في جنين الى الشركة الوطنية لنقل الكهرباء، والتي ستقوم بدورها بتوزيعها على مختلف مراكز الاستهلاك في المحافظات الفلسطينية.
وقال مصطفى ان شركة فلسطين لتوليد الطاقة دخلت في العديد من التعاقدات، اذ دخلت في اتفاق أولي لبيع الطاقة الكهربائية لمدة 23 عاما مع الشركة الوطنية لنقل الكهرباء، والذي سيتم توقيع نسخته النهائية خلال الفترة المقبلة، كما وقعت الشركة مذكرة تفاهم مع مطوري حقل الغاز الطبيعي الفلسطيني مقابل سواحل غزة والتي سيتم ترجمتها الى اتفاقية طويلة الامد لبيع وشراء الغاز، اضافة الى خطاب تكليف مع مؤسسة التمويل الدولية لتوفير التمويل الازم للمشروع، والذي سيترتب عليه الدخول في اتفاقية تمويل طويلة الاجل مع ممولي المشروع، كما حصلت الشركة على الضمانة السيادية لدولة فلسطين، وتعمل على الحصول على تامين للمخاطر السياسية من المؤسسات الدولي.
محطة جنين لتوليد الطاقة، وما سيتبعها من مشاريع في هذا المجال، ينتظر ان تشكل رافعة قوية للاقتصاد الفلسطيني عموما، الذي يئن تحت عبء كلفة تعد من اعلى كلف الطاقة في العالم.
وقال الحمد الله: “لقد عملت الحكومة وما زالت، وفي إطار استراتيجية وطنية طموحة، على تحقيق أمن الطاقة وتنويع مصادرها، وحشد الاستثمارات المحلية والأجنبية، لتوفير إمدادات كافية للطاقة بشكل مستدام، وبأقل تكلفة، وعلى نحو أكثر استقلالية وكفاءة، ويشكل مشروع محطة توليد الطاقة الكهربائية في جنين، تجسيدا لهذه الخطى، حيث يعتبر قفزة نوعية في مجال أمن الطاقة في فلسطين، ويحمل أهمية استراتيجية كبرى، إذ يسد العجز في إمدادات الطاقة، ويضع بلادنا على خارطة الدول المنتجة للكهرباء، ويقلل الاعتماد على مصادر الطاقة المستوردة، ويقربنا من تحقيق هدفنا في تكريس استقلالنا في هذا القطاع، وهو، بالتأكيد، يمثل وجها جديدا للبناء والمقاومة والتحدي”.
رابط قصير:
https://madar.news/?p=17643