لماذا تُرك الجواد وحيدا ؟..كتب : كايد معاري

مشاركة الرئيس محمود عباس في جنازة ” شمعون بيرس” ليست المرة الأولى التي يعارض فيها الرئيس المزاج الشعبي العام، لكنها تميزت عن سابقاتها بخوضه المعركة وحيدا.
لم يخفي الرئيس يوما قناعته بالسلام كنهج وحيد للشعب الفلسطيني بمواجهة الإحتلال، ولم تكن مشاركته في الجنازة سلوكا سياسيا مفاجئا سواء لحركة فتح أو الحركات والتيارات النقيضة، وحدث ان عارض الشارع الفلسطيني نهجه بغض النظر عن تفاوت المنطلقات والدوافع .
هذه المرة، خاض الرئيس معركته مجردا من المؤسسة القيادية، خاضها بدون فتح ومجلسها الثوري ولجنتها المركزية، ومن منظمة التحرير ومجلسها الوطني ولجنتها التنفيذية، وأنصهرت نواة التنظيم الصلبة في الحراك الشعبي المضاد، وتاه الخطاب ما بين تأييد مطلق استغفل عقل المواطن الفلسطيني، وتابع الحدث وكانه في كوكب اخر. وفي الشق المقابل، معارضة متطرفة فاقدة لمصداقيتها كونها عبارة عن كلمات غير مترافقة مع ممارسة تصدقها.
تأخر الحراك المدافع عن الرئيس، واخذ يلملم نفسه بعد اجتماع لأمناء سر الأقاليم بمدينة قلقيلية عقب مرور يومين على الازمة ، وخرجت حركة فتح اخيرا ببيان موحد يتضمن رسائل تهديد ووعيد تتناقض مع ادنى القيم التي يمكن أن تدعو لها حركات التحرر، بل وهيأت الساحة مجددا لحالة من الاشتباك الوجاهي بالأيدي في شوارع مدينة رام الله.
حالة التيه في الدفاع عن مشاركة الرئيس بجنازة” بيرس” تبرز تلاشي دور المؤسسات القيادية في النظام السياسي الفلسطيني، وانسحابها نحو الهامش من حيث التأثير في الفعل السياسي الفلسطيني، وذلك بسبب غياب العملية الديمقراطية عنها، وعدم تجديد ادواتها على اسس ومعايير وطنية واخلاقية تحترم المواطن والوطن، كل ذلك ادى الى انحدار مستوى التفاعل الفلسطيني مع الحدث إلى حافة الهاوية، وفوت على الفلسطينيين فرصة عكس صورة حضارية وطنية منفتحة تناقش الحدث بعمق وتبحث في دلالاته ورسائله.
استند ياسر عرفات في اكثر من مرحلة تاريخية على مفردة ” ديمقراطية البنادق” لإيمانه بضرورة استمرار النهج الديمقراطي داخل المؤسسة القيادية، وقبل سلوك القيادات الوطنية المشاكس ، وفضله على طواقم وظيفية جرارة، كون الأولى تمنح المؤسسات القيادية ” ميكانيكية” عمل متسارعة وريادية، فيما تتوقف الثانية عن العمل مع انتهاء ساعات الدوام.
ولعل القضية الفلسطينية وهي امام مفترق مصيري، تحتاج إلى اعادة تفعيل دور المؤسسات الوطنية بشكل ديمقراطي يدمج مختلف القطاعات الوطنية والأهلية ، ويؤسس لميثاق وطني اخلاقي يوضح خطوط المسؤولية الوطنية والاخلاقية تجاه القضية الفلسطينية بعيدا عن ثقافة التخوين والإقصاء، والقبول بمبدأ تناقض الإجتهادات في سبيل حماية مصير الأجيال القادمة وحقها في العيش بحرية وكرامة.

رابط قصير:
https://madar.news/?p=10230