الشريط الأخباري

ماذا تعرف عنهم ..الغجر لهم في اعناقنا اكثر من دين وحق ..عماد الاصفر

مدار نيوز، نشر بـ 2016/10/23 الساعة 10:41 صباحًا

الغجري الذي خفف الآم سيدنا المسيح بسرقة مسمار وابدع الهجع والفلامنكو
……وكان العراقيون قديما كلما التقوا تنادوا لشرب البيرة قائلين: “هلموا لشرب الجعة”، وكانت بارات العراق وما زالت تدعى مشارب، ومفردها مشرب، وقد انتشرت في كل محلة وزقاق وتواردها كل من خط شاربه، واصبحت عادة يومية، حتى ان البعض كان يذهب للمشرب ببيجامته المخططة ام الجيبتين، وفي حال احتاجته ام البنين فانها لن تحار في كيفية استدعائه اذ يكفيها ان ترسل احد الجهال (مفردها جاهل أي الولد الصغير) ليقف في واجهة المشرب حتى يلاحظه والده، لم يكن ذلك فعلا مستنكرا اجتماعيا بشدة ايامها، تماما كما لم يكن مستنكرا بشدة ايضا انتشار تدخين الحشيشة او لبس الميني جوب (التنورة القصيرة) او لعب القمار او اللواط في بعض التجمعات العربية والخليجية. وكما اختصر العراقيون عبارة “سرور من رأى لتصبح سامراء”، فقد اختصروا “هلموا لشرب الجعة” الى “هلموا للجعة” فـ”هيا للجعة” ثم اختصروها اكثر فأصبحت مجرد 3 احرف بديعة هي هجع، واصبحت هذه الكلمة ام الاحرف البديعة والتي تلفظ (هــ CH ـع) لازمة لاغاني التجليب الحزينة وهي الاغاني التي تبدأ بعبارة (أجلبنك يا ليل…..) أي اقلبنك او اتقلب فيك يا ليل مؤرقا ساهرا وحزينا، واصبح هذا النمط الغنائي الجميل وما يرافقه من رقص بديع فنا عراقيا خالصا يعرف بالهجع.
لا يؤيد العراقيون المحافظون هذا التفسير رغم انه نابع من واقع الحال في حينه، بل يرفضونه ويطرحون تفسيرا آخر يرونه اكثر منطقية من ناحية اللغة واكثر قبولا من ناحية ذوي النظرة الاجتماعية المحافظة، ويستند تفسيرهم الى ان معنى الهجع في كافة قواميس العربية هو النوم، قد يؤيد كثير منكم هذا التفسير ولكنه سيعجز عن اعطاء تفسير مقنع لتسمية رقصة متفجرة بالطبول كبيرها وصغيرها، ومصحوبة بالهز العنيف للرؤوس الجميلة، والدوران اللذيذ للشعور الحريرية الطويلة السوداء الفاحمة، والتماوج اللطيف للخصور المنحوتة من مرمر والارداف المكتنزة، والتقافز النشيط للسيقان رواحا ومجيئا ودورانا، برقصة النوم بدلا من رقصة الهجع!!.
سبب آخر اظنه وجيها ومقنعا لنسب الهجع للجعة بدلا من النوم، هو ان ازدهار هذا الفن البديع تم على يد وفي مضارب الكاوليات ومفردها كاولية وتعني جماعات من قبائل الغجر التي استوطنت في اكثر من مكان على اطراف المدن العراقية وامتهنت الامتاع والمؤانسة والفن والتطريب مستفيدة من فتياتها الفاتنات وصاحبات الاصوات والقدود الجميلة، شأنها في ذلك شأن بقية قبائل الغجر التي قدمت من الهند وافغانستان حاملة لغتها العصفورية الخاصة وخيامها المزركشة على ظهور عربات تجرها بغال وتسايرها كلاب، وحال ترحالها المستمر دون امتلاكها للأرض والمتاجر، وانتشرت في كل مكان تقريبا وحملت العديد من الاسماء والديانات.
لم تكن الكاوليات على اطراف المدن دورا للدعارة كما يعتقد البعض بل ان ما كان يدور فيها يقل كثيرا عما يدور في بعض الاوساط الفنية اليوم او في النوادي الليلية الفخمة المقامة في ارقى احياء العواصم وبتراخيص رسمية، كل ما في الامر غناء جميل ورقص اجمل وفتيات يرقصن ويهتفن بلغتهن العصفورية (هجع) لتشجيع الزبائن على شرب مزيد من الجعة وهو ما يعني مزيدا من الاموال والارباح.
لن تجد عراقيا -مهما كانت قوميته او ديانته او طائفته- لا يستطيب ولا يطرب للهجع، تماما كما ان كل اسباني وكل ذواق للفن يحب رقصة الفلامنكو الاسبانية التي لا يبرع فيها الا الغجر، حتى ان راقصة الفلامنكو الغجرية اصبحت الشعار الرسمي لسجائر الجيتان الفرنسة، ولن تجد مغنيا عراقيا الا وقد غنى الهجع وممن برعت فيه رقصا الفنانة ملايين، وممن برع فيه اداءا وكلمات الاستاذ داخل حسن، والسيدتان لميعة توفيق وفريدة، والسيد فرج وهاب، وذلك قبل ان تدخل عليه الفئات المارقة بتوزيعها الموسيقي المتعجل ورقصاتها الميكانيكية الخالية من روح الهجع العظيم المستمدة من تصاعد لولبي أنيق لألسنة نار مستعرة اوقدها غجري على مدخل خيمته فيما تمطت كلابه الكسلى تحت عربته ونظرت خيله الى البعيد متوقعة رحيلا جديد.
حياة الغجر الخالية من التعقيد والشعور بالذنب حيالهم كانت وراء العديد من الافلام والمسرحيات التي جسدت حياتهم بانسانية كفيلم الغجري للممثل الفرنسي الآن ديلون والمسرحية العراقية اطراف المدينة ولعل من ابرز الشعراء الذين امتدحوا حياة الغجر الشاعر الاردني مصطفى وهبي التل المعروف بعرار وخاصة بعدما اغرم بسلمى الراقصة الغجرية الممشوقة القد والقوام حتى قال:
ليت الوقوف بوادي السير إجباري وليت جارك يا وادي الشتا جاري
ولا ابالي إذا لاحت مضاربهم مقالة السوء في تأويل مشواري
بين الخرابيش لا عبد ولا امة ولا ارقاء في ازياء احرارِ
الكل زط مساواة محققة تنفي الفوارق بين الجار والجار.
ومما يؤكد هذه المساواة ان الغجر يعتبرون السرقة حلالا ولكن بشرطين: اولهما ان لا تسرق ما لا تحتاج، وثانيهما ان لا تسرق ممن هو افقر منك حتى لو كنت محتاجا، وطبعا هذه الممارسات اصبحت من الماضي البعيد مع ذوبان الغجر واندماجهم في مجتمعاتهم ونيلهم بعض حقهم من التعليم والمساواة.
الآن هناك فرقة موسيقية شهيرة عالميا تدعى ملوك الغجر نشأت في فرنسا ولكنها تغني الفلامنكو بلهجة اندلسية اسبانية، ينحدر كافة اعضاء الفرقة من صلب الاجداد الغجر الذي هربوا من كاتالونيا ايام الاضطهاد باستثناء مؤسس الفرقة ومغنيها الرئيسي جلول بوشيقي (تشيكو بوشيخي) المولود لاب مغربي وام جزائرية وهو الشقيق الاصغر لأحمد بوشيقي الذي اغتاله الموساد في النرويج ظنا بانه ابو حسن سلامة. صدرت لهذه الفرقة عام 1989 اغنية رائعة بعنوان الدرب EL CAMINO تستحضر مفرداتها الروح الغجرية السائحة في ملكوت الله.
الغجر الرومن استوطنوا في اوروبا وهم هناك جيبسي GYPSIS، جيتان GITANES ، كالو، فلاكس، زرغر، واما الغجر الدومر فقد قدموا الى منطقتنا واصبحت اسماؤهم : نورّ، زط، كاوليون, جناكي، حلب، براكي، هنجرانية، صُلّب، تتر ، مساليب، سبابجة، قرباط، مطاربة، غوازي، عوالم. واما هم فانهم يسمون انفسهم اولاد الطرقات، شهود الزمان، ابناء الرياح. ولذلك فقد رفضوا ان يكون لهم دولة مستقلة.
للغجر في اعناقنا نحن البشر اكثر من دين وحق ويجب تعويضهم عن الاضطهاد في روسيا والحرق في المانيا النازية والقوانين العنصرية في البرتغال والنبذ في كافة بلدان اوروبا و القتل والتشريد على يد الزير سالم واشانة السمعة والحرمان من حقوق المواطنة والمساواة في الوطن العربي بل ويجب الاعتراف بفضلهم الفني في الموسيقى والغناء والرقص ودعمهم للحفاظ على لغتهم الام وتراثهم وعاداتهم ومعتقداتهم. ويكفي ان جدهم الاول سرق مسمارا من المسامير المخصصة لصلب سيدنا المسيح عليه السلام مما خفف من الآمه. ولكن اوروبا قاطبة ظلت تتهمهم بصناعة تلك المسامير . حتى ان الفنانة فيروز على ما هي عليه من الطيبة والروعة قد اتهمت في احدى اغانيها الغجر بسرقة ابنتها ريما وهو ما لم يحصل ابدا فريما اليوم مخرجة مبدعة تمارس الوصاية والرعاية لوالدتها المسنة.

رابط قصير:
https://madar.news/?p=12749

تعليقات

آخر الأخبار

حماس ترد على هجوم عباس “اللاذع”

الخميس 2025/04/24 1:15 صباحًا

الخارجية: جاليتنا في تركيا بخير

الخميس 2025/04/24 12:11 صباحًا

اليمن: عدوان أميركي على الحديدة

الخميس 2025/04/24 12:09 صباحًا