ماذا وجد في ساعة يد بلال كايد؟
كتبت:شذى حماد: وحدهما في الغرفة، فقد التصقت به ولم تتركه، أو بالأحرى هو من تمسك بها طيلة السنوات الماضية، حتى أصبحت جزءا منه تسري بها دماؤه.
سنوات مرت عليه ولم يجد مؤنساً لروحه مثلها، رغم صمتها المطبق وما تثيره من توتر أحياناً، إلا أنه لم يفكر يوماً بانتزاعها، تحديداً كما لم يفكر يوماً أنها ستكون سبباً بانتصاره بمعركة لم يعتقد أنه سيخوضها.
ففي ١٥ حزيران، ضبط بلال كايد (٣٥ عاما)، ساعته من نوع (casio) البلاستيكية السوداء ذات الأصول اليابانية، وهي بالمناسبة الساعة الوحيدة التي تسمح إدارة سجون الاحتلال للأسرى باقتنائها. لتصبح (casio) تعد لبلال أيام إضرابه، حتى لو تدهورت صحته أو فقد وعيه لفترة طويلة، أو حتى بدأ ينسى، تفطنه هي.
“كلما عدت له الساعة ١٠ أيام، يقوم بإعادتها للصفر، وما أن تعد له ١٠ أيام جديدة حتى يعيد الكرة .. فقد كان كل ١٠ أيام يجدد لنفسه نيته بالاستمرار بالإضراب”، تروي فرح بيادسي محامية بلال من مؤسسة الضمير، التي انتزعت قراراً يمكنها من زيارته كل يومين.
ما أن كانت تدخل الغرفة، كانت تتفاجأ فرح بعزيمة بلال وإصراره وكأنه لتوه دخل الإضراب عن الطعام، “في اليوم ٧١ على إضرابه، كان يظهر على ساعته أنه مضرب منذ ١٨ يوما … بلال كان حريصاً أن يحافظ على نفسه متماسكة ومعنوياته عالية” تقول فرح، فبلال وجد هذه الطريقة كمحفز له على الاستمرار في إضرابه حتى تحقيق مطالبه.
وتعلق فرح، “لم أقلق على بلال سوى مرة واحدة عندما نقل إلى العناية المكثفة … فقد كان في كل الأيام قوياً ثابتاً وواثقاً أنه سيصل لمطالبه ولم يهتز لتهديدات مخابرات الاحتلال وتخويف الأطباء المتعمد”.
الاحتلال وبعد إعلان بلال الإضراب عن الطعام تهرب من مفاوضته، كوسيلة لكسر عزيمته ليعرض عليه بعد ١٤ يوماً من إضرابه، الإبعاد خارج الوطن للأردن حتى أربع سنوات، وهو ما رفضه بلال حتى آخر يوم من إضرابه، كما تبين فرح.
“بدا واضحاً أن قضاة الاحتلال يوم الاثنين الماضي ضغطوا على المخابرات والنيابة الإسرائيلية التوصل إلى اتفاق، حيث أن قضية بلال غير مسبوقة ولا يوجد قرارات قانونية تعتمد عليها المحكمة للبت في قضيته”، مؤكدة فرح على أنه تم انتزاع قراراً جوهرياً يمنع تمديد الاعتقال الإداري لبلال الذي سيعانق الحرية في ١٢ كانون أول القادم.
الأسيرة المحررة والناشطة رلى أبو دحو لم تغب عن الفعاليات الميدانية التضامنية مع الأسير بلال كايد، والتي رغم ضعف الالتفاف حولها إلا أنها استمرت لتساند بلال وتضغط على الجهات الرسمية والدولية، “انتصار بلال انتصار للكرامة والتحدي وكسر لشوكة الاحتلال .. هو انتصار تم بإرادة بلال القوية وبالتضامن العالي من عائلته وشعبه ورفاقه الذين تضامنوا معه وساندوه”.
وتعتبر رلى انتصار بلال هو انتصار للمقاومة الفلسطينية المستمرة، “لا شيء يقف أمام إرادة الفلسطيني، والعبرة من انتصار بلال هو الهم والعمل الجماعي، فإضراب بلال وما تبعه من تضامن من رفاقه بالأسر يؤكد أن توحد الإرادات والجهود ستقود للانتصار”.
وواكب إضراب بلال عن الطعام مدة ٧١ يوما ضعفاً وتقصيراً من المؤسسات الحقوقية الدولية والمحلية، فتقول أبو دحو، “المؤسسات الحقوقية الدولية كانت شريكة مع الاحتلال، أما المؤسسات المحلية كان دورها أقل كثيراً من المطلوب، باهتاً وخجولاً تماماً .. وهو ما يتطلب من المؤسسات إعادة ترتيب أوراقها في ظل استمرار الأسرى في معاركهم بالإضراب عن الطعام”.
فور إعلان انتصار بلال في معركته، تحول التوتر والترقب والخوف في بلدة عصيرة الشمالية في نابلس، إلى فرحة عارمة لا تقل مظاهرها عن مظاهر العيد، فرغم تخطي الساعة ما بعد منتصف الليل إلا أن الأهالي ما زالوا يحتفلون في طرقات البلدة وأمام منزل بلال كايد، مرددين نشيد “تاريخ المجد تستطر بالبندقية” وهي التي أعدت قبل أشهر لتشغيلها في مهرجان استقبال بلال.
لتنتقل الاحتفالات في اليوم التالي إلى مدينة رام الله، لترفع رهيبة كايد والدة بلال علامة النصر عالياً، وهي تحتضن في اليد الثانية صورة الأسيرين الشقيقين البلبول المستمران في إضرابهما عن الطعام منذ ٥٠ يوما.
“اليوم يسطر بلال انتصاره رغم أنف الحاقدين، هذا الانتصار انتصار الأحرار رغم قلة عدتهم وعددهم وعتادهم .. هذا الانتصار سطره بلال بجوعه ومرضه هو جسر للحركة الأسيرة ليقول لكم أعبروا هذا الجسر المتين”، صدح صوت محمود كايد في خطاب قصير أوقف مدينة رام الله لتسمع لبيان الانتصار.
فيما وقف الأسير المحرر هشام الطيطي جانباً يتفقد الفرحة في وجوه الحضور، قادماً من مخيم العروب في مدينة الخليل، حريصاً أن يحضر مهرجان الاحتفال بالانتصار، الانتصار الذي كان واحداً من الشريكين في مساندته عبر خوضهم الإضراب عن الطعام على عدة دفعات.
فهشام الذي يقف خجولاً يسمع خطابات الشخصيات الرسمية المشيدة بانتصار بلال – والتي غابت كثيراً عن الفعاليات التضامنية- خاض قبل الإفراج عنه من سجون الاحتلال الإضراب عن الطعام ١٨ يوما.
ويعلق القيادي في الجبهة الشعبية ماهر حرب، “بلال منذ اللحظة الأولى لاختياره طريق النضال من أجل شعبه، كان مؤمناً بقضيته وصمد بالاعتقال وهو حاضن لآمال وآلام شعبه.. وبقي ثابتاً على مبادئه ليثبت لشعبه ذلك برفض الاعتقال الإداري”.
وختم”قضية الأسرى هي من تحرك الشعب الفلسطيني، فسبعة آلاف في سجون الاحتلال يجب أن يتحرروا وهذه هي رسالة بلال وكل الأسرى … هذه رسالة الأسرى وهذا حقهم المشروع”.
رابط قصير:
https://madar.news/?p=4727