من حق الجمهور الاطلاع على كافة التفاصيل المتعلقة بأية جريمة..ماجد العاروري

قتل الطفلة ايهم قزمار جريمة نكراء تستحق اقسى عقوبة نص عليها القانون، لكن معالجة بعض الجهات الرسمية والاعلامية للموضوع اغلفت جانب مهماً في التغطية الاعلامية وهو افتراض البراءة، وهو مبدأ قانوني يجب احترامه حيث ينتفي مبدأ البراءة فقط مع اصدار المحكمة لقرار الإدانة وبشكل قطعي.
لا شك أن من حق الجمهور الاطلاع على كافة التفاصيل المتعلقة بأية جريمة، لكن يتوجب احترام مبدأ البراءة، وما جرى في هذه الحالة من تصريحات تم بموجبه ادانة المتهم م قبل أن يعرض المتهم او الشخص المشتيه بإرتكابه الجريمةعلى قاضي، ومن ثم بدات الدعوات عبر وسائل الاعلام للمناداة بعقوبة الاعدام بحق المشتبه بإرتكابها الجريمة حتى قبل عرضها على القاضي لتمديد توقيفها، وتجاوزت بعض التصريحات الرسمية ما نص عليه القانون حول سرية التحقيقات، وباشرت بالاعلان بشكل رسمي عن اجراءات التحقيق على خلاف ما نص عليه القانون، علماُ بأن النيابة الجهة المخولة رسميا بالتحقيق احترمت في هذه الحالة ما نص عليه القانون ولم يصدر عنها حسب علمي اي تصريح اعلامي.
صحيح ان سرية التحقيقات لا تلزم وسائل الاعلام مثلما تلزم المكلفين بانفاذ القانون لكن افتراض البراء ملزم لكل الأطراف (الجهات الرسمية ووسائل الاعلام والمواطنين على حد سواء)، وافتراض البراءة لا يحول دون التغطية الاعلامية لأي حادث، بل هذا واجب على وسائل الاعلام، لكن ليس من حقها ان تقرر الادانة قبل ان يقرر ذلك القضاء بصورة قطعية .
من حق اي شخص ان يطالب بإزال اقسى العقوبات بحق من يثبت ادانته بهذه الجريمة، لكن لا يجوز ان يطالب بمعقابة اي شخص ما زال في مرحلة التحقيق أو حتى المحاكمة، ولا يجوز لوسائل الاعلام أن تخلق صورة نمطية فهم منها الكثيرون أن الجريمة تمت كون المتهمة هي زوجة أب مثلاُ وبالتالي وصمت بعض وسائل الاعلام زوجات الاب أو أزواج الام. الجريمة تلزم من يرتكبها بصفته الشخصية دون اية وصمة اجتماعية باية فئة اجتماعية، فمثل هذا الوصم قد يدرج في خانة التميز الاجتماعي .
التصريحات الرسمية كانت يجب ان لا تتجاوز نقل الوقائع فقط، كالقول بأن الشرطة القت القبض على الاشخاص المشتبه بتورطهم بارتكاب جريمة القتل، وثبات وقوع الجريمة وفقاً لتقرير الطب الشرعي، وباشرت النيابة بالتحقيق مع الشخص المشتبه به، ولا يوجد ما يمنع ذكر اسمه وعلاقته بالضحية، ومن ثم تم عرضه القاضي لتمديد توقيفه، وغير ذلك من النقل الدقيق للوقائع والذي لا ينجم عنه مس بافتراض البراءة، ويضمن حق الجمهور بالحصول على المعلومات دون مس حقوق أخرى.
اعتقد ان على الجهات الرسمية التي أصدرت بيانات وتصريحات صحفيه بهذا الشأن أن تراجع سياستها الاعلامية لمخالفتها القانون وقواعد التغطية الصحفية السليمة، فقدا بدى لي ان هناك سرعة قياسية في الاعلان الرسمي عن تفاصيل كاملة لجريمة وقعت خلال 24 ساعة على وقوعها، من وجهة نظري المتواضعة هذه الفترة قد لا تكون كافية لاصدار لائحة اتهام من النيابة، فكيف تقوم جهة رسمية بتقديم رواية تحدثت بلغة الادانة.
قد تكون المعطيات التي نشرت صحيحة لكن بالمقابل هناك حالات عدة ظهرت براءتها في الحكم القضائي القطعي كان آخرها قضية قضت المحكمة مؤخراً ببراءة المتهمين بارتكابها بعد عدة سنوات من المحاكمة رغم نشر اعترافات على لسانهم في وسائل.
اتمنى وانا أعلم أن ما اقوله يأتي معاكساً للتيار العاطفي الذي اجتاح وسائل الاعلام لروع الجريمة، لكن لا بد في هذه اللحظة من صرخة عقل أن نعي ماذا يعني مبدأ افتراض البراءة؟. وهذا لا يمنع كما قلت تغطية مستوفية للجريمة، ولا يمنع استكار ورفض الجريمة والمطالبة باقسى العقوبات بحق من يثبت ادانته، فجريمة قتل الطفلة قزمار جريمة نكراء وبشعة يرفضها العقل الإنساني، والسير خلف العاطفة دون تحكيم العقل قد تكون مردوداته سلبية. رحم الله الطفلة أيهم قزمار فقصتها تقشعر لها الابدان، ولا بد من التصدي لمثل هذه الجرائم.
رابط قصير:
https://madar.news/?p=24784