موطني..كتب.. غسان عنبتاوي

وانا اكتب خاطرتي سأبدأ بشيئين أولهما الاعتذار ممن لن يعجبه ما ساقول من رأي وهذا حقه، والثاني هو سرد مختصر لقصة كنت تعلمتها وانا في المدرسة فيها عبرة تساق على ما انا بصدد الحديث عنه.
القصة تروي سير أمير المؤمنين في أسواق المدينة، فإذا به يمر بتجمهر حشد من الناس تصدر منهم اصوات الإعجاب والذهول يتخلله تصفيق حاد بين الفينة والأخرى،
لم يستطع أمير المؤمنين مقاومة فضوله فذهب ليرى سر هذا التجمع فإذا بشخص يحمل مجموعه من الإبر ويقف على بعد مسافة أمتار من هدف، فيلقي بالإبرة لتستقر في ثقب الابرة الاخرى من دقة ومهارة التصويب لديه، نظر هذا الشخص حوله فعرف أمير المؤمنين فازداد اختياله امام التصفيق والذهول من المحيطين به. نظر اليه أمير المؤمنين وقال: اذهب وتعلم مهنة تعتاش منها وتفيد الناس فذلك افضل لك ولنا.
تذكرت هذه القصة وانا اشاهد حدث غناء موطني في باحة نيلسون مانديلا في رام الله هذا المساء، مبادرة جاءت بنية طيبة أطلقها نشطاء مخلصون اعرفهم جيدا وتجاوب معها عديدون من محبي هذا الوطن للعام الثاني على التوالي.
صدحت الحناجر لتغني موطني، ترنم الجمع على لحنٍ لبناني لكلماتٍ فلسطينية لشاعر نابلسي تمجد ما كان يوما يسمى وطن، ولم يتبقى منه سوى حلم واحرف لم تعد تحتضن في ثناياها سوى الحنقة والفرقة والاغتراب والتيه والالم .
عشقت كلمات قصيدة موطني، سمعتها مرارا وتكرارا، عشقت ألوان العلم، رسمته ورفعته فخرا واعتزازها، حلمت بهوية لا شيء فيها سوى فلسطيني، حملت هذا الحلم مداد سني عمري ولكن واقع الحال وشدة الاغتراب التي نعيشها أطفأت روعة هذا الشعور وخبى وهيجة وبت لا اعرف حتى لأي وطن نغني او لماذا نغني.
انغني لارض غابت عنها الحريات او الديمقراطية او الوحدة؟. ايمكن لها ان تسمى وطن ؟. انغني لوطن لم يعد يتسع للكل بأطيافه واصبح فيه الاقصاء والتفرد سيد الموقف وغدا الانقسام له أمراء واصحاب مصالح فيما الشعب يعيش حالة تيه وفقدان للأمل ؟.
ما هكذا يكون الوطن، ولا هكذا يكون المواطن، ولا بهذا نكون قد ادينا الدور في تعزيز الالتفاف حولة وصونة، مهمات المرحلة اكبر من ذلك بكثير والخطر المحدق فينا لا يجابه بنشيد على أهميته وقربه لقلبي الا اذا كان هذا الغناء حلقة في سلسلة تراكمية تحقق أهداف تقربنا من مبتغانا.
ولكني اليوم وانا ارصد ما جرى بين غناء موطني العام الماضي وغناؤه اليوم لا استطيع سوى ان أقر بان الانقسام بات أعمق من ذي قبل وتآكلت مساحة ما تبقى من الوطن لصالح توسع الاستيطان، خسرنا مزيد من وحدتنا ومن تكاتفنا وتراجعت مساحة الديمقراطية وارتفع عداد الشهداء والاسرى والجرحى واتسعت الفجوة بين الشعب والقيادة.
لا بد من وقفة تقييمية لما جرى والبناء على النوايا الطيبة للقائمين على هذه المبادرة لفعل شيء قابل للمراكمة باتجاه اعادة الاعتبار للوطن وكلمات أناشيده بشكل يليق بتضحيات من سبقونا ولا يزالون على الجمر قابضون ولم تنحني جباههم ولم تلن عزيمتهم.
رابط قصير:
https://madar.news/?p=15297