“نابلس” في كتاب

على مدى 14 شهرًا بذل الباحثان هاني العزيزي ورفيق الحداد جهدًا كبيرًا في إخراج كتاب مرجعي يعرض مدينة نابلس في زمنين مختلفين، تحت اسم “نابلس ماضٍ وحاضر”.
نحو 200 صورة بالأبيض والأسود والملونة لمواقع مختلفة للمدينة احتلت صفحات الكتاب توفر للقارئ فرصة المقارنة بين ماضي المدينة وحاضرها.
يقول الحداد إن الصور القديمة التي يحتويها الكتاب تعود لفترات مختلفة تبدأ من العام 1850 وحتى أواخر ستينات القرن الماضي.
اللافت في مشروع إعداد الكتاب هو كون معدّيه من أبناء المدينة المبعديْن عنها قسرًا لعشرات السنين، مما جعل لإنجازهما نكهة خاصة.
فالعزيزي من مواليد نابلس عام 1946 ودرس بمدارسها، وتوجه لمصر للدراسة الجامعية عام 1965، وأثناء وجوده هناك باغته الاحتلال بمنعه من العودة، فاستقر بالأردن وعمل مدرسا للجغرافيا العسكرية في الأردن وسلطة عُمان، ولم يزر نابلس سوى مرتين وفي السنوات الأخيرة.
أما الحداد، فهو من مواليد 1949، ودرس بمدارسها، وغادر وطنه مطاردا من الاحتلال بعد احتلال الضفة، وتنقل بين العديد من الدول العربية والأوروبية، قبل أن يحصل على الهوية الفلسطينية ويعود لوطنه عام 2000.
يقول الحداد: “هذا البعد القسري عن نابلس جعلنا مغمورين بالحب والحنين لها، ووجدنا الفرصة في هذا الكتاب للتعبير عن حبنا لها”.
بداية الفكرة
تعود بدايات الفكرة عندما أنشأت قريبة العزيزي مجموعة مغلقة على “فيسبوك” تربط أبناء العائلة والأقرباء والأنسباء في أنحاء المعمورة، وكان هو وهاني العزيزي أعضاء بهذه المجموعة.
ويضيف أن الفكرة تطورت إلى إنشاء مجموعة مفتوحة تربط كل أبناء نابلس لتكون مصدرا للمعلومات والصور عن مدينتهم لتلامس احتياجات أبناء المدينة في المهجر ممن يتحرقون شوقا لها.
ومن هنا نشأت صفحة “نابلس سؤال وجواب” والتي تقوم فكرتها على نشر صور قديمة وحديثة للمدينة.
مصادر عالمية
وعن مصادر الصور القديمة، يبين الحداد أن من أهم المصادر متحف الحرب الأسترالي الذي يضم مجموعة كبيرة من الصور لنابلس، والتي التقطتها فرقة الخيالة الأسترالية التي احتلت المدينة عام 1918، وكذلك مكتبة الكونغرس الأمريكي.
فيما تولى العزيزي جمع الصور من مصادرها المذكورة، كان الحداد يجول بكاميرته بين جبلي عيبال وجرزيم لالتقاط صور مماثلة من نفس المكان والزاوية التي التقط بها المصورون السابقون.
يقول الحداد: “واجهت صعوبة كبيرة في التصوير، فأحيانا كانت الصعوبة في تحديد مكان الصورة لتغيّر معالم الموقع، وأحيانا كانت الصعوبة في الوصول للمكان الذي وقف عليه المصور السابق”.
لكن بعض البنايات التي التقطت منها الصور كانت مقفلة لغياب أصحابها، أو حال بينه وبين الموقع المراد تصويره بناية مرتفعة تحجب الرؤية.
وينوه إلى أنهما واجها صعوبة في إيجاد متبرعين لطباعة الكتاب لعدم اقتناع المتبرعين في البداية بأهمية الكتاب وفكرته، لكن بعد طباعة ألف نسخة من الكتاب نفدت جميعها في حفل الإشهار، وهناك طلب كبير على اقتناء نسخ منه.
ويبين أن عددا من أبناء نابلس الناشطين في العمل التطوعي تجاوبوا بالتبرع لإصدار الكتاب، ومنهم المهندس كمال جردانة وهيا نعيم الخياط وعدد من أعضاء لجنة دواوين العائلات النابلسية.
تغيرات الزمن
ملاحظات عديدة يمكن لمن يطالع الكتاب ملاحظتها من خلال مقارنة الصور القديمة بالحديثة، واهمها النمو الطبيعي للعمران، والتوجه للبناء على سفوح عيبال وجرزيم بعد زلزال عام 1927، وامتداد المدينة غربا، وميل المواطنين للسكن بجبل عيبال لأنه أكثر عرضة لأشعة الشمس.
أما البلدة القديمة، فيمكن إجمال التغيّر فيها إما بالهدم والإزالة، أو تغيير نوع استخدام المباني، أو إضافة مبان وملاحق لمبان قديمة قائمة، مما غير شكل وبنية القديم وأفقده طابعه التاريخي.
هذا الكتاب ليس العمل البحثي المشترك الأول للباحثين العزيزي والحداد، فقد اشتركا سابقا في إعداد مخطط لمعالم البلدة القديمة اعتمادا على مخطط هيكلي للبلدية ومخطط آخر أعده الفرنسيون قبل الحرب العالمية الأولى.
وحاليا يحضر الحداد لعمل توثيقي جديد يركز على التراث المعماري والآثار الرومانية والإسلامية في البلدة القديمة، ليكون دليلا يمكن من خلاله التعرف على جميع الأماكن والأبنية فيها.
يبدي الحداد خوفه من ضياع التراث النابلسي واسفه لعدم وجود مؤسسة ترعى مسؤولية حفظ هذا التراث، ويقول: “من الجيد أن يقوم بهذه المهمة المتحمسين من أبناء المدينة، لكن لا بد من وجود مؤسسات توجههم وتنظم وتمول وتصحح عملهم”.
وتزداد أهمية توثيق هذا التراث في ظل وجود أساطير وخرافات تحاول إعطاء انطباع بأن تاريخ هذه المنطقة يبدأ من الوجود اليهودي فيها.
ويقول: “المملكة اليهودية المتمثلة بيهودا والسامرة استمرت 600 عام ليست شيئا يذكر بين الحضارات التي تعاقبت على هذه المنطقة والتي تمتد لأكثر من 10 آلاف عام”.
صفا