الشريط الأخباري

أمام لحظة الحقيقة لا بد من قرار تاريخي بمستواها .. هاني المصري

مدار نيوز، نشر بـ 2025/08/11 الساعة 2:13 مساءً

مدار نيوز \

قرار الحكومة الإسرائيلية باجتياح ما تبقى من قطاع غزة بشكل متدرج، بدءًا من مدينة غزة ثم التوسع نحو احتلال القطاع بأكمله، لا يُمكن قراءته كخطوة عسكرية محدودة أو مجرد تكتيك تفاوضي، بل هو قرار ذو أبعاد استراتيجية تعود إلى ثلاثة أسباب رئيسية: أولًا، دافع أيديولوجي صهيوني متطرف يعكس جوهر المشروع الاستعماري الصهيوني القائم على الإبادة والاحلال والفصل والتطهير العنصري والضم والتهجير والاستيطان. ثانيًا، أهداف استعمارية عنصرية تتجاوز بكثير الأهداف المعلنة للحرب، وتهدف إلى تصفية القضية الفلسطينية برمّتها وتغيير الشرق الأوسط. ثالثًا، حاجة سياسية داخلية تتعلق ببقاء الحكومة الإسرائيلية، إذ تشير استطلاعات الرأي إلى أن الائتلاف الحاكم سيفقد نحو ثلث مقاعده في حال أجريت الانتخابات الآن. انطلاقًا من ذلك، فإن قرار احتلال غزة ليس تكتيكًا تفاوضيًا، كما يحاول البعض تصويره، بدليل المواقف التي عبّر عنها الوسطاء القطريون والمصريون الذين أكدوا أن الاتفاق على الصفقة كان ينتظر اللمسات الأخيرة إلى أن استدعت واشنطن وتل أبيب وفدي التفاوض ورفضت اعادتهما، بل هو جزء من خطة طويلة الأمد تتطلب ردًا بحجم التهديد. ومن الممكن إفشال هذا القرار وإجبار الاحتلال على وقف الحرب، في حال تحققت عدة شروط، أبرزها: رد فعل فلسطيني وعربي وإسلامي ودولي بمستوى اللحظة التاريخية، يشمل الضغط على الولايات المتحدة، وخاصة إدارة ترامب، لوقف دعمها غير المشروط للحرب الإسرائيلية. تصاعد الخلافات الداخلية في إسرائيل واتساع الهوة بين مكوناتها السياسية والأمنية. استمرار وتوسّع المقاومة الفلسطينية وتكبيد الاحتلال خسائر فادحة على الأرض. أو في حال استسلام حماس والفصائل الفلسطينية، وهي فرضية لا تعني بالضرورة نهاية الحرب أو توقف مخطط تصفية القضية، بل قد ستتخذ الحرب أشكالًا أخرى أخطر. حتى في حال توقف المعارك العسكرية، قد يتحول المخطط إلى حرب “ناعمة”تقوم على: إذكاء الفتن الداخلية والصراعات المحلية، إحداث فوضى مرتبطة بتوزيع المساعدات، تشجيع الجريمة، ونشر العنف والمخدرات، خلق بيئة طاردة بمواصلة العمل لجعل قطاع غزة منطقة غير صالحة للحياة تمهّد للتهجير والاستيطان والضم، سواء في الضفة أو القطاع أو الداخل.. إننا نواجه لحظة مصيرية فارقة، تتطلب قرارات وطنية تاريخية بمستوى التهديد الوجودي الذي نواجهه. وأول هذه القرارات يجب أن يكون هناك بلورة رؤية سياسية موحدة ورد شامل ومتكامل، يقوم على: إنجاز الوحدة الوطنية أو التوافق الوطني الفعلي، على أساس برنامج نضالي مشترك وشراكة حقيقية، إجراء انتخابات على كل المستويات عندما يكون ذلك ممكنا تحت مظلة منظمة تحرير واحدة، وسلطة واحدة، وقيادة واحدة، وسلاح واحد، وتشكيل وفد تفاوضي واحد بمرجعية وطنية متفق عليها على الأقل في هذه المرحلة الحرجة. ولا يجوز التسليم بحالة الانقسام واستحالة انهائه، أو القبول بالآراء التي تزعم باستحالة توحيد حركتي فتح وحماس بسبب الخلافات العميقة والمصالح المتباينة. فالتاريخ مليء بأمثلة عن توحد حتى الأعداء لمواجهة خطر وجودي مشترك، والمخطط الصهيوني اليوم يستهدف الجميع بلا استثناء: الأرض، والشعب، والهوية، ومصادرة الحاضر والمستقبل. ومن الأدلة الحديثة التي تؤكد المخاطر وتُبرز الحاجة للوحدة، قرار الحكومة الإسرائيلية بتشكيل إدارة خاضعة للاحتلال في قطاع غزة، تهدف إلى فرض السيطرة الإسرائيلية المباشرة دون وجود أي سلطة، لا لحماس ولا لمحمود عباس، ما يعني شطب التمثيل الفلسطيني تمامًا. إنها لحظة الحقيقة. ويجب أن نواجهها بقرار تاريخي يعيد الاعتبار لقضيتنا وشعبنا ومستقبلنا الوطني.

تأثير حركات التضامن مع القضية الفلسطينية، بلا تأثير أم مؤثرة أم تأثير حاسم؟ كالعادة، تتعدد المقاربات في تقييم الحركات الشعبية وغير الشعبية المتضامنة م القضية الفلسطينية، والرافضة للإبادة الجماعية والتجويع والضم والتهجير. المقاربة الأولى تقلّل كثيرًا من أهمية هذه التحركات، وكأنها لم تكن، فهي مظاهرات شوارع لا تؤثر على القرارات أما المقاربة الثانية فترى أن دولة الاحتلال جراء المأزق الداخلي والتحركات الشعبية وسقوطها السياسي والأخلاقي في عزلة خانقة وقاب قوسين أو أدنى من الانهيار، وأن النصر الفلسطيني مسألة وقت لا أكثر. بينما هناك مقاربة واقعية تثمّن هذه التحركات، حتى تلك التي تنطلق من داخل دولة الاحتلال نفسها. وهي تؤثر بشكل متزايد حتى على القرارات الصادرة عن الحكومات، فثمة تغيرات جدية في الرأي العام الغربي بدأت تنعكس على بعض السياسات الرسمية، حتى في دول داعمة تقليديًا لإسرائيل مثل فرنسا وكندا وبريطانيا. كما بدأت تظهر بوادر انقسام داخل الحزب الجمهوري الأمريكي، لا سيما في تيار “أمريكا أولًا” المؤيد لترامب، بشأن الدعم المطلق لإسرائيل، وفي بريطانيا الحزب الجديد الذي يشكله جيرمي كوبان سجل في عضويته خلال أيام نحو ٦٥٠ عضو جزء منهم من حزب العمال الحاكم، وهذا حدث ورقم غير مسبوق. ورغم أن هذه التحركات لم تنجح حتى الآن في وقف الإبادة والتجويع، إلا أنها تمكنت من دفع صُنّاع القرار في واشنطن وتل أبيب إلى الحرج والتراجع عن الحصار القاتل، الذي بدأ منذ الثاني من آذار الماضي بمنع دخول أي كسرة خبز أو حبة دواء إلى قطاع غزة. ثم جرى بضغط الرأي العام الدولي واستجابة الحكومات السماح بإدخال بعض المساعدات، في البداية بشكل محدود، ثم بشكل أكبر وإن كان ذلك ضمن هندسة ممنهجة تضمن عدم وصول المساعدات إلى مستحقيها. بل إن ما يُسمى بـ”منظمة غزة اللا إنسانية” كانت أداة من أدوات الحرب، إذ أنشأت أربعة مراكز وزعتها كمصائد موت، ما أدى إلى استشهاد نحو 1500 شخص، وإصابة أضعافهم من الجرحى، أثناء محاولتهم الحصول على المساعدات. وقد استُخدمت هذه المراكز كتكتيك لبث الفوضى، وتأجيج الصراعات الداخلية، وتشجيع المجرمين والعصابات وتجار الحروب على الاستحواذ على المساعدات. ولو تخيلنا للحظة أن العالم لم ينتفض نصرةً لفلسطين كما هو حاصل اليوم، فهل كانت الحرب ستأخذ نفس المسار؟ الأرجح أنها كانت ستكون أفظع بكثير. وربما كان احتلال القطاع قد استُكمل، وبدأت عمليات التهجير والاستيطان والضم، ليس في الضفة فحسب، بل في القطاع أيضًا. وهذا يعني أن حركات التضامن لم توقف الحرب، لكنها ساهمت في تقليص قدرة دولة الاحتلال على تحقيق أهدافها بالكامل، وقيّدت يد مجرمي الحرب في واشنطن وتل أبيب، وجعلتهم يحسبون ألف حساب لإحتمال تطور الأمور نحو عقوبات جدية، أو عزلة دولية، أو حتى مقاطعة شاملة لإسرائيل. تتزايد المؤشرات على امكانية هذا التحول، إذ أعلنت بعض الدول الحليفة لإسرائيل أنها ستعترف بالدولة الفلسطينية في أيلول/سبتمبر القادم، وأوقفت ألمانيا توريد السلاح، وهناك عقوبات جزئية أخرى اتخذت وغيرها قد تتراكم مع الوقت، لا سيما إذا استطاعت المقاومة الصمود وإيقاع خسائر بشرية ملموسة في صفوف القوات المحتلة، وإذا تفاقمت الأزمات الداخلية في إسرائيل أكثر وأكثر، أفقياً وعمودياً. غير أن كل ذلك يظل مشروطًا بارتقاء الأداء السياسي الفلسطيني عن مستواه الحالي، وتغير الموقف الرسمي العربي وتحوله من المواقف إلى اتخاذ الإجراءات باستخدام عناصر وأوراق القوة العربية في العلاقات مع الدول خصوصا أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية، وهذا يتطلب رؤية واقعية، وطنية وثورية، بعيدة عن التخاذل والتكيف مع الواقع والوقائع التي يقيمها الاحتلال من جهة، والمغامرة غير المحسوبة والتي تقفز عن الواقع من جهة أخرى. رؤية تقوم على وحدة الهدف، ووحدة الأدوات وأشكال النضال المناسبة لتحقيقه. وإذا تعذرت الوحدة الكاملة، فيمكن تحقيق حدٍّ من الوفاق الوطني والتنسيق والتكامل، بحيث يسير كل فصيل هأو كل معسكر منفردًا، لكن يضرب الجميع في الاتجاه نفسه، الذي يجب أن يُفرض واقعًا أو يفترض أن يخلق واقعاً يستجيب للتحديات والمخاطر الوجودية ويوظف الفرص المتاحة، بحكم أن المشروع الصهيوني يستهدف الشعب الفلسطيني بأسره: أرضًا، وقضية، ومؤسسات، وحركات، بما فيها فتح وحماس وكل مكونات المجتمع. فلا مكان في هذا المشروع لأحد من الفلسطينيين، ولا لأي حد من حقوقهم.

رابط قصير:
https://madar.news/?p=343339

هذا المقال يعبر عن رأي صاحبه فقط.

تعليقات

آخر الأخبار