الإعلام الروسي يحتفي بفوز ترامب.. ما هي دوافع موسكو؟
أشارت ماريا كاتاسانوفا بفخر إلى اللوحات الثلاث المرسومة لدونالد ترامب وفلاديمير بوتين ومارين لوبان، والمتشابهة إلى حد مخيف، فجميعهم بشعر أشقر وأزياء متطابقة، وأوضحت “ذلك يُسمى اللوح الثلاثي، ورُسم منذ عام مضى حيث لم يكن يصدق أحد باحتمالية فوز ترامب سوانا، لذلك فهو يمثل الآن رؤية مستقبلية”.
تلك الرؤية المستقبلية تُفزع الكثيرين في أنحاء أخرى من أوروبا، ولكن الناس هنا في موسكو لا يستطيعون إخفاء، حماسهم تجاه تصريحات ترامب الودودة تجاه روسيا وما يصادفها من تداعٍ أصاب الوفاق الليبرالي الأوروبي.
أقامت كاتاسانوفا. الناشطة القومية التي كانت تعلن دعمها لترامب على الشبكات الاجتماعية لشهور، حفلاً بمناسبة تنصيب ترامب، مساء الجمعة الموافق 20 يناير/ كانون الثاني، في قاعة كبيرة على بُعد مئات المترات من الكرملين. تناول بها الضيوف النبيذ الفوار وفطائر اللحم أثناء مشاهدتهم للتغطية الإعلامية من واشنطن مصحوبة بترجمة فورية إلى اللغة الروسية.
وفي وقت لاحق، كانت هناك نقاشات في المكان نفسه مذاعة مباشرة على قناة مسيحية أرثوذكسية إلى جانب إطلاق كتاب لسيرة دونالد ترامب باللغة الروسية باسم “البجعة السوداء” أو (بلاك سوان).
ادعاءات جذبت الاهتمام
كما شاهد المواطنون الروس تغطية مباشرة لحفل التنصيب على القنوات التلفزيونية الرسمية، وعقَّب السياسي المعارض أليكسي نافالني على ذلك في تغريدة له قائلاً: “لا أتذكر أي حدث آخر، أذاعه هذا العدد الضخم من وسائل الإعلام في روسيا من قبل”.
وقد ظهر بوتين كخطر محدق في انتخابات الولايات المتحدة الأخيرة وفي عواقبها. ففي حين عدم ثبوت صحة أخطر الادعاءات بشأن روسيا على ترامب التي جمعها عميل سابق بجهاز الاستخبارات البريطاني الخارجي (MI6) في ملف نشره موقع “بازفيد” الأسبوع الماضي، والتي قد نفاها ترامب والروس، فوكالة الاستخبارات الأميركية تعتقد “بشدة” أن روسيا على أقل تقدير قد اخترقت رسائل البريد الإلكتروني للحزب الديمقراطي وأرسلتها إلى “ويكيليكس”.
بالرغم من النفي الشديد والغضب من اتهامات الوساطة، فيوجد أيضاً متعة خفية بسبب الاهتمام الذي جذبته تلك الادعاءات. في استقبال للصحفيين الأجانب الأسبوع الماضي، تبادل وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف والمتحدثة باسمه النكات حول التدخل الروسي في الانتخابات الأميركية والقرصنة.
وقد صرح فلاديسلاف سوركوف، أحد أهم مستشاري بوتين الاستراتيجيين، في عام 2005، بأنه من الأفضل لروسيا أن تكون عدواً حقيقياً للغرب بدلاً من كونها مجرد منافس فاشل له، وفي عام 2016، حققت روسيا ذلك بالفعل.
إعجاب روسي بترامب
ولكن قد يتغير ذلك كله الآن بدخول ترامب للبيت الأبيض بآرائه المتناقضة في كل موقف سياسي تقريباً بخلاف الوضع مع روسيا وبوتين، إذ لم يتغير مدحه لهما.
لم يُخفِ المسؤولون الروس، وعلى رأسهم بوتين، إعجابهم بترامب وبخطابه، فتعكس بعض تصريحات الرئيس الأميركي الجديد عن تعاون روسيا والولايات المتحدة لحل مشاكل العالم ما كان يحلم به بوتين لسنوات.
في حين يشتهر باراك أوباما في أنحاء كثيرة في العالم بكونه رئيساً يتحفظ في تدخلات الولايات المتحدة الأميركية بالخارج، وأهمها تراجعه عن “الخط الأحمر” في سوريا، فتراه روسيا ممثلاً لأميركا التي تسعى نحو السيطرة على العالم بتدخلاتها.
يظهر ذلك بالتلفزيون الروسي الذي يصف سياسة البيت الأبيض بقيادة أوباما ووزارة الخارجية الأميركية في عهده، أنهما أول من أثارا الاضطرابات في أوكرانيا، كما أن أحد العناصر الرئيسية للدعاية السياسية للكرملين هي تصوير البيت الأبيض بالوحش الكاسر لإظهار بوتين بالقائد الشجاع الذي يدافع عن الدولة بصد الأعداء الخارجيين.
إلى جانب بغض أوباما على وجه التحديد، فهناك أيضاً غضب عام من تسوية عالم ما بعد حل الاتحاد السوفيتي، الذي يُطلق عليه بوتين “عالماً أحادي القطب”، والذي أدى لصعود الولايات المتحدة كقوة عظمى دون منازع.
توسيع النفوذ
تأمل موسكو من أن تكرار استخفاف ترامب بالناتو وإصراره على عبارة “أميركا أولاً” سيؤدي إلى إعادة استحواذ روسيا على “مجال نفوذها” في أوروبا.
ويصرح ليونيد رشتنيكوف، الجنرال المتقاعد في جهاز الاستخبارات الخارجية الروسي، بأنه “لطالما كانت أميركا مهووسة بفكرة قيادة العالم. وذلك يذكرني بالاتحاد السوفيتي في ثمانينات القرن الماضي عندما كنا نسعى أيضاً للسيطرة على العالم”.
وأضاف: “دونالد ترامب أميركي عادي أراد إنهاء مساعي التدخلات في كل مكان وفي كل وقت، وقد صوت الشعب الأميركي لصالح ذلك”.
وافقت كاتاسانوفا على ذلك، زاعمة أن خطاب ترامب المفخم عن أميركا لن يتسبب إلا في منح فرصة للدول الأخرى بالتألق. “ففي عالم متعدد الأقطاب، تكون به أميركا عظيمة مجدداً، يمكن لروسيا أيضاً أن تكون عظيمة مجدداً، ويمكن لفرنسا أن تكون عظيمة مجدداً”.
وقال ألكسندر دوغين، الفيلسوف الروسي اليميني المتطرف الذي يؤيد ترامب منذ فترة طويلة، الذي تحدث عنه بإيجابية ستيف بانون المستشار الاستراتيجي الجديد للرئيس الأميركي إنه يعتقد أن بوتين لن يثير غضب ترامب الآن من أجل الفوز بامتيازات لطالما أرادتها روسيا في أوروبا وحول العالم.
وأكد أنه “ليس علينا القيام بأي شيء سوى الحرص على عدم إزعاج ترامب أو إغضابه أو استفزازه بأي خطاب عدواني، وسيأتي إلينا كل شيء تباعاً، مثل سقوط التفاح في الشتاء. فليس عليك حتى تحريك الشجرة، فالثمار تتساقط وحدها”.
هافينغتون بوست
رابط قصير:
https://madar.news/?p=26710