الانتقال من موقف المتشائل إلى آخر … هاني المصري
مدار نيوز \
مستسلم او مغامر لا شكّ أنّ الواقع الفلسطيني رديء ويزداد رداءة، رغم الصمود الأسطوري والمقاومة الباسلة. ويعود ذلك إلى عدة أسباب، أهمها اختلال موازين القوى لصالح دولة الاحتلال، وغياب البيئة الحاضنة العربية والإقليمية والدولية، بما لا ينسجم مع حالة التضامن الشعبي العالمي غير المسبوقة التي انتصرت لفلسطين وتناضل معها من اجل الحرية والعدالة وحق تقرير المصير. يضاف إلى ذلك أنّ القيادة الفلسطينية مشتّتة ومنقسمة وتائهة، تبحث عن بقائها أولًا قبل أي شيء آخر مع ان القرار يستبعدها بكل أقسامها ( لا حماستان ولا فتحستان) ويهدف إلى تغييرها جذريا بدعوى اجراء الإصلاحات، ان لم نقل تجاوزها كليا. ومع صدور قرار مجلس الأمن الذي منح الشرعية للوصاية الأمريكية وجرّم المقاومة وحمّلها مسؤولية ما جرى—بدليل تضمّنه نزع سلاحها من دون أن يتضمن شيئًا في المقابل حول جرائم الإبادة الجماعية والتطهير العرقي والفصل العنصري والضم—ازداد المشهد تعقيدًا. لكن رداءَ الواقع الفلسطيني لا تستدعي الاستسلام ولا المغامرة، فرأينا منظر مشهور(وله انصار كثر) يهدد باستئناف الحرب التي يعتبر وقفها الإنجاز الأكبر للفلسطينيين، كما رأينا آخر ينتقل من موقف إلى آخر بهذه السهولة؛ فقد انتقل من انتقاد مشروع القرار الأممي والتحذير من تبنّيه، إلى اعتباره—بعد صدوره—أفضل قرار يصدر عن مجلس الأمن بشأن القضية الفلسطينية. وقد ذكّرني ذلك برواية إميل حبيبي التي جمعت بين التشاؤم والتفاؤل، مبيّنة قدرة الفلسطيني على التكيّف من أجل البقاء والاستمرار وصولًا إلى الانتصار. فقد قدّمت التشاؤم على التفاؤل اعترافًا بصعوبة الواقع ومحدودية الفرص، لكنها أبقت مساحة للأمل والتغيير. غير أنّ هذا شيء، والتعايش مع الواقع الرديء إلى حدّ الاستسلام شيء آخر، خصوصًا عندما يصل الأمر إلى اعتبار قرار سيّئ أفضل ما صدر عن مجلس الأمن، والحديث عن إمكانية أن يقود إلى دولة فلسطينية… وكل تلك الأوهام التي انتشرت بعد صدور القرار. وهذا رغم أنه قرار سيعمل ترامب ونتنياهو على وأد أي إمكانية لولادتها، ما لم يتغيّر الوضع الفلسطيني ليصبح قاطرة تساهم في تغيير الوضع العربي والدولي. وهذا يتطلّب قيام قيادة جديدة موحّدة تحمل رؤى وخطط قادرة على الانتصار، وتعمل على توحيد الكلّ الفلسطيني—ما عدا العملاء—لأن المشروع المعادي يستهدف الفلسطينيين حاضرًا ومستقبلًا كما استهدفهم في الماضي. نعم، خطة ترامب والقرار الأممي الذي استند إليها لا تلبّي برنامج اليمين الأكثر تطرفًا في إسرائيل، وقد أوقفت الإبادة والضمّ والتهجير المباشر، لكنها في الوقت نفسه تسهّل استمرار الاستيطان و الضمّ المتدرّج والفعلي، والإبادة المتدرجة، وتواصل ما يسمّى “التهجير الطوعي”. أي أنها تستجيب لمصالح وأهداف دولة إسرائيل. ومع ذلك، سيسعى اليمين الإسرائيلي الأكثر تطرفًا إلى اعتبارها مرحلة على طريق تطبيق مشروعه في حسم الصراع من خلال إقامة “إسرائيل الكبرى”، وتهجير أكبر عدد ممكن من الفلسطينيين، وإخضاع من يتبقّى منهم لإدارات محلية لا تجسّد هوية أو كيانًا واحدًا، وتُبقيهم في معازل سكانية مكتظّة ومعزولة بلا أي مظاهر سيادية أو في أحسن الاحوال في بعض المظاهر السيادية المحدودة لمعزل قطاع غزة. هل نجاح أهداف واشنطن وتل أبيب قدرٌ محتوم؟ بالطبع لا. لكن منع ذلك يتطلّب جملةً من المتطلبات، أهمها وجود قيادة موحّدة، مخلصة، وطنية، ديمقراطية، مكافحة وواقعية، تعرف أنّ تغيير الواقع يستلزم التعامل معه من دون الخضوع له أو القفز عنه.
رابط قصير:
https://madar.news/?p=349564



