البروتوكول بين الشكلية والقيم: نحو تأسيس بروتوكول وطني تربوي في فلسطين . بقلم: ياسر أبوبكر

مدار نيوز \
مقدمة
يُنظر إلى البروتوكول في الأدبيات الحديثة بوصفه منظومة من القواعد والإجراءات التي تنظّم الحياة الرسمية وتضبط التفاعلات الدبلوماسية والسياسية. غير أن هذه الرؤية، على أهميتها الشكلية، كثيرًا ما تعجز عن الإجابة على سؤال جوهري: ما قيمة البروتوكول إذا تصادم مع البنية القيمية للمجتمع ومع وعيه الجمعي؟ إن البروتوكول بلا قيم يتحول إلى طقس أجوف، بينما البروتوكول المؤسَّس على منظومة أخلاقية يصبح رافعة لهوية الأمة. وفي السياق الفلسطيني، الذي يتسم بالاحتلال والتهميش والتهديد المستمر للهوية، يتجاوز النقاش بعده النظري ليصبح سؤالًا تربويًا وجوديًا: كيف نُعلِّم أبناءنا بروتوكولًا وطنيًا فلسطينيًا، يكون خادمًا للقيم، لا سيدًا عليها؟
أولًا: البروتوكول بين الطقس الشكلي والوظيفة الإنسانية
التجارب العالمية أظهرت أن البروتوكول حين يُختزل في الشكلية يفقد وظيفته الإنسانية. فالمقاعد والتراتبية والطقوس ليست أكثر من أدوات لضبط السلوك، لكن تحويلها إلى “مقدّسات” يقوِّض معناها الأصلي. المثال البسيط: إجبار شيخ كبير على ترك مقعده لمسؤول، ليس التزامًا بالبروتوكول بل انتهاكًا لكرامة الإنسان. هنا تتحول الشكلية إلى اعتداء على القيم، وهو ما يتناقض مع جوهر الثقافة العربية والإسلامية التي وضعت توقير الكبير ورعاية الضعيف أساسًا للسلوك الاجتماعي.
ثانيًا: التعليم كحاضنة
لتشكيل بروتوكول وطني
التعليم ليس مجرّد عملية معرفية، بل هو مختبر القيم ومنظومة التنشئة التي تعيد إنتاج الهوية الوطنية. إذا ما جُعل البروتوكول جزءًا من التربية الوطنية، فإننا نربّي أجيالًا تفهم أن “الرسمي” لا ينفصل عن “الأخلاقي”. في المدارس والجامعات الفلسطينية، يمكن أن يُعاد تعريف البروتوكول من خلال:
المنهج: تضمين وحدات دراسية تُبرز قيمة التواضع، توقير الكبير، واحترام الآخر باعتبارها أرقى من الشكلية.
الممارسة المدرسية: إعادة النظر في طقوس الاصطفاف، التقديم، ترتيب المقاعد، بحيث تعكس العدالة والكرامة لا الامتياز الفارغ.
الأنشطة اللاصفية: محاكاة مواقف حياتية يتعلم فيها الطلبة كيف يوازن القائد بين الشكلية والجوهر.
ثالثًا: نحو تأصيل “بروتوكول وطني فلسطيني”
لقد جسّد الشهيد ياسر عرفات هذا النموذج حين حوّل سلوكه إلى مدرسة بروتوكولية مغايرة: الانحناء على يد الطفل، الجلوس مع أسر الشهداء، مشاركة الجرحى آلامهم. هذه ليست ممارسات شخصية عفوية، بل رسائل سياسية وتربوية بأن القائد الفلسطيني يُقاس بقربه من الناس لا بمكانه على المنصّة. هنا يتجلى “البروتوكول الوطني الفلسطيني” الذي يُعيد تعريف المراسم باعتبارها وسيلة لترسيخ الانتماء، لا للتفوق الطبقي أو السياسي.
رابعًا: التحديات الراهنة
ثمة مخاطر حقيقية تواجه عملية تأصيل هذا البروتوكول، أبرزها:
1. استيراد البروتوكولات الغربية بمعزل عن السياق القيمي المحلي.
2. التعليم الشكلي الذي يركز على الطاعة والانضباط دون ترسيخ البعد الأخلاقي.
3. ثقافة الاستعراض السياسي التي تُغري بعض المسؤولين بتقديم الشكل على المضمون.
خامسًا: توصيات عملية
لتحويل الفكرة إلى ممارسة، يقترح هذا المقال ما يلي:
1. إدماج “التربية على البروتوكول الوطني” في المناهج، عبر وحدات خاصة في التربية الوطنية والتنشئة الاجتماعية.
2. تطوير أدلة إرشادية للمدارس والجامعات توضّح كيفية إدارة المراسم والأنشطة بروح وطنية وقيمية.
3. تدريب القادة التربويين والسياسيين على تطبيق بروتوكول فلسطيني بديل، يقدّم الكرامة على التراتبية الشكلية.
4. استخدام قصص الحركة الوطنية الفلسطينية (مثل سلوك ياسر عرفات) كنماذج تعليمية حيّة لطلبة المدارس والجامعات.
5. إعادة تصميم الأنشطة الوطنية (الاحتفالات، حفلات التخرج، تكريم أسر الشهداء والأسرى) بحيث تدمج بين الرمزية الوطنية والمرونة القيمية.
خاتمة
إن النقاش حول البروتوكول في فلسطين ليس نقاشًا شكليًا أو إجرائيًا، بل هو نقاش حول هوية الأمة وتوازنها بين الرسمي والقيمي. التربية والتعليم هما الميدان الأوسع لتأصيل “البروتوكول الوطني الفلسطيني” الذي يحمي الهوية ويعيد الاعتبار للكرامة الإنسانية. وبذلك، لا يصبح البروتوكول مجرد مراسيم، بل يصبح درسًا قيميًا يعيد تشكيل الأجيال على أسس أصيلة، ليظل الفلسطيني وفيًّا لمعادلة واضحة: القيم أولًا، الشكلية تابعة، والكرامة فوق كل اعتبار.
رابط قصير:
https://madar.news/?p=346944