الشريط الأخباري

التعليم والنمو الاقتصادي: نحو رؤية عربية وفلسطينية لبناء اقتصاد المعرفة. بقلم : ياسر أبوبكر

مدار نيوز، نشر بـ 2025/10/18 الساعة 2:23 مساءً

مدار نيوز \

يُجمع الاقتصاديون على أن التعليم لم يعد بندًا إنفاقيًا في ميزانيات الدول، بل استثمارًا استراتيجيًا يحدد موقعها في الاقتصاد العالمي. فمنذ تقرير أغيون وكوهين (Aghion & Cohen, 2004) حول “التعليم والنمو”، مرورًا بتقارير البنك الدولي ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) واليونسكو، أصبح واضحًا أن العلاقة بين التعليم والنمو الاقتصادي تتجاوز الارتباط الكمي بعدد السنوات الدراسية إلى ارتباط نوعي بجودة التعليم، وكفاءة مؤسساته، وقدرته على توليد الابتكار والإنتاجية.
أولًا: التحول من التعليم التقليدي إلى اقتصاد المعرفة.
تشير الدراسات إلى أن الاقتصادات الحديثة حققت قفزات نوعية عندما تحوّل التعليم من منظومة تلقينية إلى منظومة ابتكارية.
تقرير Aghion & Cohen يرى أن التعليم هو الوقود الرئيس للاقتصاد القائم على الابتكار، وأن الجامعات ومراكز البحث العلمي أصبحت تشكّل “البنية التحتية الذهنية” لأي تقدم اقتصادي.
كما تؤكد تقارير OECD (2024) والبنك الدولي (2018) أن التعلّم الحقيقي—not schooling—is what drives growth، فسنوات الدراسة لا تكفي إن لم تُترجم إلى مهارات ومعارف قابلة للتطبيق.
ثانيًا: الفجوة بين الكم والنوع.
تبيّن المقارنات الدولية أن كثيرًا من الدول النامية أنفقت بسخاء على التعليم دون تحقيق عوائد اقتصادية ملموسة. السبب الرئيس هو ضعف جودة التعليم الأساسي، ورداءة المناهج، وضعف تدريب المعلمين.
تقرير Hanushek & Woessmann (2015) يوضح أن التحسن في نتائج اختبارات المهارات الأساسية (كالرياضيات والقراءة) يرتبط ارتباطًا مباشرًا بزيادة معدلات النمو طويل الأمد، بغض النظر عن عدد السنوات الدراسية.
ثالثًا: العدالة التعليمية كرافعة للنمو.
تُظهر تقارير اليونسكو (GEM 2024) وEducation Commission (2016) أن اللامساواة في فرص التعليم تُقلل من النمو المستدام، إذ تُبقي شرائح واسعة من المجتمع خارج دائرة الإنتاج والإبداع.
في المقابل، فإن تمكين الفتيات والشرائح المهمشة من التعليم النوعي يرفع الناتج المحلي الإجمالي ويعزّز التماسك الاجتماعي. العدالة التعليمية ليست رفاهية اجتماعية بل شرط اقتصادي.
رابعًا: التعليم العالي والبحث العلمي.
يرى أغيون وكوهين أن التعليم العالي هو المحرك الأكثر تأثيرًا للنمو طويل الأمد، وأن أي اقتصاد يسعى إلى التحول المعرفي لا يمكن أن يتجاهل الاستثمار في الجامعات والبحث التطبيقي.
وهنا تتقاطع التوصيات مع OECD التي تدعو إلى ربط التعليم العالي بسوق العمل، وتوسيع الشراكات مع القطاع الخاص عبر حاضنات ابتكار وتمويل تنافسي للبحث العلمي.
خامسًا: العائد الاقتصادي للتعليم.
تقدّر مراجعات Psacharopoulos & Patrinos (2018) متوسط العائد العالمي لكل سنة تعليمية بـنحو 9% من الدخل الفردي، مع ارتفاع العائد في الدول منخفضة الدخل والتعليم العالي.
أما اليونيسف (2022) فتشير إلى أن التعليم في مرحلة الطفولة المبكرة يحقق أعلى عائد اجتماعي-اقتصادي، إذ يقلل من تكاليف الإقصاء لاحقًا ويرفع الإنتاجية المستقبلية.
سادسًا: الدروس المستخلصة للسياق العربي والفلسطيني.
في السياق العربي، لا تزال العلاقة بين التعليم وسوق العمل هشّة، حيث يُنتج النظام التعليمي ملايين الخريجين دون مواءمة كافية مع احتياجات الاقتصاد.
أما فلسطين، فتمثل حالة استثنائية، إذ يُنظر إلى التعليم كأداة للمقاومة والبقاء أكثر منه أداة اقتصادية، رغم أن الاستثمار في رأس المال البشري الفلسطيني أثبت قدرته على إنتاج كفاءات عالية عالميًا.
لكن استمرار ضعف البحث العلمي، ومحدودية التمويل، وغياب التخطيط القائم على البيانات، يحد من تحويل التعليم إلى طاقة اقتصادية منتجة.
ختاماً ، التعليم هو العمود الفقري للنمو، لكن شرط أن يُعاد تصميمه وفق منطق الابتكار لا التلقين.
انطلاقًا من ذلك، يمكن صياغة التوصيات التالية:
توصيات عامة على المستوى العربي :
1. توحيد مؤشرات قياس جودة التعليم وربط التمويل بنتائج التعلم لا بعدد المدارس أو الخريجين.
2. إعادة هيكلة التعليم المهني والتقني ليصبح ممرًا رئيسًا نحو الاقتصاد الرقمي.
3. استقلال الجامعات العربية إداريًا وماليًا لتشجيع البحث التطبيقي وريادة الأعمال.
4. إنشاء صندوق عربي للابتكار التعليمي لدعم المشاريع التعليمية الرقمية والبحثية.
5. تعزيز الشراكات بين التعليم والصناعة عبر حوافز ضريبية وتشريعية.
توصيات خاصة بفلسطين :
1. توجيه المناهج نحو المهارات النقدية والإبداعية التي تدعم القدرة على الصمود الاقتصادي والمعرفي.
2. تأسيس صندوق وطني للبحث العلمي في التعليم يمول المشاريع ذات البعد التنموي.
3. بناء شبكة جامعات ومراكز بحث فلسطينية-عربية للتعاون في مجالات الاقتصاد الرقمي والتعليم القسري.
4. إدماج التعليم في الخطط الاقتصادية والسيادية بوصفه أداة للتحرر والنمو في آن واحد.

رابط قصير:
https://madar.news/?p=347900

هذا المقال يعبر عن رأي صاحبه فقط.

تعليقات

آخر الأخبار

القسام تفرج عن جثتين اسيرين

الأحد 2025/10/19 12:42 صباحًا

إسرائيل تسلم جثامين 15 شهيدا

السبت 2025/10/18 2:43 مساءً