الشريط الأخباري

التوافق اولا .. وأخيرا…الدكتور باسم الزبيدي

مدار نيوز، نشر بـ 2016/09/09 الساعة 11:11 صباحًا

 

أثار موضوع تأجيل انتخابات الهيئات المحلية أسئلة كثيرة منها: كيف سيؤثر ذلك على مختلف الاطراف، وعلى الانقسام القائم بين كل من فتح وحماس وسلطتيهما المتآكلتين، وعلى عامة الناس في الضفة الغربية وقطاع غزة وغير ذلك من الاسئلة. السطور التالية تقول انه استنادا الى تجارب الانتخابات التشريعية والرئاسية والمحلية السابقة، فإنه من البديهي ان يكون الجدل حول اجراء او تأجيل أو الغاء الانتخابات المحلية مجرد مضيعة للوقت، لن يترتب عليه الا مزيد من الانقسام والتشظي وتعميق مأزق الفلسطينيين.

عموما، الانتخابات بالمعنى الديمقراطي هي صيغة مفاضلة بين برامج تتقدم بها الاحزاب السياسية في اطار سعيها لتحقيق ما يخدم الصالح العام، وهي صيغة تَنافُس وتَناظُر وتَقابُل وليس صيغة تَناحر وتَنافر وإقصاء.

 

وتنبثق المنافسة بين الاطراف المختلفة من اعتراف كل منها بالأطراف الاخرى، وذلك من باب مبادلته الاعتراف به وبشرعيته وحقه بان يكون جزءا من “اللعبة السياسية” للوصول للحكم. اذن، الإختلاف الاهم فيما بين تلك الأطراف هو حول السبل والاستراتيجيات الموصلة للأهداف (وربما حول الاهداف ذاتها) لكنه ليس خلاف حول شرعية كل طرف ومسوغات وجوده كما هو الحال بين حركتي فتح وحماس اللتان اصبح لكل منهما فلسطينها وسلطتها. فالانتخابات بالنسبة لهما ليست سبيلا لخدمة الصالح العام عبر اختبار الذات ومعرفة مدى مقبوليتها في عيون الناس، وانما هي فرصة يُتوخى منها شيطنة الطرف الآخر لتسويغ عدم الاعتراف به ورفض التعايش معه.

 

وقد اتضحت هذه النرجسية السياسية لدى الحركتين فيما سبق من انتخابات، سواء تشريعية (1996 و 2006) او رئاسية (2005) او بلدية (2004/2005 و 2012) ، حيث ترتب عليها مزيد من الانقسام و التشظي، كونها لم تنبثق من الصالح الوطني العام رغم الإدعاء بذلك، وإنما من حسابات فصائلية أنانية ضيّقة.

فانتخابات عام 1996 مثلا لم تأتِ كإجراء ديمقراطي حقيقي ليُجسد الإرادة العامة الحرّة للفلسطينيين وإنما كصيغة لتسويق مشروع حركة فتح (اتفاق اوسلو) ولصناعة “شريك” فلسطيني على مقاس ذلك الاتفاق ولمنحه “الشرعية” الداخلية والخارجية لتمكينه من انهاء الصراع مع اسرائيل. وقد قاد ذلك كما يعلم الجميع الى شرخ عميق بين الفلسطينيين، قسّمهم الى أخيار يديرون عملية “السلام” (فتح وسلطتها) وأشرار يضعون العصي بالدواليب (حماس والآخرون)، ترتب عليه الحاق افدح الأضرار بالمسألة الوطنية التي يدّعي الطرفان خدمتها.

الامر ذاته اعيد انتاجه في انتخابات 2006، تلك الانتخابات التي فازت بها حركة حماس، وجاءت كمحطة جديدة لتعميق الخلاف والتنافر بين الحركتين، خلاف وتنافر تفاقم وقاد الى حصار خارجي وداخلي، قامت حركة حماس على اثره بتشكيل “قوة تنفيذية” مكّنتها من السيطرة على قطاع غزة بالقوة المسلحة منذ صيف ٢٠٠٧، ترتب عليه نكبة الانقسام.

اما الانتخابات الرئاسية (2005) فهي أيضا ليست بعيدة عن ذلك السياق، حيث جاءت في اطار رغبة حركة فتح باستمرار نظام اوسلو والحفاظ عليه رغم فشله الذريع. لتحقيق ذلك، أسّست تلك الانتخابات لرئاسة اصبحت اليوم شبه مطلقة تدير “البلاد” بالمراسيم، وعبر سياسات حكومية لا تخضع لأية رقابة تشريعية، ويتجاوز جبروتها جميع المؤسسات الاخرى على الرغم من نفاذ شرعية رأس تلك المؤسسة منذ سنوات. اما الملفت فهو إدارة الحال الراهن المتهتك وكأنه حال دولة حرّة مستقلة ذات سيادة وازدهار، وكثيرا ما يتم تورية حقيقة ان سلطتنا هي كيان كسيح غير قابل للحياة من تلقاء نفسه، بعد ان جرّدته اسرائيل من مقومات الديمومة والاستمرار وأهله من مضمونه التحرري.

اما الانتخابات المحلية فلن تكون استثناء حيث تتجلى في نطاقاتها انكسارات الحالة الفلسطينية سواء تلك التي يسببها الاحتلال، او شح موارد الهيئات المحلية والاعتماد على الدعم الخارجي والانكشاف للخارج، أو اضطراب علاقة الهيئات المحلية بكل من “وزارتي” الحكم المحلي والمالية، أو باستمرار الانقسام. ان هذه الإنكسارات تحول دون تمكّن الهيئات المحلية من تقديم الخدمات اللازمة للمواطنين، ودون الاضطلاع بدور تنموي حقيقي يؤدي فعلا الى تعزيز صمود الناس في وطنهم وثباتهم في مواجهة الاحتلال. ان التصدي لهذه التحديات هو بحاجة الى الكثير من الجهود والمبادرات، والتي من اهمها توافق وطني كفاحي، ينبثق من رؤية شاملة للمسألة الوطنية ككل، يتكامل في نطاقها المحلي والمركزي، والمرحلي والاستراتيجي، والخدماتي والسياسي-الوطني، والخاص والعام، والضفة الغربية وقطاع غزة والقدس، وشمال الضفة (الرازح تحت الفقر) ووسطها (رام الله) الذي يعيش فقاعة النمو الاقتصادي الكاذب.

ان امتلاك مثل هذه الرؤية التوافقية هو شرط أعظم اهمية من أهزوجة اجراء او تأجيل او إلغاء الانتخابات المحلية، التي لن تختلف نتائجها وانعكاساتها عن نتائج وانعكاسات الانتخابات التشريعية والبلدية والرئاسية السابقة، وانتجت مزيدا من التفتت والتشظي، ما زال يلحق أفدح الأضرار بالمسالة الوطنية الفلسطينية، ما يعني ان المضي بالنظر الى الانتخابات المحلية دون تلك الرؤية هو تماد في تأجيج التناحر الدائر منذ 2007 بين الأخوة الاعداء في كل من رام الله وغزة.

رابط قصير:
https://madar.news/?p=6881

هذا المقال يعبر عن رأي صاحبه فقط.

تعليقات

آخر الأخبار