الذكاء الاصطناعي… لماذا غاب التعليم عن النقاش؟.. بقلم: ياسر أبوبكر

نابلس \ مدار نيوز \
في مقاله الأخير في صحيفة القدس «التزامًا بوعد قطعته»، تناول د. صبري صيدم موضوع الذكاء الاصطناعي بلغة واضحة وحذرة، مقدّمًا مجموعة من النصائح العملية لحماية الحسابات الإلكترونية، والتحقق من المحتوى، وضبط التعامل مع هذه التقنية في الحياة اليومية. المقال جاء متوازنًا؛ فلا هو منبهِر بالتقنية حدّ الغفلة، ولا هو رافض لها بالمطلق، بل قدّم صورة تجمع بين المخاطر والفرص، وبين التحذير والأمل.
هذا الطرح يستحق التقدير، خاصة أنه يذكّر الحكومات بضرورة التحرك سريعًا لوضع تشريعات تنظم هذه الثورة الرقمية، ويحمي المجتمعات من الانزلاق وراء فوضى قد يصعب ضبطها لاحقًا. كما يُحسب للكاتب أنه ربط النقاش بالأبعاد الأخلاقية والإنسانية، مؤكدًا أن التقنية لا تنفصل عن قيم المجتمع وهويته.
لكن، ورغم قوة الطرح، كان هناك غياب لافت للتعليم عن هذا النقاش ؟
الذكاء الاصطناعي ليس مجرد تهديد للبيانات أو منصات التواصل، بل هو أداة تغيّر جذريًا شكل التعليم في العالم. من قاعات الصفوف إلى المناهج وطرق التدريس، صار الذكاء الاصطناعي حاضرًا بقوة. ومن هنا، كان القارئ يتوقع أن يضع الوزير السابق للتربية والتعليم هذا الجانب في قلب تحليله، وأن يطرح أسئلة كبرى مثل:
كيف نضمن أن يبقى المعلم قائدًا للعملية التعليمية في زمن الخوارزميات؟
كيف نطوّر المناهج لتستفيد من هذه الأدوات بدل أن تظل متأخرة عنها؟
كيف نحمي الطلبة من فجوة رقمية قد تزيد من عدم المساواة داخل المجتمع؟
النقاش يصبح أوضح حين ننظر إلى تجارب دول أخرى:
فنلندا: جعلت الذكاء الاصطناعي جزءًا من المناهج الثانوية، لتربية جيل واعٍ بأساسيات التقنية.
كوريا الجنوبية: وضعت استراتيجية وطنية لتدريب المعلمين ودمج أدوات الذكاء الاصطناعي في التعليم.
الإمارات: أنشأت وزارة خاصة بالذكاء الاصطناعي وربطت مشاريعها التعليمية باستراتيجيتها الوطنية.
هذه التجارب تكشف أن التعليم ليس مجرد تفصيل جانبي، بل هو محور أي سياسة ناجحة للذكاء الاصطناعي.
النقد هنا ليس انتقاصًا من مقال د. صيدم، بل تذكيرًا بأن التعليم لا يجوز أن يبقى غائبًا عن النقاش. فالمطلوب اليوم هو خطاب وطني يجمع بين السياسة والتربية: تشريعات حكومية واضحة من جهة، ورؤية تربوية شاملة من جهة أخرى، تضمن أن يبقى الذكاء الاصطناعي أداة للنهوض لا وسيلة لتكريس الأزمات.
لقد أحسن د. صيدم في التحذير من المخاطر الرقمية، وفي الدعوة لحكومات رشيدة تتحرك بسرعة. لكن حتى يكتمل المشهد، نحتاج أن يكون التعليم في المركز لا في الهامش. فالمستقبل لن يُبنى فقط عبر كلمات مرور قوية أو سياسات تنظيمية سريعة، بل عبر جيل متعلم، واعٍ، قادر على استخدام الذكاء الاصطناعي لصالح وطنه وإنسانيته.
رابط قصير:
https://madar.news/?p=346630