جيش من هواياته اصطياد الاطفال…
                طوباس \ مدار نيوز / محمد داغمة
يوم السبت الماضي الخامس والعشرين من أكتوبر، كنت خارج البلاد، عندما علمت بتعرض ابن شقيقي، أحمد، البالغ من العمر ١٤ عاما، للاصابة بأربع رصاصات في جسده، اطلقها عليه جنود من على بعد بضعة امتار، في بلدتنا طوباس شمال الضفة الغربية. حاولت تخيل المشهد، كيف يمكن لفتى صغير أن يحتمل كل هذا الرصاص؟ وكيف يمكن لروحه ان تشفى من تجربة كان فيها الى الموت اقرب منه الى الحياة..
كيف حدث هذا؟

أحمد دراغمة تلميذ في المدرسة، وبعد الدوام يساعد والده الذي يبيع المشروبات الساخنة في كشك خشبي في السوق التجاري. ذهب والده الى البيت لاستراحة ما بعد الظهر وترك أحمد يعمل في الكشك الذي تعتاش منه عائلته.
دخل الجيش، وحدثت مواجهات كالعادة. اتصل والده به وطلب منه ان يترك الكشك ويعود الى البيت خشية تعرضه لأي أذى، واقترح عليه ان يبقى معه على الهاتف الخلوي كي يدله على طريق فرعي بعيد عن الشارع الرئيس الذي يتواجد فيه الجيش. وبينما هو يسير مع صديق له في سنه، ويستمع الى تعليمات والده عبر الهاتف، وجد نفسه وجها لوجه مع قوة من جنود المشاة. طلب منه الجنود أن يتوقف، لم يعرف ماذا يفعل فحاول الهرب، وما ان خطى عدة خطوات حتى أطلق الجنود النار عليه، فأصابوا كلتا يديه وكلتا رجلية. أحد الرصاصات اخترقت كاحل القدم اليسرى، وفتت العظم، ما يعنى انه لن يتمكن، بعد اليوم، من السير بشكل طبيعي، ولن يتمكن من ممارسة الرياضة التي تتطلب الجري. رصاصة ثانية اخترقت الشريان الرئيس في الفخذ الذي يسمى شريان الحياة لان اصابته تؤدي الى الموت في حال حدوث نزيف الحاد.. رصاصة ثالثة اصابت عظم الذراع، واحدثت فيها كسرا وضررا بالغا. رصاصه رابعه اخترقت عضل الفخذ.
قال لي أحمد عندما زرته في مستشفى ابن سينا في جنين بأنه سقط على الأرض، وان جسده كان يرجف بشده، وشعر انه يموت، وأخذ ينطلق الشهادة، كما تعلم في المدرسة….
تقدم منه احد الجنود وسأله بالعربية كم عمرك؟ قال لي بانه لم يقوى على النطق، فقام الجندي بإطلاق رصاصتين في الهواء فوق جسه، فأجابه مرتبكا: ١٤ عاما او ١٥ ؟ عندها اطلق الجندي رصاصه بين فخذيه، وهو مسجى على الأرض، ودماءه تنزف بغزاره بلا توقف. تفتت الرصاصة الى شظايا اصابته في مختلف انحاء جسده. وغاب الفتى الصغير عن الوعي.
غادر الجنود وتركو أحمد ينزف ويتخبط في دماءه… وبعد ان اختفوا من الموقع جاءته سيارة الإسعاف ونقلته الى المستشفى الوحيد في طوباس.
قال الأطباء بأنهم وجدوا دماء أحمد قد نزفت كاملة، فاخذوا يضخون فيه ما لديهم من مخزون من الدم. بلغ عدد وحدات الدم التي ضخت في جسده الصغير النحيل ١٥ وحده. رمم الأطباء شريانه المقطوع ما أبعد عنه خطر الموت، ثم انشغلوا في ترميم باقي الجسد.
نجى احمد من الموت لكنه لم ينج من آثار الإصابة. حالته الجسدية بالغة الصعوبة ويحتاج الى شهور من العلاج، وحالة النفسية اكثر سوءا. فالكوابيس تلاحقه في نومه وفي صحوه. ينام قليلا فتنهمر الكوابيس في نومه. يتخيل انه في السجن، وانه ليس على قيد الحياة…
نحن ممتنون الى الله الذي نجى احمد من موت محقق، ممتنون للأطباء. ممتنون الى الآلاف من أهل بلدنا طوباس الذين قدموا للاطمئنان عليه.
بالنسبة للفلسطينيين في الضفة الغربية هذا ليس حدثا استثنائيا كي يتوقفوا عنده، فهو جزء من روتين الحياة، فبعده سجلت عشرات الحوادث المماثلة والأكثر خطورة، منها اعتداءات مباشرة قام بها مستوطنون على العديد من المواطنين في بيوتهم وعلى مواشيهم، منها حادثة قتل المواشي ضربا بالعصي والطوب، ومنها عمليات اطلاق نار وغيره، وغالبيتها اعتداءات مصورة.
لكني اكتب هذه الحكاية كي يعرف العالم، وليعرف الشارع الإسرائيلي، ماذا يفعل الجنود والمستوطنون في الضفة الغربية، كيف يعاملون الأطفال والمزارعين والمارة، لعلهم يعرفون انهم لا يعرفون، ولعل احد الساسة يتقدم ليقول: كفى..
اكتب وكلمات رئيس حزب الديمقراطيين يائير غولان ترن في اذني عندما وصف حكومة بلاده بانها حكومة هوايتها قتل الأطفال الفلسطينيين..
رابط قصير:
https://madar.news/?p=348706
                      


