وأضافت أنه “أي شخص من خارج إسرائيل تحدثت معه، في السنتين الأخيرتين، ينظر إلى ما يحدث ولا يفهم كيف يمكن أن أصدقاءه الإسرائيليين يبدون الآن كمن لا يعيشون في الواقع نفسه. في الخارج يشعرون كأننا نحن الإسرائيليين صعدنا إلى مركبة فضائية وأصبحنا منقطعين عن العالم. هذا وضع خطير، من أجله أن يكلفنا أثمانا باهظة. وسيكون من الصعب إعادة العجلة إلى الوراء”.
وتابعت فنييفسكي أنه بعد الأشهر الستة الأولى للحرب “اعتقدنا أنها توشك على الانتهاء وأننا شهدنا فترة الحرب أو معظمها على الأقل. أصبح من الصعب أن نتذكر الآن، لكن كانت أسباب جيدة في حينه كي نعتقد ذلك، مع عناوين حول ’صفقة تتقدم، وبعد وقت قصير ستبرم’، التي نعلم اليوم أن الكثير من العناوين كانت خدع إعلامية. فالحرب لم تنته، لكن الأشهر الستة الأولى كانت كافية كي تبلور أنماط التفكير الإعلامي”.
وأشارت إلى أنه “كمن تشاهد نشرات الأخبار يوميا في السنتين الأخيرتين، بإمكاني القول إن التأطير والعمى اللذين تبلورا في حينه كسردية مركزية لوسائل الإعلام في الحرب، لم يتغيرا بعد سنتين”.
واتهمت فنييفسكي القناة 12 بأنها المسؤولة عن هذا الوضع. “وهناك عدة أسباب. فالقناة 12 هي المسيطرة بالكامل على وسائل الإعلام الإسرائيلية، والأكثر مشاهدة بلا منافس والأكثر تأثيرا أيضا. ونشرتها الإخبارية يشاهدها جميع صناع القرار، والنخبة السياسية، والعسكرية، والاقتصادية. وهم يفرضون الأجندة على وسائل الإعلام الأخرى أيضا. ومع القوة الكبيرة تأتي المسؤولية الكبيرة”.
وشددت على أن المأساة الإنسانية في قطاع غزة غابت كليا عن التغطية الإعلامية الإسرائيلية، وأن بحثها أكد على الفجوة الكبيرة بين التغطية الإعلامية في إسرائيل والعالم. “التقارير المصورة والصور من قطاع غزة التي ظهرت في نشرات الأخبار قدمت للمشاهدين القتال والجنود الإسرائيليين أو مبان مدمرة ومدنا مهجورة، وليس المعاناة الإنسانية وأثمان الحرب”.
وأضافت أنه “في الأشهر الستة الأولى قُتل في قطاع غزة أكثر من 31 ألف إنسان، بينهم 9 آلاف امرأة و13 ألف طفل. ومنذئذ وحتى اليوم يموت عشرات في القطاع يوميا، وحتى أن الجيش الإسرائيلي لا يدعي أن معظمهم مخربون. وهذه الحقيقة لم تدخل ولو بجملة واحدة في نشرات أخبار أي قناة مركزية إسرائيلية. كيف يتعين على مواطني إسرائيل أن يتخذوا قرارات مدروسة بشأن مستقبلهم بدون معلومات أساسية حول من مات ومتى؟ هذا وضع مضطرب”.
وأكدت فنييفسكي على أن “النتيجة هي أن التغطية الإعلامية الإسرائيلية عنصرية جديا، وكذلك في تعامل إسرائيل تجاه العالم وبكافة العبارات مثل ’جميعهم معادون للسامية’”.
سردية تمنح إسرائيل حقا أخلاقيا بالجود
أشار الباحث والمحاضر في قسم التربية في كلية “بيت بيرل”، يورام هارباز، في مقال في “هآرتس”، أمس، إلى أن “سرديتين قوميتين مؤسستين انهارتا في حرب 7 أكتوبر: السردية التي بموجبها إسرائيل هي ملاذا آمنا للشعب اليهودي، والسردية التي بموجبها إسرائيل لا يمكنها تنفيذ جرائم حرب وبالتأكيد لن تكون مسؤولة عن إبادة جماعية. ومن هذه الناحية، 7 أكتوبر هو مفترق تاريخي. ووجهة الدولة ليست واضحة، وأي سردية ستغرس في نفوس الطلاب في المدارس”.
واقتبس هارباز عن المنظر الإعلامي الأميركي، نيل بوستمان، أن “السردية هي قصة تمنح توجيها أخلاقيا، وشعور بالاستمرارية، وتسويغات حيال الماضي ووضوح للحاضر وأمل للمستقبل”. وأضاف أن “الشعوب والدول بحاجة إلى سردية تمنح معنى للحياة في إطار قومي وسياسي. وشعوب ودول يوجد تحد على وجودهم بحاجة إلى سردية كهذه بشكل أكثر إلحاحا، من أجل البقاء”.
وشدد على أنه “منذ قيام إسرائيل تصدعت السرديتان القوميتان المؤسستان: الحروب والإرهاب صدعا سردية الملاذ؛ الاحتلال والعمليات العسكرية التي ترفرف فوقها راية سوداء صدعت سردية الأخلاقيات الجوهرية بالنسبة لدولة اليهود. لكن التصدعات لم تقوض السرديات بالكامل”.

وأشار إلى أنه “حتى 7 أكتوبر والحرب التي جاءت في أعقابه، آمن معظم الإسرائيليين بأن إسرائيل هي الملاذ الآمن نسلبا لليهود، وأنها هي نفسها بريئة بشكل جوهري، وأن الجيش الإسرائيلي هو ’الجيش الأكثر أخلاقية في العالم’”.
وأضاف هارباز أن “التفكير بما كان سيحدث لو انضم حزب الله بكل قوته إلى هجوم حماس، وبالانتظار للصواريخ من إيران وصور مختطفين مجوّعين المحتجزين في أنفاق غزة، عزز تجربة الشتات والضحية الأساسية للوجود اليهودي. فالثورة الصهيونية، التي أعادت الشعب اليهودي إلى التاريخ وحولته من ضحية أبدية إلى شعب يدافع عن نفسه برعاية دولة سيادية قوية، انقلبت من قصة نجاح إلى قصة مشكوك بها”.
وبحسبه، فإن “’الجرح الأخلاقي’ ينتشر ببطء بين الإسرائيليين، المقاتلين والمواطنين”، بعد مشاهد القتل والتجويع والتدمير في قطاع غزة، “وانتشاره سيتسارع عندما يصل المراسلون الأجانب إلى المنطقة، وسيكسر الجنود صمتهم، وسينشر باحثون استنتاجاتهم وستتضح الصورة، أو تصبح سوداء. وبعد مرور الوقت فقط سيكون بالإمكان إدراك حجم الكارثة. والمرشدون في متحف المحرقة يقولون إنه كلما ابتعدنا عن الهولوكوست يصبح حجمها أكبر”.
وأضاف هارباز أنه “منذ الآن، وقبل الإدراك الكامل لدمار قطاع غزة ومقتل سكانه على أيدي الحكومة الإسرائيلية والجيش الإسرائيلي، تنتشر وصمة رهيبة ليس على حاضر إسرائيل فقط وإنما على ماضيها ومستقبلها أيضا. وسيُقرأ تاريخ الحركة الصهيونية من جديد من خلال دمار وموتى غزة، بشكل سيزلزل أسس الوطن القومي”.
وتابع “الآن، بعد أن تبددت السردية الثانية (التي بموجبها إسرائيل لا يمكنها تنفيذ جرائم حرب وإبادة جماعية) يوميا أمام أنظارنا، أصبح العيش في الدولة ليس تحديا جسديا فقط، وإنما تحديا أخلاقيا أيضا. والسؤال كيف سمح الألمان للنازيين بالسيطرة عليهم أو أنهم أصبحوا بهذا الشكل، يتلقى يوميا إجابة عادية”.
واعتبر هارباز أنه “بعد 7 أكتوبر سيكون من الصعب على المعلمين في دروس التاريخ والمدنيات والمراسم، وللمرشدين في حركات الشبيبة، غرس السرديتين الصهيونيتين في نفوس الطلاب. ورغم أن للسرديات قوة صمود، لكن توجد ’حقائق صعبة’ تفكك سرديات. والمجزرة التي ارتكبتها حماس في 7 أكتوبر والمجزرة التي ارتكبناها في غزة في الحرب موثقة جيدا. والسرديات القومية المؤسسة ستواجه صعوبة في تحييد الحقائق؛ وستكون هناك ضرورة لإيجاد سردية قومية جديدة”.
واقتبس هارباز عن بوستمان قوله إنه “’بدون سردية، المدرسة ستكون سجنا، وليس مكانا للتربية’. وهذا ينطبق على الشعب والدولة. بدون سردية الناس هم أسرى، مسجونين في شعب ودولة لا يتماثلون معهما”.
ورأى هارباز أن “السردية الوحيدة التي بمقدورها ترميم حق إسرائيل الأخلاقي بالوجود، وقدرتها على الوجود، ينبغي أن يكتبها اليهود والفلسطينيون الذين ينشدون السلام وحياة مشتركة ومتساوية. وبإمكان سردية كهذه يكتبها الشعبان اللذان ذبحا بعضهما طوال 150 عاما، أن تعيد إعمار دمار غزة وإسرائيل”.