رجا صوافطة: شهيد بلا هوية!
مدار نيوز، نشر بـ 2016/07/30 الساعة 5:49 مساءً
طوباس سردت الحلقة (34) من سلسلة “كواكب لا تغيب” التي تنفذها وزارة الإعلام في محافظة طوباس والأغوار الشمالية حكاية رجا حمدان صوافطة، الذي أوقفت رصاصة إسرائيلية أحلامه قبل 28 عامًا.
ونسجت الشقيقة حياة القصة من باباها إلى محرابها، فقد رافقت الأخ رجا، صاحب البشرة البيضاء، والشعر الذهبي، والعيون العسلية، وطويل القامة، ولم تنس التفاصيل المرة ليوم الأحد (21 آب 1988) حين خرج الشقيق من المنزل، ولم يعد إليه.
تقول بقلب مكلوم: ارتدى أخي بلوزة خضراء وبنطالاً رمادي اللون، وقال لنا إنه ذاهب إلى جنين لإصدار بطاقة هوية، وقد التقط صورة وقدّم أوراقه، ثم عاد قاصدًا مكان عمله في محددة عائلة أبو محسن، وقبل أن يصله كانت المواجهات تشتعل في طوباس، فنزل من الحافلة، وغّير طريقه.
مطاردة ساخنة
ومما عرفته الأخت والأهل ونقله شهود عيان إلى العم عزت صوافطة (أبو طلال)، أن جنديًا إسرائيلياً لاحق رجا من زقاق إلى زقاق مسافة (2 كيلومتراً تقريبا)، وأضطر الفتى إلى الاحتماء بمنزل المواطن حسن خضيرات، فصار الجندي الذي يجيد العربية يصوب السلاح نحو المنزل، ويهدد بإطلاق النار، فقرر الحدّاد الصغير الخروج من النافذة ورفع يديه؛ كي لا يتسبب بالأذى للعائلة، وقال لملاحقه: ( أنا هنا ، لا شيء معي) لكن الجندي أطلق عليه النار من مسافة قريبة، فاستقرت الرصاصة برأسه، ليسقط من النافذة.
تتابع حياة والعم أبو طلال بصوت منهك وعيون تسكنها الأحزن: سأل طفل من سكان البيت (لماذا أطلقت النار وقتلت رجا، ولم تعتقله؟) فرد: (لأنه عذبني كثيراً)!
حاول الشبان وأهالي الحي القديم إسعاف رجا، ونُقل الفتى إلى مستشفى الاتحاد بنابلس، إلا أنه استشهد قبل أن يتلقى العلاج، ليعود إلى منزله بلا بطاقة هوية على أكتاف المشيعين الذين طافوا به طوباس، واكتفى الجنود بمراقبة المقبرة من سطح بناية مجاورة.
مُسجل وعريشة
ويحتل رجا الترتيب السادس في بين ستة أولاد وابنتين: يحيى، ومحمود، وحياة، وسليمان، وأحمد، ورجا، وسهام، وموفق، فيما ظلت والدته نظمية رهينة أحزانها حتى رحلت في أيار 2009، وواصل والده الاكتواء بوجع الفراق لحين غيابه في حزيران 2015.
تكمل حياة: نحتفظ بالمسجل السكني لرجا، ومعه عشرات الأشرطة (الكاسيتات) التي كان يسمعها، وفيها أغانٍ وطنية، وأخرى لعبد الحليم حافظ، وبعضها لفيروز وفريد الأطرش، ولم نخرج البطاريات من مكانها إلى أن ذابت داخل الجهاز. ولا زالت ملابسه تُعطر منزلنا، وتذكرنا عريشة كرم العنب به كل لحظة، فقد صنعها بنفسه هو ومعلمه الحداد سلمان أبو محسن.
ووفق الأخت التي تطوقها الأوجاع، فقد حرص الشهيد، الذي أبصر الشهيد النور في طوباس يوم 28 تموز 1971، على توزيع الشكولاته والبوظة بعد استلامه لأول راتب من عمله، فيما اعتاد أن يجهز للعائلة طعام العشاء بعد العودة من العمل، فيأتي بالفلافل والخبز الساخن، ويجمع الأم والأب والأخوة على المائدة.
تتابع: كان أخي يشعر بالمسؤولية، وقرر أن يخرج من المدرسة ويتعلم حرفة، وكنا نشجعه للبدء ببناء بيت العمر، واختيار شريكة الحياة، لكنهم لم يمهلونا الفرصة لذلك، وبرصاصة واحدة وضعوا حدا لكل شيء.
استراحة وألم
زرعت رصاصة الجندي الناطق بالعربية وأسمر البشرة الحزن في قلب العائلة، ونقلت الابن الأشقر إلى المدفن القريب، وصارت الأم تزور القبر يومياً، إلى أن دفنت فيها بحوار صغيرها، فيما حظرت الأسرة تشغيل التلفاز خمس سنوات، وقاطعت كل الأغاني التي كان يسمعها الابن.
أعادت عائلة صوافطة إحياء اسم رجا، فرجا سلمان في السابعة عشرة، ورجا محمود تجاوز العشرين، لكن الأحزان لم تفارق المنزل الذي تحتفظ جدرانه بالصورة اليتيمة لابنها.
انتقل الحداد من ورشته ومسرح أحلامه إلى استراحته الأخيرة، وصار يجاور جده محمد وجدته عائشة ووالدته ووالده، فيما تحرس شواهد القبر أعمدة حديدية صنعها معلمه تكريمًا للمتعلم والعامل المُجد.
تنهي حياة: حين نرى صاحبه مالك، وقد تزوج وأسس أسرة وصار أولاده طوله، نتذكر رجا، وتألمنا يوم استشهد صديقه مالك بانفجار لغم أرضي في الأغوار، وتعود الأحزان لقلوبنا عندما نجتمع في رمضان والأعياد والصيف وكل لحظة، فقد توقف قلب الأخ الكتوم والجدي والعطوف من غير رجعة.
قصص وتوثيق
بدوره أشار منسق وزارة الإعلام في محافظة طوباس عبد الباسط خلف إلى أن سلسلة “كواكب لا تغيب”، التي تنظمها الوزارة بالتعاون مع الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية، أعادت منذ انطلاقتها قبل ثلاث سنوات كتابة (46) من القصص الإنسانية لشهداء انتفاضة الحجارة ( الذين ارتقوا بين الأعوام 1987 و1993).
وأضاف: تنقلت الوزارة بين مدينة طوباس ومخيم الفارعة وبلدتي: عقابا، وطمون، وقرية تياسير، كما سردت حكايات لشهداء امتزج دمهم بتراب طوباس وغورها بعد النكسة وحتى منتصف الثمانينيات.
رابط قصير:
https://madar.news/?p=1689